صدقوني أو لا تصدقوني.. فلم يعد يعنيني أبداً من سيحكم مصر.. فليحكم أياً كان.. بهذا آمنت وأنا أكاد اقترب من معرفة السبب وراء ما يثار الآن من صراع بدأ خفياً ثم أخذ يطفو فوق السطح.. بين العديد من الألوان السياسية التي خرجت بعد أن ظل نظام مبارك القمعي لثلاث عقود لا يسمح إلا بلون واحد.. أبيض أو أخضر أو فوشيا.. لا يهم.. سواء كان اللون اختيار مبارك أو نجله أو حزبه أو حتى ذوق عقيلته السيدة أو السيئة الأولى.. المهم أن تطلى مصر كلها بهذا اللون.. الأرض والسماء والأشخاص.. الصحف ووسائل الإعلام.. حتى الدستور وأحكام القضاء وربما صفحات الكتب السماوية . تماماً كما كنا نلتف في معمل العلوم ونحن صغار حول "المنشور الثلاثي" لنراقب بعيون يملأها العجب قيامه بتحليل الضوء إلى ألوان الطيف السبعة.. فقد شاهدنا طوال الأشهر الماضية ثورة 25 يناير وهي تقوم بتحليل ذلك اللون الوحيد الأوحد لنظام مبارك إلى عشرات الألوان السياسية.. بين ألوان تتطرف إسلامياً وأخرى تنحو نحو اليسار و ثالثة تملأ المسافات بين كلا القطبين.. وإذا كان البعض قد أصابه الفزع من ذلك الانفجار اللوني فعلى النقيض من هذا مازلت أرى فيه ظاهرة صحية رغم تعارضها الشديد مع حالة الاستقرار الزائف التي كان يرسمها النظام السابق والتي مازال البعض ينشدها بحثاً عن مخرج من حالة انعدام الأمن في البلاد.. وأقول "استقرار زائف" لأن الواقع قد كشف أن النظام السابق لم يكن يعالج المشكلات بقدر ما كان يؤجلها فحسب.. فلقد قطف هذا النظام ألذ ما في الشجرة من ثمر وترك لنا العطن لنقتطفه . أعجبتني نكتة تقول : بخت يوم من أيامك يا ريس.. ما كنش فيه مسلم ومسيحي.. كنت مكفرنا كلنا.. نكتة ساخرة ولكنها كالمرآة تكشف بنوع من الكوميديا السوداء عورات ما عشناه من واقع شديد المرارة.. فكلنا كنا ضحايا النظام.. لقد صهرنا في بوتقة الظلم حتى غدونا مزيجاً من القهر.. وحين تسللت أمراض الجوع والفقر و المرض والبطالة والعنوسة والهجرة غير الشرعية إلى بيوتنا لم تفرق بين أبيض وأسود.. بين إخواني وسلفي.. بين سني وشيعي.. بين مسلم وقبطي.. ورغم سوداوية تلك الصورة إلا أنها ربما كانت الحسنة الوحيدة للنظام.. فقد شهدت ثورة 25 يناير خروج كافة ألوان الشعب المصري على اختلافها ممتزجة في لون واحد.. لون وطني أصيل.. فصرخ الشعب بكل لكناته ولهجاته مطالباً بإسقاط النظام . إن الشعب الذي عرف الطريق إلى الميدان لن يضل طريقه بعد اليوم.. هكذا آمنت ولهذا أبقى على تفاؤلي في وقت فقد الكثير منا تفاؤله.. ليغرق في دوامات البحث عن الاستقرار والحراك الاقتصادي في بلد مازالت تحبو أول خطواتها نحو بناء دولة ديموقراطية بحق.. والديمقراطيات لا تنشأ إلا في مناخ من التعددية.. وهذا ما بدأت مصر تعيشه خلال الأشهر الماضية من ظهور نوايا قيام عدد من الأحزاب ناهيك عن عودة العديد من الجماعات لممارسة نشاطها السياسي تحت ضوء الشمس بعد سنوات من ممارسته في الظلام أو في غياهب السجون . ربما لهذا لا أجد غضاضة في أن يكون نظامنا القادم رئاسياً أم برلماني.. أن يكون نظامنا التشريعي من غرفة أو غرفتين.. أو حتى أن يكون رئيسنا القادم ملتحياً أو موشوماً بالصليب.. لا يهم.. فالشعب قد بلغ حداً لن يستطيع بعده أن يترك لأحد أياً كان أن يتلاعب بمصيره ولقمة عيشه.. وفي المقابل فإن من سيحكم مصر ستظل صورة مبارك ونظامه الذي بلغ غروره حد الطغيان ماثلة أمام عينيه.. ستظل تدفعه إلى أن يتقي الله ألف مرة ومرة في شعب ذاق الأمرين طوال عقود من الظلام والفقر ثم بذل في سبيل الخروج منها روحه ودمه.. شعب يستحق أن يستنشق بعد كل هذا هواء الحرية . أحمد أبو العينين القاهرة 17/5/2011 [email protected]