هناك شبح يسكن الحلم ويأبى أن يفارقه بسهولة رغم أننا لا نراه بوضوح، غير أن وجوده باق يُكرس الوقت ويقتله من أجل إجهاض الثورة، وحلم التغير للأفضل والتي من الصعب إجهاضها ،وقد تحول الشبح بعد هذا الوقت إلي مُعطيات ملموسة في أرض الواقع الذي نحلم بروعته القادمة كي يصبح وجوده الحي الفاعل في صيرورة اجتماعية نراها لصالح هذا الوطن غير أن ما هو متمثل في انحرافات الواقع المتأزم والملغوم دوما بالاتجاه نحو العدوان والفرقة والتناحر،الانقسام والتأزم الاجتماعي والتأرجح السياسي وحيث الانتظار السلبي الدائم لروح الثابت العاجز الذي يستعيد ببطيء شديد وقته وملامحه، بوهن يمرر الحقائق وينجرف للخلف خطوات كبيرة بدلا من المتحرك النشط دوما في أرضية الواقع وربما أكثر الملامح التي تنذر بالخطر في الوقت الراهن أنه يبدو أننا نفقد السيطرة علي موقف الثورة الخاص وأننا نبتعد تدريجيا عن الهدف الرئيسي للنهوض بالواقع بدلا من التقدم للأمام نتراجع للخلف، كيف أصبحنا سجناء اللحظة والموقف في حصار مع هيمنة رجال بعينهم، نواجه مواقفا حافلة بالتناقض مليئة بالشك والريبة؟ فهل نواجه مأزق زمني وتاريخي وسياسي نعم هذا واضح في السلوك الإداري وموقف القيادة العسكرية التي تدير البلاد مع مواجهات كثيرة لا أول لها ولا أخر تبدأ من الداخل مع فلول النظام وهيمنته وقبضته الحديدية علي كل المعطيات في الحياة السياسية بدأ من المجالس الشعبية المحلية في القرية المصرية والتي لازالت تعمل بشكل أو بأخر سواء مباشر أو ملتف علي الثورة وحتي السلطة السياسية المنهارة التي تحاول النهوض بأشكال مختلفة وتوجهات آنية إلى جانب القوى السلفية التي بدأت تتقدم بثقة وتعزز وجودها الفاعل مُتنمرة وطارحة كل أشكالها ومن مختلف الفئات والتوجهات السياسية ويبدو أنها تستثمر كافة الموقف الواهنة سواء للقيادة السياسية المتخبطة في قرارها أو للفئات الاجتماعية التي تنظر إليهم نظرة رضاء تتوسم فيهم تغيرا حقيقا، مُختلفا عن معاناة وطغيان وهيمنة الحزب الوطني بكل طبقاته وفئاته التي لازالت تعمل بخفاء وتعبث فسادا مع هذه المعطيات الداخلية تظل هذه الأمة في مواجهة دائمة مع أعداء الخارج ضمن أطروحات أكثر تعقيدا تعزز قيمها ومواقفها لصالحها في النهاية بالطبع سواء أكانت إسرائيل وشريكها الرئيسي أمريكا أو طهران أو المد العربي السلفي القديم، الذي يغزي عناصر بعينها في مصر وغيرها من القوي التي لها مصالح في المنطفة العربية وفي مصر تحديدا تعمل هذه المعطيات جميعا على إجهاض المطالب الديمقراطية وحق الجماهير في حرية حقيقة شاملة وتغيير نوعي وجذري لمسيرة الحياة نحو دوله ناضجة سياسيا تكفل العدالة والحرية للجميع من هذا الموقف الذي يلفت النظر، تبدو الطرق المؤدية إلي النجاة حافلة بمخاطر جسيمة بل أكثر صعوبة في المرور من عنق الزجاجة الضيق هل هو ضيق في الرؤى السياسية أم تخبط في القرار أم الاثنين معا تبدو علامات التعجب والدهشة والحيرة والسؤال في وجه المواطن العادي فيسأل سؤال بديهي ( هي البلد راحة فين ) سؤال عادي برغم عمقه السياسي والاجتماعي وأهميته إلي أنه والحال الذي يستشعره الجميع فلا وضوح للرؤى ولا مواقف تنبئ عن تغيرات حقيقة وعميقة ملموسة تمنح الأمل للمواطن وتخفف العبء عن كاهله التعب طوال الوقت، صحيح أن الوقت ضيق ولكن الخطى رتيبة ، من الصعب أن نؤسس وضعنا الحالي ضمن أي موقف تاريخي سوى لحظات الانتظار التي تجهل القادم ولكنها لابد أن تتقدم إلي المستقبل بطريقة ما واضحة وجلية كي لا نقول أننا لسنا علي الطريق الذي يؤسس حتى الآن لديمقراطية حقيقة بل ننساق إلي طريق مختلف ربما يري البعض الطريق بشكل أكثر وضوحا لكن من المهم أن تكون لدينا خطط واضحة الملامح ورؤيا سياسية أكثر نضجا يعرفها المواطن تسير بنا في الاتجاه الصحيح تتضح فيها ملامح المرحلة القادمة علي الأقل ويثبت ما يدل علي أننا تجاوزنا الكشف نحو بدأ العلاج في مجتمع مريض كان علي وشك الانهيار السياسي والاجتماعي، بل الموت لكل مقدراته، لقد تميزت الثورة بكونها ولدت طاقة حقيقة للفرد في المجتمع وأثرت نظرتنا للحياة ضمن منظومة اجتماعية جديدة خالقة عالم متحرر من هيمنة واستبداد أفراد بعينهم وكيانات بعينها، وقدمت للإنسان فاعلية الأمل في درب مختلف من الحياة الكريمة التي يمكن أن يكون عليها. كي تتضح له الرؤيا ويستشعر فيه الإنسان وجوده ويقدم طاقاته في خدمة هذا البلد. لاشك أننا أمام مجموعة هائلة من التحديات التي يجب العمل علي تجاوزها والحد من مشكلاتها الراهنة التي يولدها الظرف التاريخي، لقد مثلت الثورة المصرية نموذجا ليس له سوابق في تاريخ الثورات في العالم بما حملته من أفكار وطموحات والتي تحتاج إلي تنفيذ علي أرض الواقع، أو علي الأقل طرق واضحة الملامح.