إن المراقب للسياسات الإسرائيلية التي ينتهجها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو يرى بدون أدنى شك أنه يرفض رفضاً مطلقاً قيام دولة فلسطينية، فهو وكلما بدا في الأفق أنه هناك حل وشيك قائم على تنازل فلسطيني وضغوط دولية، يقوم بتصعيد اشتراطاته بحيث يستحيل على الطرف الفلسطيني قبول اشتراطه الجديد، من خلال الاشتراط عليه الاعتراف بيهودية الكيان الإسرائيلي، فهو يدرك صعوبة موافقة الطرف الفلسطيني على ذلك، وحتى لو تم الاعتراف الفلسطيني بهذا الشرط، فسيعمل نتنياهو على خلق شرط جديد أكبر وأكثر صعوبة من الأول، فالحكومة الإسرائيلية تريد استغلال الوقت من أجل شطب مزيد من الحقوق الفلسطينية واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية، مستغلة التداعيات العربية وموقف الإدارة الأمريكية المناصر لها. واليوم رغم الجولات المكثفة التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري راعي المفاوضات، ومحاولته طرح اتفاق إطار، ينحاز بشكل كبير في مضمونه لإسرائيل، ويقلل من إمكانية إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة ويشرع الاستيطان في الأرض الفلسطينية والقدس والأغوار، ويقضي على قضية اللاجئين إلا أن إسرائيل لم تستطع القبول بهذا الإنفاق وتحاول مراراً التملص وإنهاء الفترة الزمنية المحددة للمفاوضات دون تحقيق أي إنجاز، وذلك من خلال وضع العراقيل والذارئع من أجل إفشالها. وفي سلسلة الانحياز الأمريكي لإسرائيل أكد كيري مؤخرا في مؤتمر صحفي تجديد التزام الولاياتالمتحدة المطلق بأمن إسرائيل، الذي يعتبر من سلم أولويات البيت الأبيض، وهنا أرى إنه لا يوجد أي ضرورة لاستمرار هذه المفاوضات العبثية بين الطرفين، والتي يستغلها الاحتلال لمواصلة بناء المستوطنات والتهويد في القدس، وفرض الوقائع على الأرض، في ظل محاولات أمريكية لتمرير خطة كيري التي تستهدف القضية وشطب حق العودة للفلسطينيين وإيجاد حل يخدم أمن دولة الإرهاب والاحتلال في المنطقة، وأخيراً محاولته لضم الأغوار إلى دولة الاحتلال قسراً، مما يعكس عدم رغبة حكومة الاحتلال في توقيع الاتفاق المذكور، وأن كافة ما تقوم به إسرائيل وأمريكا هو مراوغة للاستمرار في نهج المفاوضات من أجل المفاوضات. إن التحديات التي تواجه مسيرة التسوية واضحة وضوح الشمس، وتتمثل في عدم التزام الطرف الإسرائيلي بما وقعوا عليه من اتفاقيات وتعهدات، في محاولة فرض إملاءات وشروط تستهدف تحقيق توقعات الشعب الفلسطيني وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان تلك التحديات التي واجهتها القيادة الفلسطينية خلال حقبة حكم البلدوزر الإسرائيلي أرائيل شارون ومن بعده المتطرف أيهود اولمرت. إن الشعب الفلسطيني الذي يتمسك بخيار وحق المقاومة ويمد يده للسلام العادل والشامل، يتطلع بكل مسؤولية وطنية وتاريخية لنجاح كافة الجهود الإقليمية والدولية والعربية المبذولة للخروج من دائرة الأزمة والصراع، ولقد أعطت السلطة الوطنية الفلسطينية والقيادة الفلسطينية الفرصة لإنجاح هذه الجهود أكثر من مرة من أجل وضع حد للسياسات الإرهابية والأعمال الإجرامية الإسرائيلية. إن نتنياهو والذي يحاول أن يجردنا من بعض أسلحتنا الدفاعية في المجال الدولي والدبلوماسي إلا من عزيمتنا وإرادتنا المتينة، بحكم انتمائه لحزب الليكود المتطرف، فان مواجهته ستكون أكثر دقة في هذه المرحلة العصيبة التي نمر بها، ولكنها تتركز على مجموعة عوامل رئيسية. أولا: عدم التراجع عن أي موقف مبدئي تقرر القيادة الفلسطينية تنفيذه، وفي مقدمة ذلك عدم استمرار التفاوض في ظل استفحال الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والتنكر للحقوق الوطنية. ثانيا: تفعيل وتعزيز الحوار الوطني بالطرق الديمقراطية والسلمية في الحياة الفلسطينية لترتيب البيت الفلسطيني على كافة الصعد، وتوحيد الخطاب السياسي على أساس برنامج الوفاق الوطني. ثالثا: حشد كافة الإمكانيات لمواجهة التحديات الماثلة واستكمال المشروع الوطني الفلسطيني وتحقيق الحقوق المشروعة في الحرية والتحرير والعودة والاستقلال الوطني الكامل. رابعا: حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة والتمسك بخيار المقاومة، ووضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي الشامل. علينا الآن أن نقيم ظروفنا جيدا وخصوصا وأن أمريكا الراعي الرسمي لعملية السلام المتوقفة فعليا، تكيل الكيل بمكيالين، وأن ندرك المخاطر والعواصف المحدقة بنا وبقضيتنا جيدا، والذي يتطلب أمانة المسئولية الوطنية والمراجعة لما هو سلبي، والاستمرار فيما هو إيجابي لصالح الوطن والقضية، وعلى جميع الكل العربي أن يدرك أن أوراق قوتنا الأساسية نحن الفلسطينيين ما زالت بأيدينا، وأن شعبنا الفلسطيني غير قابل للخضوع أو الخنوع أو الانحناء أو الاستسلام، وأن الحرب النفسية ومحاولات التدمير المعنوي من بعض الأقزام وضعفاء النفوس في حكومة إسرائيل وفرضهم بعض الطروحات والأفكار، والتي تدخل في مزادات التخبط السياسي والإشاعة والتخويف، هي زبد سيذهب جفاء، وهي أعراض سيغمرها بحر الصمود الفلسطيني. الإعلامي والباحث السياسي [email protected]