الآن وبعدما انتهت مراسم ميدان التحرير يجدر بنا أن نقف متأملين في كل مجرياتها وما تتضمنه من إشارات ورسائل موجهة بطريقة مباشرة وغير مباشرة لكل الأمة أفرادا وحكومات، فهذا الميدان سيبقى مدرسة تلقى فيها كل من تابع أحداثه دروسا كثيرة يمكن لمن لديه اهتمام الاستفادة منها باستنباط ما يريد من خلال هذه الوقفات، ومن المؤكد أن معظم هذه الدروس والرسائل تصب في مصلحة الأمة بكل مكوناتها، وهي فرصة لإعادة النظر في أشياء كثيرة كادت أن تصبح موروثا مقدسا لا نحيد عنه قيد أنملة، بل قد وصل الحال ببعضنا إلى درجة الانغلاق التام وعدم قبول أية محاولة للتطوير أو التجديد أو حتى التغيير الجذري. من أولى الرسائل التي وجهها شباب مصر الأوفياء إلى شباب الأمة درس الحب والإخلاص لبلادهم وعمق الانتماء الحقيقي والدرجة العالية من الاهتمام بالمصالح العامة وتقديمها على المصالح الشخصية، ظهر هذا في حسن تنظيمهم وأدائهم والتعامل الراقي فيما بينهم ذكورا وإناثا وكيف اختفت المظاهر السلبية والسلوكيات الخاطئة التي كانت تبرز قبل الأحداث كالتحرش بالفتيات والنساء وكثيرا من التصرفات التافهة التي ارتبطت عادة بالفراغ الفكري والروحي والبطالة، ولذلك كان الشباب خلال أيام وليالي ميدان التحرير نموذجا لما يمكن أن يكون عليه أي شباب عندما يرتقي بفكره واهتماماته وتوجهاته، مما يحمل المجتمع بكامل مستوياته مسؤولية مساعدة الشباب على التعرف على قدراته وكيفية استثمار إمكاناته الإيجابية في بناء بلادهم وتطوير أنفسهم وخدمة أهليهم ومجتمعاتهم وأوطانهم. ومن الرسائل التي ظهرت بكل وضوح خلال أيام الميدان أهمية التربية الإيمانية لكل المجتمع خاصة وأن المجتمع المصري متدين بطبيعته، اتضح ذلك خلال إقامة الصلاة جماعة لكل الفروض ويوم الجمعة وكيفية الانتظام خلف إمام واحد في مشهد لم يعرف عادة إلا في الحرمين الشريفين ويوم عرفات، كما ظهر ذلك في إقامة المسيحيين صلاتهم والمسلمون يحوطونهم ويرعونهم، فالتربية الدينية من أهم عناصر توحيد المجتمع العربي المسلم، رغم محاولات الأنظمة السياسية التي حكمت مصر خلال العقود الماضية في تغريب وعلمنة المجتمع بإهمال تدريس التربية الدينية لأبناء مصر وعدم إعطاء المواد الدينية أي اهتمام، ولكن رغبة المجتمع عامة والآباء والأمهات والمخلصين في تربية أبنائهم وبناتهم بما يرضي ربهم كان أحد أركان الحفاظ على كيان المجتمع المصري متماسكا قويا.