"أعطنى مسرحا أعطيك شعبا" قالها الممثل والمخرج المسرحى الروسى " ستانسلافسكي".. نحن لسنا فى حاجة إلى قانون للتظاهر فحسب بل نحتاج إلى قانون يحكم الأعمال الفنية لحماية الذوق العام وعدم خدش الحياء فليست الأسرة وحدها هى المنوطة بتربية الإنسان بل يشترك فى ذلك المدرسة والشارع والسينما والمسرح وكل وسائل الإعلام وأجد أن السينما والمسرح والتلفزيون أكثر هذه الأدوات فى تشكيل شخصية الإنسان فى مرحلة عمرية خطيرة بين سن الطفولة وسن الشباب وربما يمتد تأثيرها إلى ما بعد الزواج فتكون من الأسباب الرئيسية فى الفتور الذى يسود الحياة الزوجية ويؤدى إلى جدارا من العزلة بين الزوجين ويرتفع الجدار يوما بعد يوم , فإن كان الشباب فى الزمن الماضى يسعى إلى الإنتاج الفنى خارج بيته متمثلا فى أفلام دور العرض السينمائى أو المسرحى حيث لا يوجد غيرها فإنها فى الزمن الحالى تصل إليه أينما كان فهي متعددة تلاحق من يريد وتطارده حتى عقر داره من خلال المئات من القنوات التليفزيونية أو ملايين من مواقع النت , إلا أن نوعية العرض قد تباينت بين الماضى والحاضر فقد كانت أفلام ممثلات الإغراء "مارلين مونرو" الأمريكية أو "هند رستم" المصرية فى الماضى تتوارى خجلا أمام مشاهد العري والإسفاف السائدة فى الوقت الحاضر فقد كان يكفى أن تهل على الشاشة واحدة من ممثلات الإغراء وتمشى فى دلال فتصيب الشباب فى قاعة العرض بنوبة من الصياح والهياج ويزداد الإنفعال ويصل إلى الذروة لمجرد أن يظهر على الشاشة مشهد دخول البطل والبطلة إلى إحدى الحجرات وإغلاق الباب فتمتلئ قاعة السينما بالضجيج والصفير المتواصل من البعض والمتقطع من البعض الآخر كتعبير آدمى لنهيق الحمير! رغم أن المشهد خاليا تماما من العري حيث كانت الفنانة فى الماضى تستر ما تكشف عنه فنانات اليوم لأنها على قناعة بأن هذا المستور ليس من حق أى أحد اختراقه! كما أن المشهد أعطى فرصة لمتبلد الإحساس أن ينشط خياله!.. حتى الأغانى قد أصابها مس شيطانى ، فكنا من قبل نوظف حاسة السمع التى قدمها القرآن الكريم فى كل آياته عن حاسة البصر ثم نترك لخيالنا الفرصة لتصوير معانى الكلمات الجميلة ، فكنت تسمع لأم كلثوم وهى تتغنى بقصيدة الأطلال "هل رأى الحب سكارى..." فتذوب عشقا من فرط الإنفعال وتتأجج العاطفة وكان ذلك كفيلا بأن يشتعل جسدك حرارة!.. وربما كانت تنحدر من عيونك دمعة وأنت تشاهد "عبد الوهاب" فى فيلم "غزل البنات" وهو يشدو: "وكل ده وانت مش داري .. ياناسيني وانا جنبك حاولت كتير أبوح واشكي .. واقرب شكوتي منك ولقيتك في السما عالى .. وانا في الأرض مش طايلك حضنت الشكوى في قلبي .. وفطمت الروح على بابك" فقد كانت دموع "نجيب الريحانى" حقيقية فى هذا المشهد! أما الآن ومع الإنفلات الشديد فى الأخلاق رغم إطلاق اللحية حتى الصدر واستبدال حجاب المرأة بالنقاب فقد تم استبدال كل ما سبق من تراث جميل بما يسمى "فيديو كليب" والتى وصل فيها العري إلى فعل فاضح فى الوقت الذى يلعب بأعصابك مخرج الأغنية بتقطيع المشاهد حتى يصيبك بالحول حتى لاتستطيع أن تعى كلمات أغنية "تامر حسنى" لأنها بلا معنى: " حلاوتها وهي ماشيه تدلع ف الهوي خمسين ستين سبعين تمانين مليون شاب استوي بتقولي عايز لمحه واحده ولا نص لمحه ودا كله كان من نظرة واحده لوحتني لوحه"!!! ثم تنتقل إلى الأسوأ لتشاهد فيديو "سعد الصغير" إمعانا فى إفساد الذوق حتى تفقد إحساسك بالجمال: "يا عم يا بتاع الحنطور يا محنطر يا ما نفسي اركب الحنطور واتحنطر واقعد قدام واشد اللجام وهجيب الجو بتاعي يركب قدامي ويحط ايديه في دراعي نتأنجج بيا ونتمخطر"!!! ووسط هذا المسخ الشيطانى لم يعد يتناسب مع الموقف "هل رأى الحب سكارى؟" ولا حتى "هل رأى الحب حمارا؟!" وربما نستبدل الكلمات الرقيقة التى تغنى بها عبدالوهاب "ساعة مابشوفك جنبى..مقدرش أدارى وخبى" إلى جهل أزلى "ساعة مابشوفك جنبى..خمسين عفريت يركبنى!" ونتيجة حتمية لخيبة الأمل فى انحدار مستوى الأخلاق لدى المنتجين لهذه الأعمال التى يصفونها كذبا وبهتانا بأنها فنية أجد السلوى فى موال كان ينشده الراحل محمد عبد المطلب: "غدار يا زمن لا ليك خل ولا صاحب عز الحبايب خدتهم ولا فضلش ولا صاحب انا صاحبت صاحب اتاري صاحبي مصاحب وصاحب اتنين يا زمن ما لوش صاحب واشكيك لمين يا زمن وانت ما لكش صاحب غدار يا زمن لا ليك خل ولا صاحب"