الخطابين السياسى والدينى بين العراقة والحداثة الخطيبُ المُطربش وذو الجُبَّةِ والمِسبحة وعلى منابر المساجد خطيباً لجُمعةِ المُسلمين نهاراً بينما نراهُ السياسىُ ليلاً على القنوات الفضائية كمُذيعاً ومُحاوراً وداعياً سياسياً وهاتفاً ثوريَّاُ هو حقاً ظاهرةً من بعد نجاح الثورة المصرية .. المظهران مُختلفان بينما فمظهرٌ فى الحالين واحد .. بدأنا نرى الخطيب الثورى من جديد .. لكننا نخشى من انتشار هذه الظاهرة والتمادى فيها والتأسى بها مقدار ما يُمكِن أن يتعرَّضُ الوطن معها وفى ظلَِها من مخاطر وتداعيَّاتٍ حارقة .. كان هذا مقبولاً قديماً حينما كان مندوباً توحُد الخطاب الدينى والسياسى شكلاً وموضُوعاً ضد مخاطر الاستعمار والجهاد ضد الاحتلال ومناهضة الحاكم المُستبد والأنظمة الفاسدة.. بينما اليوم فالوطنُ هو قبلة الجميع وقد نجحت الثورة بالفعل ويكون من شأن فتح المجال لخطباء المنابر للتناول السياسى فى وطنٍ ليس حكراً على المسلمين فحسب بل شركةً تجمعهُم وطوائف أخرى وعقائد مختلفة أن يُمثِّلَ خطورةٌ مُحدقة .. اذ يكون بِمُكنة الخطاب الكنسى ساعتها وبلا إعتراضٍ مِنَّا تناول السياسة بلباس النيافات وأردية الأديِِّرة بمايُمثِّلُ هو الآخر خطورة مُحدقَةٌ كذلك .. إن منابر المساجد ياسادة وأروقة الكنائس كذلك يجب أن تظلَّ بعيدة عن التوجهات السياسية التى بمكنتها تعبئة الرأى العام فى إتجاهاتٍ سياسيةٍ مُحددة يبتغيها صاحب الخطاب بسهولةٍ ويُسر قد لاتتوافران لغيرهما من الخُطباء السياسيين وأصحاب الرؤى السياسية خاصةًً و خطيب الجمعة الاسلامى أو ذوى الخطاب الكنسى من أصحاب النيافات هم متحدثون دون مُعقِّب لايجرؤ أحدٌ على مُقاطعة أحدهم حتى ينتهى من خطبته أو كلمته الوعظيَّة لمدة هى تذيدُ على الساعة تقريباً بما يُمكِّنهُ من توصيل رسالته السياسية وتوجهه السياسى كما يُريد هو وبلا نقدٍ أو اعتراضً أو تفنيدٍ من المُتلقى بل ويُصبِغُ مايُريده بجلال الخطاب الدينى ورضاء الرب فى نفوس المُصلِّين وأبناء العقيدة المُوجِّه إليهم خطبته وهذا هو مكمن الخطورة .. ينبغى أن يظل الخطاب الدينى دينيَّاً صِرفاً وأن يبتعد عن أُطُر السياسة حفاظاً على أمن الوطن الذى تشتركُ فيه مللٌ عدَّة ومُعتقداتٌ كثيرة .. فالدين لله والوطن للجميع .. ولاينال من هذا وجوب كفالة حُريَّة الرأى للجميع بما فيهم خطباء المنابر ورجال الكنيسة إذ هناك من الفئات ماتطلَّب أمن البلاد القومى وأمن الوطن حرمانهم من هذا الحق كرجال الجيش والقضاء والداخلية ومن ثم يكون رجال الدين محلاً لذات الغرض من المنع والحرمان تحقيقاً لمقاصد امن الوطن وسلامة جبهته الداخلية بطائفتيه من مسلمين وأقباط .. قد يكون مقبولاً على مضضٍ وبالمُخالفة لهذا الأصل العام خروج الخطيب عن هذا المسار المأمون بتناول قضية وطنيَّةٍ على وجه السُرعةِ من خطبته للنصيحة بشأنها بماهو فى صالح الوطن وأمن البلاد .. لكن أن تُخصَّص الخُطبة بكاملها وبشطريها للسياسة وحسب توجُّه الخطيب دون أدنى اشارة الى موعظةٍ دينيَّةٍ أو تفسيراً لآية أو حديثٍ فهذا مالايقبلهُ عاقل ولابد أن نقف أمامه وتقف الدولة بكل حزم .. اننا فى ظل زمن فتنٍ يتيسَّرُ فيه إنتشار الشائعات ويتأثَّر الشارع والرأى العام برجال الدين على اختلاف توجهاتهم السياسية والدينيّة ومن ثم يكون مندوباً بل وواجباً إقصاء الخطاب الدينى عن اللهجة السياسية والغوص فى مضامينها احتراماً لمشاعر الآخر من أهل العقائد الأخرى بل ولمصالح الوطن الذى يجب ان يُوحِّده الخطاب الدينى من بعد أن شتَّتتهُ السياسة .. ولن يحدث ذلك الا اذا حافظنا على منابرنا من التوجهات السياسية حتى يُمكِنُنا أن نُلزم الكنيسة أن تلتزم هى الأخرى بذات التوجهات وحتى تكون عقيدة المسلمين والأقباط معاً عقيدةً واحدة هى عقيدة الوطن والإنتماء .. لماذا لايحترم رجال الدين لباس الأزهر الشريف وهو شرفٌ لهم كما كان شرفٌ لمن كانوا قبلهم ولم ينل من كرامتهم وقد كانوا عظاماً كالراحل عبد الحليم محمود والشيخ بيصار كما والشيخ الجليل إمام الدُعاة الشعراوى أن يتحلَّلون من جلابيبهم وجُبَبِهم حتى وفاتهم .. كما نرى اليوم الأزهريين الحداثى يُغيِّرون من مظاهرهم كل ساعة وحسب محل المقال ومكانه وهل هو منبرٌ فى مسجدٍ أم منبرٍ فضائى .. بينما فنرى رجال الكنيسة يحافظون على جلال مظهرهم بلاتغيير وقد إستقرَّوا فى وجدان بنى عقيدتهم وُعَّاظاً لايبتغون إلَّا توجيه ووعظ طوائفهم دينيَّاً والإرتقاء بنفوسهم وإيمانهم وقد حافظوا على أنفسهم وعلى قدرهم وجلال مكانتهم الدينية أمام تابعيهم من مغبة الإختلاف السياسى والجدل الحوارى .. نتمنى أن تتغير ظاهرة الخطاب الدينى السياسى فى وطنٍ يجمع عقائدٌ عدَّة حفاظاً على أمن بلادنا القومى .. نتمنى أن تتغير ظاهرة تبديل لباس رجال الدين ومظهرهم كل ساعةٍ وحسب موضع القول ومحل الخطاب من منبرٍ دينى أو منبرٍ فضائى حفاظاً على وقار رجل الدين وحتى يستقرَ فى وجدان بنى دينه وعقيدته محل تصديقٍ وموطن إعتقادٍ وقبولٍ توجيه .. نتمنى أن تتغير ظاهرةً بتنا نراها اليوم سائدةً هى ظاهرةً تُدعى مظهر شاهين ..