الثابت في السياسة متغير، والمتغير فيها تحكمه المستجدات على أرض الواقع، والواقع هو أمر فرضه الأقوياء على الضعفاء، فإن لم تكن أسدًا فلا تنتظر الرحمة من قطعان الضِبَاع الضالة، وهذا ما حدث بين عشية وضحاها حين أطل علينا مستشار اردوغان ياسين اقطاي وهو يغازل مصر ويقدم عرضا للتقارب، حيث قال: من الضرورة أن يكون هناك تواصل بين مصر وتركيا، بغض النظر عن أي خلافات سياسية قائمة. جاء ذلك في مقابلة مصورة يوم 9 سبتمبر 2020 مع موقع "عربي 21"، الذي يتم تمويله بواسطة الحكومة القطرية ومقره إسطنبول. فقال أقطاي وهو يتغزل في مصر: "لو اتفقنا (مع المصريين) على هذا الأمر، فستكون كل مصالح المصريين مصونة، بينما يجب على المُحتلين الذين يريدون احتلال ليبيا أن ينسحبوا منها". أي لو اتفقت مصر وتركيا على توحيد وجهات النظر فيما يتعلق بالموضوع الليبي، فإن الاتراك سوف يضمنون مصالح مصر في ليبيا، وتناسى أقطاي أن ما يجمع مصر بليبيا ليس مصالح وانما الجغرافيا والعروبة وروابط الدم والمصاهرة بين العائلات في الدولتين. كما أشار إلى أنه: "الجيش المصري جيش عظيم، ونحن نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا". فقد نطقتَ الحق يا أقطاي لتتملق به مصر، لأنه فعلا الجيش المصري جيش عظيم، وجيش يجب أن تحترمه لأنه هزم اجدادك في معركة قونية سنة 1832 وكادت أن تفنى خلالها الدولة العثمانية، لولا تدخل القوى الأوروبية التي أجبرت مصر على قبول اتفاقية كوتاهية عام 1833. وحينما رد سامح شكري على تصريحات أقطاي قائلا: أن مصر ترصد الأفعال والحديث والتصريحات، ولكن إذا كان هذا الحديث غير متوافق مع السياسات، فلا يصبح له أهمية. استشاط أقطاي غضبا وخرج علينا بمقال في جريدة "يني شفق العربية" بتاريخ 16 سبتمبر 2020، بعنوان " أفق العلاقات التركية-المصرية"، قال فيها: أما ما تقوم به تركيا في سورياوالعراق فلماذا يا ترى يشكل أهمية من الدرجة الأولى لمصر أو بالأحرى لنظام السيسي؟ غضب أقطاي جعله يفقد تركيزه، لدرجة أنه يتعجب من علاقة مصر بالعراقوسوريا، لذلك كان لا بد من أن نوضح للسيد ياسين أقطاي المستشار، أن السياسة الخارجية لمصر تتحرك في ثلاث دوائر، تحددها انتماءات مصر الجغرافية، التاريخية، والثقافية - الدينية، تتمثل في: الدائرة المتوسطية، والدائرة الإفريقية، والدائرة العربية – الإسلامية، وتُعد الدائرة العربية، دائرة انتماء أساسي لمصر، لغويًا، وحضاريًا، وتاريخيًا، كما أنها دائرة رئيسية في دوائر حركة السياسة الخارجية المصرية، لذا تقع العراقوسوريا في الدائرة العربية – الإسلامية، وبالنظر في السياسة الخارجية المصرية، تُعد سورياوالعراق كعمودين أساسيين في سياسة مصر الخارجية في المحيط العربي – الإسلامي. ثم يقول في لحظة انفعال يفتقد فيها ادراكه بالواقع: أن ما فعلته مصر حتى الآن من أجل الإضرار بتركيا نظرًا للاختلافات القائمة بينهما، قد أضر بمصر بشكل أكبر. وهنا أتساءل مَن أضر بمن؟ وهل مصر أرسلت مرتزقة لسوريا ليهددوا الأمن القومي لتركيا؟ وهل مصر استضافت الاكراد على أراضيها وفتحت لهم محطات فضائية ليهاجموا تركيا؟ وهل مصر التي تخرج كل يوم بتصريحات تتناول فيها الشأن التركي؟ وفي الوقت الذي ينهار فيه الاقتصاد التركي بسبب سياسات أردوغان، حيث فقدت الليرة نصف قيمتها مقارنة بالعام الماضي، وهي مؤشرات سلبية للاقتصاد الذي تكبد خسائر فادحة جراء فيروس كورونا، أضاف أقطاي متهكمان: وحتى من الناحية الاقتصادية فلا يوجد في مصر ذلك الاقتصاد القوي الذي يشجّع على الاستثمار. واضح أن تصريحات السيد سامح شكري قد أصابت ياسين أقطاي بحالة هذيان دفعته نحو التخبط والارتجال غير المنضبط، نتج عنهم كتابة مقال ضعيف من الناحية السياسية والتاريخية وعدم فهم وإدراك لعلاقة العرب ببعضهم البعض، فأصبح بين عشية وضحاها كومة من التناقضات.