بقلوب يعتصرها الألم والحزن تلقينا نبأ وفاة الأخ والصديق والزميل الوفي النقي الشاب الأستاذ والصديق الغالي المرحوم ا. د أحمد عبد العزيز عيسى وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب مازال الوجع يلاحقنا ... سمعت تنهيدة وجع هزت جميع الارجاء ... وموجة حزن اجتاحت قلوبنا جميعا طلاب عمال إداريين أعضاء هيئة التدريس جميع الاطياف جمعها الحزن ... هربت حروفي من أمامي.. سقطت دموعي وأحزاني. هكذا.. عندما يخطف الموت أحبائنا ... وداعاً معالي النبيل الشهم المتفاني في العمل وداعاً د. أحمد لا يبقى لنا سوى حزن في القلب ودمع العين.. واسترجاع كل الذكريات .كانوا معنا بالأمس.. فغابوا عنا اليوم... وغاب معهم لحن الحياة.. هنا فقط... تنتهي الكلمات.. تفسح المجال لتعبر مكانها الدموع والآهات .هي وحدها تبقى بعد الفراق ومعها بعض الذكريات… ذكريات سنوات قضيناها مع الأحبة نسترجعها في دقائق عندما يخطف الموت ..أحبتنا. نشتاق إليهم.. نتذكرهم.. نبكي.. نتمنى لو أن نجلس معهم.. نحاكيهم كما كنا نفعل ولو... مرة واحدة . نرتشف الحزن بهدوء.. بصمت... نعانق بعضا مما تبقى من الذكريات..هي فقط ما يبقى... بعد الفراق. يرحلون بصمت .. تاركين خلفهم في القلب ألف آآآآه ...أي عذاب هذا الذي يخلدونه فينا. واذا تحدثنا عن قطار العمر فدعونا نتسأل كم مرة سمعت ان الدنيا تافهة ولا تستحق العناء وان العمر مهما طال فانه كمن دخل من باب وخرج من باب آخر وكم تكلم الحكماء والفلاسفة في مؤلفاتهم عن هوان الدنيا وحقارتها وكم افاض العلماء في التحذير من الاغترار بالدنيا، الحياة رحلة نسير دروبها فى زمن تُقاس به أعمارنا، يعيش فيها من يظن أنه يحيا، ولكنْ بخار حياته قد ينقشع دون أن يترك آثارًا تُذكر. وآخرون صارت حياتهم قطرات ندى تجمعت حتى صارت أنهارًا يرتوى منها العالم بأسره. يقولون: "العمر هو الشىء الوحيد الذى كلما زاد نقص". كلمات صائبة؛ فالدقائق التى تمر بأعمارنا تنتقص منه، إلا أننى أرى أن هناك أعمارًا كلما ازدادت ثقُلت فى ميزان قلوب البشر. يقول الشاعر الأمريكى "روبرت فروست" الذى أعتُبر أحد أعاظم شعراء اللغة الإنجليزية: "أستطيع تلخيص كل ما تعلمتُه عن الحياة فى ثلاث كلمات: إنها مستمرة". بالفعل الحياة مستمرة، إلا أن النقطة الأكثر أهمية: كيف تستمر؟ إن الحياة هى تلك الهبة التى قدمها الله إلى الجميع فوضعها لكل إنسان فى مصرف "بنك" الأيام، فيستثمرها من عرَف معناها ويتاجر ويربح، ويخسِرها من اكتفى بالصرف منها بطريقة سطحية متوقفًا عند أحرفها فقط، فهناك من سار فيها لتسير هى به! لا يتطلع إلى السائرين من حوله ولا يُدرك علامات الطريق، فلم يزده هٰذا إلا شيبًا. ومنهم من سار فتعلم وأدرك بعضًا من دروسها. وقليلون هم الذين ساروا، وتعثروا، وقاموا، وتعلموا، بل وصارت خطاهم فى الحياة علامات يقتفى أثرها كل من جاء بعدهم؛ فتعلموا الحياة وعلَّموها. نعم هناك من أعطته الحياة، وهناك من أعطى الحياة؛ فسُطِّرت أيامه فى كتابها لأنه وهبها طرقًا ممهدة ومصابيح أضاءت أعمار مَن بَعده. وهنا نتوقف لكى نفكر من أى نوع صارت حياتنا: هل أخذنا منها، أم أخذتنا هى، أم أضفنا إليها؟ وأيًّا كانت الإجابات؛ إلا أننا ما زلنا نحيا، وتلك فرصة لنعيش الحياة كما يجب، لئلا يصير الزمن مثل السوس؛ يأكل العمر. يقولون إن: "الحياة هى فرصة لا تأتى الإنسان إلا مرة واحدة"، فكيف ننتهزها كاملة؟ قرأتُ قصيدة للشاعر الإنجليزى "وليم هنرى ديڤز" تتحدث عن الحياة وكيف أنها حياة بؤس وشقاء؛ فقد لا يجد الإنسان الوقت لأنْ يرى إبداعات الأيام. وهنا أؤكد لا على إبداع الرؤية، وإنما كيف يكون لحياتنا المعنى المبدع الذى يُحفر لا على جدران الزمان فقط، بل فى قلوب البشر. قال الشاعر إيليا أبو ماضى فى بيت شعرى مبدع موجِز متحدثًا عن الحياة: لَيْسَتُ حَياتَكَ غَيْرَ ما صَوَّرْتَها أَنْتَ الْحَياةُ بِصَمْتِها وَمَقالِها. قال سيدنا عثمان بن عفان :الدنيا خضرة قد شهّيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إلاّ من تركها. --------------------------- ا.د/إبراهيم محمد مرجونة أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية-رئيس قسم التاريخ كلية الآداب بدمنهور