ضبط صاحب محل دفع كلبًا نحو شخص بهدف الشهرة على "السوشيال"    كاميرات المراقبة... "عين لا تكذب ولا تنام" وسلاح الأمن في مواجهة الجريمة    بمشاركة محمد فراج وبسنت شوقي.. حسين الجسمي يطلق كليب "مستنيك"    يترشح للمرة الثامنة وحكم 43 عامًا.. من هو بول بيا أكبر رئيس دولة في العالم؟    هدفها قوة التحمل.. المصري يؤدي تدريبات بدنية قوية على شواطئ بورفؤاد    حتى السبت المقبل.. مد التقديم ب المدرسة الفنية للمياه في أسيوط والوادي الجديد لعام 2025 -2026    رئيس الوزراء يفتتح مركز السيطرة والتحكم بشركة مياه الشرب بالإسكندرية    النيابة تحيل 20 متهمًا في قضية منصة «FBC» إلى الجنايات الاقتصادية    الصحة الفلسطينية: اعتقال 360 من الكوادر الطبية منذ بداية حرب الإبادة على غزة    بأرواحهم وقلوبهم.. مواليد هذه الأبراج الستة يعشقون بلا حدود    شومان: كثير من المعالجات لقضايا المرأة والأسرة تزيد أزمتها    رئيس هيئة الرعاية الصحية: 43 مليون خدمة طبية وعلاجية من خلال 157 منشأة صحية تابعة لهيئة الرعاية بمحافظات إقليم القناة    تقارير: النصر لن ينسحب من السوبر السعودي    البورصة المصرية تغلق تعاملات الإثنين على ارتفاع جماعي.. ومؤشر EGX30 يصعد 2.04%    غرفة القومي لحقوق الإنسان لمتابعة الانتخابات بلا أعضاء حزبيين    رئيس هيئة سلامة الغذاء يستقبل وزير الزراعة بإقليم البنجاب الباكستاني    فيديو الاعتداء على 3 سيدات بالدقهلية يشعل مواقع التواصل.. والداخلية تضبط المتهمين    أوائل الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بأسوان بعد التظلمات (صور)    حملة تموينية مكبرة لضبط الأسواق بالعاشر من رمضان - صور    لإنهاء مسلسل الانهيارات.. مدبولي: إنشاء 55 ألف وحدة سكنية لاستيعاب ساكني 7500 عقار آيل للسقوط بالإسكندرية    غزة: 120 شهيدا و557 مصابا خلال 24 ساعة.. والحصيلة الإجمالية للعدوان تتجاوز 58 ألف شهيد    حماس: نتنياهو يتفنن في إفشال جولات التفاوض ولا يريد التوصل لاتفاق    صور.. وزير الثقافة يفتتح المقر الجديد لجمعية المؤلفين والملحنين والناشرين    عازف بفرقة كاظم الساهر ل"مصراوي": "القيصر بخير وبصحة جيدة"    الموزع أحمد إبراهيم يستحوذ على نصيب الأسد في ألبوم عمرو دياب ب5 أغانى    لجنة العلاقات الأفريقية تبحث تعزيز الشراكات ومشروعات التنمية المشتركة    من هم أصحاب الأعذار الذين لهم رخصة في الاغتسال والوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    خالد الجندي: محبة الله أساس الإيمان وسر السعادة في المساجد    رسميًا.. الحكومة تبدأ إجراءات نزع ملكية أراضي لتنفيذ المرحلة الرابعة من القطار الكهربائي    افتتاح مركز طب الأسرة بقرية صفانية لخدمة 25 ألف مواطن (صور)    رئيس الوزراء يشيد بمبادرة لإدخال الإسكندرية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل.. ويؤكد: نجاحها سيمكننا من تكرارها بمحافظات أخرى    أكاديميون إسرائيليون: المدينة الإنسانية برفح جريمة حرب    وزارة النقل تنفي صلة الفريق كامل الوزير بتسجيل صوتي مزيف يروج لشائعات حول البنية التحتية    رومانو: أوسيمين يغيب عن انطلاق معسكر نابولي للمرض    بطرس دانيال يكشف ل"البوابة نيوز" تفاصيل حالة الفنان لطفي لبيب الصحية    «الباقيات الصالحات» تطلق التشغيل التجريبي لمبادرتها الجديدة «احنا السند»    «قناة السويس» تبحث التعاون مع كوت ديفوار لتطوير ميناء أبيدجان    ندوات للسلامة المهنية وتدريب العاملين على الوقاية من الحوادث بالأسكندرية    «الوطنية للتدريب» تواصل تنفيذ برنامج «المرأة تقود في المحافظات المصرية»    رئيس الوزراء يبدأ جولة تفقدية لعدد من المشروعات بمحافظة الإسكندرية    طهران: قواتنا مستعدة لتوجيه الرد المزلزل إذا كرر الأعداء ارتكاب الخطأ    «الأوقاف» تُطلق الأسبوع الثقافي ب27 مسجدًا على مستوى الجمهورية    ضبط قضايا اتجار في العملات ب«السوق السوداء» بقيمة 7 ملايين جنيه    لفت الأنظار في المونديال.. بالميراس يرفض 3 عروض أوروبية لريتشارد ريوس    تحولات الوعي الجمالي.. افتتاح أولى جلسات المحور الفكري ل المهرجان القومي للمسرح (صور)    توزيع 977 جهاز توليد الأكسجين على مرضى التليفات الرئوية «منزلي»    موعد صرف معاشات شهر أغسطس 2025 بعد تطبيق الزيادة الأخيرة (احسب معاشك)    الخطيب يتفاوض مع بتروجت لضم حامد حمدان.. ومدرب الزمالك السابق يعلق: داخل عشان يبوظ    الأهلي يبدأ اتخاذ إجراءات قانونية ضد مصطفى يونس بحضور الخطيب (تفاصيل)    قبل «درويش».. 3 أفلام جمعت عمرو يوسف ودينا الشربيني    «نيابة الغردقة» تُصرح بدفن جثة لاعب «الفلاي بورد» ونقله لدفنه ببلدته بالمنوفية    ماذا قال رئيس مجلس الدولة لوزير الأوقاف خلال زيارته؟    تفاصيل زيارة المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب في دمياط لمتابعة تنفيذ برنامج "المرأة تقود"    أوروبا تسير على خطى ترامب في مطاردة المعادن الحيوية مع تأجج الحرب التجارية    مستشار الرئيس للصحة: الالتهاب السحائي نادر الحدوث بمصر    دعاء في جوف الليل: اللهم اللهم أرِح قلبي بما أنت به أعلم    12 صورة لضرب لويس إنريكي لاعب تشيلسي بعد المباراة    أول رد فعل ل وسام أبوعلي بعد بيان الأهلي ببقائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقفات من حياة سيدنا محمد قبل البعثة وحتي وفاته
نشر في شباب مصر يوم 10 - 11 - 2018

في مثل هذا الشهر وهو شهر ربيع الأول يشرق النور وبزغ الفجر، وولد خير البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، يقول الله جل في علاه ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) آل عمران164).
لقد كانت حياته، صلى الله عليه وسلم، وصفاته قبل بعثته، تشير إلى مكانته وعظيم أمره، فقد عرف بأحسن الخصال، وأسمى القيم، وأعظم المبادئ و أطيب الأخلاق، إذ ضرب أروع الأمثلة في الحرص على العمل والكسب، فلم يتركه طوال حياته، فالعمل هو أساس البناء والتقدم، ولن يستطيع إنسان أن يبنى حياته، أو يتقدم بها، فضلا عن أن يبنى أسرة أو يشارك في بناء مجتمع أو يتقدم به، دون عمل، فلقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم في صغره راعيا للأغنام، جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "مَا بعَثَ اللهُ نَبِيًّا إلاّ رَعَى الغَنَم" فقال أصحابُه: وأنتَ ؟ فقَال: "نَعم، كُنتُ أَرعَاها على قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ) ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، مرحلة الشباب، كان يخرج مع عمه أبي طالب في رحلاته التجارية إلى الشام وما حولها، فاستطاع خلال فترة قصيرة أن يتعلم فنون التجارة ويعرف مداخلها، حتى أصبح من التجار المعروفين كما استطاع صلى الله عليه وسلم أن يكتسب ثقة الناس من خلال صدقه وأمانته، و حسن خلقه، فانتشر خبره بين الناس، فسمعت السيدة خديجة رضي الله عنها، بأمانته وصدق حديثه، فعرضت عليه أن يتاجر لها ، فقبل ذلك ، ولم تمض فترة قصيرة حتى تزوجها .
نشأ النبي صلى الله عليه وسلم متحليا بكل خلق كريم، مبتعدا عن كل وصف ذميم، فكان أرجح الناس عقلا، وأكثرهم أدبا، وأوفرهم حلما، وأكملهم قوة وشجاعة، وشفقة، وأكرمهم نفسا، وأكثرهم أمانة وأصدقهم حديثا، حسن المعاملة ، طيب السيرة يفي بالوعد ، يصل الرحم ، ويجيب السائل ، يكرم الضيف، يقضى الحوائج ، شهد له بذلك الصديق والعدو، تقول السيدة خديجة رضي الله عنها في حقه " إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " ولما سأل هرقل - ملك الروم - أبا سفيان قبل إسلامه قائلا: "هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قال: لا، فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله" (رواه البخاري) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلْدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ ، لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ ، قُلْتُمْ : سَاحِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : كَاهِنٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَحَالَهُمْ ، وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : شَاعِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ : لَقَدْ رَأَيْنَا الشِّعْرَ وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا هَزَجَهُ ، وَرَجَزَهُ وَقَرِيضَهُ ، وَقُلْتُمْ : مَجْنُونٌ ، وَلا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلا وَسْوَسَتِهِ وَلا تَخْلِيطِهِ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، انْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ ، وَكَانَ النَّضْرُ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمَّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ " .
شهد الأنام بفضله حتى العدا *** والفضل ما شهدت به الأعداء
ورغم أن كثيرا من مظاهر الأخلاق السيئة، كانت منتشرة في مكة قبل الإسلام، إلا أن الله جل وعلا عصم نبيه، فكان عظيم الخلق، حسن القول جميل الفعل، فما سجد لصنم وما شرب خمرا؛ قال ابن هشام في السيرة النبوية: "فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يكلؤه ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أنْ كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم حسباً، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، حتى سمي في قومه الأمين ، لِما جمع الله فيه من الأمور الصالحة "اه. فعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا يَهُمُّ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلا مَرَّتَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ، كِلْتَاهُمَا عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْهُمَا، قُلْتُ لَيْلَةً لِفَتًى كَانَ مَعِي مِنْ قُرَيْشٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ فِي غَنَمٍ لأَهْلِنَا نَرْعَاهَا: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ كَمَا يَسْمُرُ الْفِتْيَانُ، قَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا جِئْتُ أَدْنَى دَارٍ مِنْ دُورِ مَكَّةَ سَمِعْتُ غِنَاءً، وَصَوْتَ دُفُوفٍ، وَمَزَامِيرَ، قُلْتُ: مَا هَذَا ؟ قَالُوا: فُلانٌ تَزَوَّجَ فُلانَةَ، لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَهَوْتُ بِذَلِكَ الْغِنَاءِ، وَبِذَلِكَ الصَّوْتِ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، فَمَا أَيْقَظَنِي إِلا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ : مَا فَعَلْتَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ فَعَلْتُ لَيْلَةً أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجْتُ، فَسَمِعْتُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقِيلَ لِي: مِثْلُ مَا قِيلَ لِي، فَسَمِعْتُ كَمَا سَمِعْتُ، حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَمَا أَيْقَظَنِي إِلا مَسُّ الشَّمْسِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ لِي: مَا فَعَلْتَ ؟ فَقُلْتُ: مَا فَعَلْتُ شَيْئًا "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَوَاللَّهِ، مَا هَمَمْتُ بَعْدَهُمَا بِسُوءٍ مِمَّا يَعْمَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِنُبُوَّتِهِ " رواه بن حبان)
كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم الكثير من المشاركات الايجابية الفعالة منها دفاعه عن أرضه ووطنه وهو ابن أربع عشرة سنة، عندما أرادت هوازن الهجوم على الحرم واستباحة مقدساته، كذلك من مشاركاته الايجابية، وخدمة مجتمعه، مشاركته صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة المشرفة : فها هي القبائل من قريش لما بنت الكعبة حتى بلغ البنيان موضع الركن - الحجر الأسود - اختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى حتى تخالفوا وأعدوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالي أو خمسا، ثم تشاوروا في الأمر، فأشار أحدهم بأن يكون أول من يدخل من باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر، ففعلوا، فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال صلى الله عليه وسلم "هلم إلي ثوبا، فأتي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية مِن الثَّوب، ثمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثمَّ بني عليه" السيرة النبوية لابن هشام ) ولا شك أن قبول قريش لتحكيمه يدل على مدى معرفتهم بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وثقتهم في رجحان عقله ، كما أن قبولهم لما قاله صلى الله عليه وسلم يدل على توفيق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في حفظ الدماء، كما هو حاله بعد البعثة فقد كان صلى الله عليه وسلم، ارقي الناس إنسانية وأعظمهم رحمة قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) الأنبياء 107).
-------- .
ولقد دعا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لوطنه لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة؛ ولهذا نرى أن الله - سبحانه وتعالى - شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال - تعالى -: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!
وقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله خَلَقَ الخلْقَ، حتى إذا فرغ منهم، قامَتِ الرَّحمُ فقالت: هذا مقامُ العائذ من القطيعة، قال: نعم، أمَا ترضَيْنَ أن أصلَ مَن وصَلَك، وأقطع مَن قطَعَك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لكِ))، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 22 - 24])).
وينتقل الإحسانُ إلى دائرة أخرى من الدوائر التي تحيط بالإنسان، وهي دائرة الجوار، وهل تطيب الإقامةُ في الدار إن عدا عليك فيها جارٌ؟
لذا جعل الإسلام الإحسانَ إلى الجوار مِن كمال الإيمان، كما جعل الإساءة إلى الجوار من أسباب دخول النار؛ عن أبي هريرةَ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)).
وتتَّسع الدائرة لتشمل الإحسان إلى كل مسلم؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّه لنفسه)).
وتتسع الدائرة لتشمل الإحسانَ إلى أهل الأديان الأخرى، وهم شركاؤنا في الوطن، وجاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ألا مَن ظَلَمَ مُعَاهدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ - فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)).
فإذا تحقَّق الترابط بين أبناء الوطن الواحد، كان الجو مهيَّأً للبناء، وأول خطوة في طريق التقدم هو التعليم، فإذا انتشر العلم النافع بين أبناء الوطن، وتربَّى النشءُ تربيةً صحيحة، يتحقق أول وأهم مقوِّم من مقومات الحضارة، وهل الحضارة إلا مكوَّن يتركب من الإنسان، والتراب، والزمان؟
حب الوطن في الإسلام والشرائع السماوية السابقة يعني الإتقان، الإتقان في كل الأعمال، في التعليم، وفي الزراعة، وفي الصناعة،وفي التجارة وكل المجالات الاخري و لإتقان في أمر الدنيا وأمر الآخرة، فكل منتَج يجب أن يحمل علامةَ الجودة الفائقة في بلادنا..
عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).
ولكن الأمر في الواقع على خلاف هذا القول
وحب الوطن يعني: الحفاظ على الحق العام، وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الناس شركاءُ في أمورٍ، لا يجوز لأحد الاستئثارُ بها، أو الاعتداء عليها.
قال - صلى الله عليه وسلم -(الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ، والماء، والنار))؛ رواه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات.
وقال: ((وإماطة الأذى عن الطرق صدقة)).
وقال: ((أعطوا الطريق حقه)).
وقال: ((اتَّقوا اللاعِنَينِ؛ الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلِّهم)).
أيها الناس حب الوطن في الإسلام والشرائع السماوية السابقة هو محبة الفرد لوطنه وبلده، وتقوية الرابطة بين أبناء الوطن الواحد، وقيامه بحقوق وطنه المشروعة ووفاؤه بها.
------
بقلم/ محمود طلبه
كاتب وباحث وواعظ مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.