حرية الرأي والتعبير مكفولة إذا كان الهدف منها البناء والإصلاح لا الهدم والتخريب،وإن لم يعِ العالم العربى ذلك سوف يلجأ الكثيرون ممن ُتقيد حرياتهم فى بلادهم إلى الهجرة لبلاد الغرب ليجدوا هناك متنفساً للحرية، وربما يقع بعضهم فريسه للاستغلال من جانب جماعات أو جهات تستغلهم لتبني تنفيذ اجندات خاصة تضر بلدانهم التى قمعت حرياتهم. لذا فإن قبول الحكومات للرأي الآخر سوف يحد من قبول العروض من دول الغرب لمن قيدت بلدانهم حرياتهم واغتصبت حق من حقوقهم. ما فعلته حكومة المملكة العربية السعودية من حبس للصحفين وتقيد لحرية الرأي خاصة بعد سجن الكاتب السعودي صالح الشحي خمس سنوات بعدما كتب "أحد أشهر الأعمدة في الصحافة السعودية" بسبب "تعليقات مزعومة تعارضت مع الخط العام للحكومة السعودية. ما دعا الصحفي السعودي جمال خاشقجى إلى التحدث الدائم عن قلقه من تراجع حرية الصحافة فى العالم العربي ،ودعوته وسائل الإعلام العالمية إلى إفساح منصة للأصوات العربية. كما فعلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية التي أطلقت مبادرة "لترجمة العديد من المقالات الخاصة به ونشرها باللغة العربية. وهذا ما ذكره فى مقاله الأخير بصحيفة وشنطن بوست وهو آخر مقالات الكاتب قبل حادث القنصلية . ولنا مع حادث القنصلية وقفة رؤيتان صدرتا بخصوص الحادث الرواية الاولى ما ذكرته قناة الجزيرة والتي اعتبرها البعض نوع من إثارة البلبلة وخدمة لمصالحم وأجنداتهم الخاصة. ونظراً لعدم مصداقية هذه المحطة توقفنا لحين إشعار آخر حتى جاء بيان المملكة العربية الذى بدوره يقودك مباشرة لتصديق رواية قناة الجزيرة فقد جاء البيان غير منطقي بالمرة ؛ فلا يعقل أن يتصادف وجود خمسة عشر ضابط مخابرات داخل القنصلية فى وقت زيارة الصحفي جمال خاشقجى للقنصلية ثم يتناقشون معه ،ويحتد النقاش فيتطور لتصبح مشاجرة تؤدي إلى وفاته . رواية ركيكة كهذه تقودنا مباشرة إلى الأخذ بالرواية الأخرى بل تجعلك تقبل أن خاشقجى قُتل وتم تقطيعه بالمنشار ووضع أجزائه فى أكياس مغلفة. ما الداعي لقتل هذا الرجل الذى لا يعتبر معارضاً شديد الخطورة للملكة بل هو يقر بشرعية الحكم السعودى وأغلب مقالاته تدور حول حرية التعبير وانتقاد هادف لبعض سياسات المملكة وحتى إن كان معارضاً شديد الخطورة فمنذ متى وفى أي شرع أُبيحت دماء المعارضين لأنظمة الحكم. لقد وضعت المملكة نفسها فى مأزق خطير بسوء تخطيطها وقلة خبرتها وسمحت لأمريكا وتركيا استثمار هذا الحادث في تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية ولعل إصرار تركيا على مقتل خاشقجى بعد إختفائه بثلاثة أيام يدل على أنها كانت على علم بذلك وأن هذا العلم جاءها عن طريق المخابرات الامريكية التى رصدت خطة المخابرات السعودية للتخلص من خاشقجى؛ والواضح أن الجانبين الامريكى والتركي اتفقا على عدم إبلاغ خاشقجى بما سيحدث وجهز الجانب التركى مسرح الجريمة وزوده بالكاميرات وأجهزة التصنت والتي كانت خديجة جنكيز إحدى هذه الوسائل؛ هذه السيدة التى ظهرت فجأة واختفت فجأة بعد أن زعمت أنها خطيبة خاشقجى ولم تصرح بذلك إلا بعد وفاته؛ حتى لا يستطيع أحد أن يثبت ذلك أو ينكره اتفق الجانبان على ذلك ليستطيعوا أن يملكوا كل المعلومات الموثقة لمساومة المملكة العربية السعودية على تحقيق مطالبهم. ثلاث دول هم المستفيدون من هذه العملية تركيا التى تمكنت من وضع المملكة العربية بين أنيابها بما تملكه من معلومات ثم قطر التى تريد ان تستثمر الفضيحة لصالح إنهاء عزلتها أما امريكا فقد بدأت بالفعل فى فرض مطالبها حيث طلبت من المملكة العربية السعودية مبالغ تصل الى تيريليون دولار مقابل سكوتها عن تلك الفضيحة وغلق ملف11سيبتمبركما طلبت منهم البدء فى إجراءات المصالحة مع قطر وفض التحالف الرباعي الخليجي المصري ضد قطر والتراجع عن التحالف الإسترتيجى المصري السعودي والتوقف عن الدعم السياسي والإقتصادى لمصر والعودة الى دعم المليشيات المسلحة في سوريا وليبيا والعراق بالمال والسلاح كل هذا بضغط من اللوبي الديمقراطي في الكونجرس؛ والمتابع لتصريحات أعضاء الكونجرس وخاصة السيناتور ليندى جراهام فى هذا الموضوع سيجد شبه إجماع على التصعيد ضد المملكة بكل السبل وصولأ لتطبيق قانون العقوبات الامريكية ماجنتيسكى ضدها وهو ما طالبت به لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى. لقد اضرت المملكة نفسها حينما اقدم جهاز مخابراتها على قتل الصحفي خاشقجي بينما قدمت بقتله لأمريكا وتركياوقطرنقاط قوة تجعلهم يصولون ويطغون ويجبرونكم على الإذعان لمطالبهم.اما كان اولى قبول الرأى الآخربدلاً من هذا المأزق. لعل هذا الحادث يُفيق العرب من غفلتهم و يعون ان حرية الرأى والتعبير مكفولة اذا كان الهدف منها البناء والإصلاح لا الهدم والتخريب.