حزب المؤتمر يطلق حملات توعوية ميدانية بالتزامن مع الدعاية لانتخابات "الشيوخ"    تنسيق الجامعات 2025.. موقف الطالب الذي يتخلف عن موعد أداء اختبارات القدرات؟    رئيس جامعة المنوفية يوقع اتفاق شراكة مع "لويفيل الأمريكية"    «350 من 9 جامعات».. وصول الطلاب المشاركين بملتقى إبداع لكليات التربية النوعية ببنها (صور)    وزارة العمل تعلن بدء اختبارات المرشحين للعمل بالإمارات (تفاصيل)    وزير الدفاع اليوناني يعزي بطريرك الروم الأرثوذكس في شهداء كنيسة مار الياس    سعر الدينار الكويتى اليوم السبت 19 يوليو 2025    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    اتحاد منتجي الدواجن: الاتفاق على توريد 2000 طن لصالح جهاز مستقبل مصر لضبط السوق وتشجيع التصدير    أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 19 يوليو 2025 بأسواق الأقصر    الصناعات الغذائية تساهم فى التنمية الاقتصادية باستثمارات 500 مليار جنيه    ترامب يقاضي «وول ستريت جورنال» ويطالب ب10 مليارات دولار تعويضًا    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يطالب بإنهاء التسييس المتعمد للمساعدات ورفع الحصار    "الخارجية الفلسطينية" تدين مجزرة "المجوعين" في رفح    تيسير مطر: مصر والسعودية حجرا الزاوية لتحقيق السلام في المنطقة    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضى السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    أول تعليق من رونالدو على تعيين سيميدو رئيسا تنفيذيا للنصر السعودي    بعد أزمة حفل الساحل.. فتوح يسطر رقما سلبيا تاريخيا في الزمالك    إيقاف قيد الإسماعيلي 3 فترات.. مفاجأة بشأن إخفاء خطاب فيفا    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    ب80 مليون يورو.. بايرن ميونخ يقدم عرضًا مغريًا لضم نجم ليفربول    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بالفيوم    ضبط قائد سيارة تعدى بالضرب على طفل يبيع الحلوى في الغربية    نتيجة الثانوية الأزهرية.. انتهاء التصحيح واستمرار الرصد والمراجعة 10 أيام    تحرير شخص عقب احتجازه وإكراهه على توقيع إيصالات أمانة بالقاهرة    إصابة طالبتين في حريق بحي الصفا في مدينة العريش    إعادة الحركة المرورية على طريق القاهرة الإسكندرية الزراعى بعد تصادم سيارتين    تأجيل طعن عمر زهران على حبسه بقضية مجوهرات شاليمار شربتلي    انطلاق مهرجان العلمين بنسخته الثالثة.. الكشوطى: 43 يوما من الفن والترفيه    انطلاق مهرجان صيف الأوبرا 2025 بجمهور كامل العدد وأمسية صوفية مميزة    على أنغام «أخاصمك آه».. هاندا أرتشيل ترقص مع نانسي عجرم في زفاف نجل إيلي صعب (صور)    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 5 ملايين خدمة طبية مجانية خلال 3 أيام    رئيس هيئة الرعاية الصحية يبحث مع الرئيس الإقليمي لشركة جانسن إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في أسوان    14 فكرة تساعدك على تبريد جسمك فى الأيام الحارة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    أكثر من 170 قتيلا جراء الفيضانات في باكستان    وزيرة التنمية المحلية تبحث مع رئيس ومؤسس شركة (إزري) العالمية مجالات التعاون المشترك    لهذا السبب.. لطفي لبيب يتصدر تريند "جوجل"    معارض فنية عن التراث الدمياطي وحكاية تل البراشية بثقافة دمياط    «الأرصاد» تحذر: طقس اليوم شديد الحرارة على معظم الأنحاء    أسعار البيض اليوم السبت 19 يوليو 2025    بعد التوقف الدولي.. حسام حسن ينتظر استئناف تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    ثورة يوليو 1952| نقاد الفن.. السينما.. أثرت في وعي المصريين    عيار 21 يترقب مفاجآت.. أسعار الذهب والسبائك اليوم في الصاغة وتوقعات بارتفاعات كبيرة    «شعب لا يُشترى ولا يُزيّف».. معلق فلسطيني يدعم موقف الأهلي ضد وسام أبوعلي    ترامب يتوقع إنهاء حرب غزة ويعلن تدمير القدرات النووية الإيرانية    رئيس حكومة لبنان: نعمل على حماية بلدنا من الانجرار لأي مغامرة جديدة    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    مصدر أمني يكشف حقيقة سرقة الأسوار الحديدية من أعلى «الدائري» بالجيزة    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    عبد السند يمامة عن استشهاده بآية قرآنية: قصدت من «وفدا» الدعاء.. وهذا سبب هجوم الإخوان ضدي    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليالي شهرناس (الجزء الثاني)
نشر في شباب مصر يوم 19 - 09 - 2018

حلَّ المساء ولف الظلام السماء. ولكن القمر كان ينشر خيوطه في الفضاء، والغيوم تحجب نوره من حين إلى حين. وهكذا تثاءبت حقول البراري وأمواج البحار، وغرقت الدينا وكائناتها في أعماق السبات، تسبقهم شهرناس وقد حمل الحب قلبها إلى دنيا الأحلام. تجلس بين يدي أميرها بدر الزمان، يفيض به الشوق وتفضح عيناه الغرام، فلم تنطفئ ناره إلا بعد مثولها بين يديه.
وبعد ترحيبٍ وحبٍ وَوَلَهٍ مستفيض ألح عليها بالسؤال: ما القصة التي أحضرها الجان الثاني يا شهرناس؟ قالت: يا سيدي ومولاي أما الجان الثاني وبعد سماع قصة صديقه قال: قصتك عجيبة لكنها ليست أعجب من قصتي..!؟ فأثناء سيري في سوق المدينة صادفت رجلا وأسديت له بعض الخدمات، فشكرني ودعاني إلى بيته ليكرمني، وبعد أن أكرمني بالعشاء رأيته شارد الذهن غائب البال كأنما رحل بفكره إلى عالم آخر. وحينما سألته عن سر شروده وبعد إلحاح مني روى لي حكايته فقال:
زارني في منامي راحل عن الدنيا، رأيته في أحسن الأحوال. كان مشرق الوجه وضاء الجبين ويشبه طلة البدر عند الكمال. يبحر على زورق من العسجد وخشب الخيزران، ويرتدي حلل الملوك وعلى رأسه قبعة مصنوعة من خيوط الفضة والذهب والديباج، ويحمل في يده فاكهة طيبة الرائحة شهية المنظر، فلم أرَ مثل منظرها ولم أشم رائحة زكيه مثلها في حياتي. وحينما تبسم ظهرت ثنايا أسنانه كاللؤلؤ المنثور، ولقد قضى حياته في الدنيا معربدا سكيرا وعاشها على هواه. أسلم نفسه للخمر واستبد به الكأس وانقضى عمره بلمح البصر. لم تكن تفارق الكأس يده ولم يغب عن مجلس في الدنيا فيه شرب ونساء وغناء، فقضى حياته على العطايا والصدقات وما تجود به أيادي أهل الخير والإحسان.
وحينما سألته: من أين لك كل هذا..؟ قال: إني أعيش في نعيم لا ينقضي ولا يزول فأنا في جنة الله. قطبت جبيني وقلت له: أين أنت من الجنة؟ أنسيت ما فعلته في دنياك؟ قال: ويحك! أتقارن ربا رحيما بالعباد ..؟ من أنتم حتى تستأثروا برحمته وتقسموها على من شئتم من الخلق ؟ أيها المغفل رحمته سبقت عذابه وجنته وسع الأرض والسماء ويمكنك أن تدخلها من مئات الأبواب.. فأدخل جنة الله من أي باب تشاء، ولا تحصر أفعال الخير على عقلك المحدود في العتبات والأبواب.
لقد غفر الله لي ليلة كنت جالسا فيها عند عتبة خمارة، والكأس كانت في يدي وبالقرب مني بعض الضالين أمثالي، عندما مر بنا رجل محسن يوزع طعاما وخبزا ولحما على الفقراء، التهم كل واحد حصته دون أن ينظر إلى وجه من كان بجانبه. ورحت أتلفت حولي هل بقي أحد دون طعام؟ فلم أر إلا قطة تموء جائعة مثلي. أشفقت على القطة ووضعتُ أمامها حصتي من اللحم والخبز. أكلتْ حتى شبعت ثم غادرتني وهي تموء لعلها كانت تشكرني ولا أفهم ما تقول. ثم أكلتُ بعدها ما فاض عنها من الخبز واللحم. وهكذا غفر الله ذنوبي بواسع رحمته وإحساني للقطة المسكينة.
سكت الرجل قليلا فقلت له: والله إن في منامك لعبرة يرق لها القلب يا صديقي، وسأذكره في مجلس سيدنا سليمان، فلا أظن أن أحد منكما جاء بقصة أعجب من قصتي. تنحنح الجان الثالث وقال: بل قصتي هي الأعجب، وبها يغفر زلتي سيدنا سليمان. أتيت بأخبارها من قرية طاب هواؤها وكثرت بساتينها ورقت صفحات مائها.
وبينما كنت سائرا في أحد مراعيها يا صديقي، أتفقد أحوال الحيوانات التي كلفت بالعناية بها، والاهتمام بشؤونها وسماع شكواها، تناهى إلى سمعي بكاء خافت، بحثت عن مصدر الصوت حتى توصلت إليه. كان البكاء ينبعث من زهرة حمراء باهتة اللون، حينما لم ينفع توسلها للسماء التي قطعت عنها المطر، فذبلت وبهت لونها وتغيرت عن قريناتها من زهور الحقل.
وحينما سألتها: علام البكاء أيتها الزهرة؟ لم تجبني واستمرت في البكاء، فقلت لها : أنا عفريت سيدك سليمان، ومن أنصف النملة يا صديقتي وسائر طير الأرض والسماء، وله سخر الريح والإنس والجان؟ لن يرضيه بكاء زهرة حمراء فاتنة مثلك تنشر عطرها على الكون. قالت الزهرة: ولكن ما بالك يا صديقي بحال من يعشق حلما مستحيلا لن يحققه الزمان؟
كان هناك راعٍ يمر بنا كل ليلة مع قطيعه، يتوسط الأزهار ويحمل بين يديه نايا ينفخ لنا فيه أجمل الأنغام وأعذب الألحان، يحنو على خرافه لا يضربها بالعصا، ولا تدوس قدماه الحشرات من النحل والفراش، ثم يدنو مني ويقبلني. وهكذا تسلط سحره على قلبي وصرت أراقب حركاته وسكناته، حتى دبّ الحب في خافقي وفي كل خلاياي، ودعوت الرب ليهبني لهذا الراعي الطيب القلب.. وإذ بي في ليلة قمراء أتحول إلى امرأة لا تقل فتنة وجمالا عن الأزهار، وأسرعت أفتش عن الراعي ووجدته يسكن كوخا صغيرا، يركع أمام تمثال امرأة لها تقاسيم وجه ناعم مغرور، عرفت أنه يعود إلى امرأة ثرية تسكن القصور ويعمل على راحتها خدم وخلق كثير.
عشق الراعي تلك السيدة، فهجر مهنة الرعي وتفرغ إلى نحت تمثال لها يعبده ليل نهار، في كل ليلة يسهر على إضافة لمسة جديدة إلى التمثال، ويزيده جمالا يحاكي جمال ساكنة القصر وصاحبة التمثال، ثم يدنو منه بإجلال وتعبد واحترام ويعكف يمسح عنه الغبار، وصار يحدثه ويقبله ويناجيه معظم الأوقات. وعدت إلى حيرتي وتمنيت لو كنت هذا التمثال فيقع في غرامي، وإذا بي بقدرة قادر أتحول روحا تسكن التمثال، وفرحت أشد الفرح بما آلت إليه حالي وصورتي الجديدة، ورحت أحدثه ذات مساء فوقع حديثي عليه بصدمة وأصابه الذهول، وفم التمثال يتحرك وينطق بالكلام. أعجبه الحديث ووجد فيه سلوى ومنفذا للبوح بمشاعر قلبه.
أحببته حبا ألهب كبدي وكياني كله، وتملكني حب في عمق أحشائي وشعرت معه أني زهرة تتفتح من جديد، ووعدته ما أن ينتهي من صنعي حتى يتحقق له مايريد، وأكون له ويكون لي كما يشاء ويشتهي. وقررت أن أعلن للراعي حقيقتي ما أن ينتهى من صنع التمثال الذي سكنته. حتى جاء يوم رأى فيه السيدة الحقيقية تمشي في الجوار ثم تختلس النظر من النافذة تراقب صنع الراعي وكيف صورها بعد أن شاع خبره في القرية، وما أن رآها حتى ترك صورتها التي سكنتها وهرع إليها كالمسحور، لان قلبها وتحركت عواطفها تجاهه ثم عاد وخرّ أمامي يقبلني، إذ ظن أني حققت له ما وعدته به ووجد محبوبته حقيقة من لحم ودم ماثلة أمامه.
لم يرني إلا تمثالا وخرافة وخيالا لا يزيد عن الصنم، لا امرأة تأسره وتملكه بروحها وجسدها. وصار يقابل السيدة في قصرها حينا وأمامي أحيانا أكثر، ثم هجرني أياما وليال طويلة وكأنما مات وانتقل من الدنيا إلى فردوس محبوبته. فتركت التمثال وليتني لم أفعل، فقد تحولت إلى روح هائمة لا تدري ماذا تريد أو تفعل.
هكذا عدت إلى طبيعتي الأولى، وحقيقتي كزهرة حمراء تنتظر قدومه وانشراح صدره وغرامه. وهكذا مرت الأيام والليالي وأنا انتظر عودته ولم يأت، فدب اليأس في قلبي وكاد يقتلني الشوق إليه، فجف ساقي واختفى لوني وتوارى عبيري... فارفع أيها العفريت شكواي إلى سيدنا سليمان، قل له زهرة حمراء غاب محبوبها ولم يسعفها قطر الندى، ولم يعد يجدي معها غوث مطر ولا صلاة استسقاء.
وهنا كفت شهرناس عن الكلام، وتساءل بدر الزمان عن أحوال الثلاثة من الجان.. ماذا قال لهم سيدهم سليمان وأي حكم أصدر عليهم بعدما قصوا عليه الحكايا وجاءوا إليه بالأخبار؟ إلا أن شهرناس أفاقت من السبات. وبقي بدر الزمان ينتظر بلهفة المشتاق ليالي ما يأتي من ليالي شهرناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.