دكتور / عبد العزيز أبو مندور لا توجد مناسبة فى حياة الناس إلا ولها ارتباط ويثق بمولد الحبيب عبد الله ونبيه ورسوله ومصطفاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فأينما توجت إليه من عمل فهو تجاهك ، فمهما ذكرت ربك جل ذكرك ذكرت بذكره حبيبه صلى الله عليه وسلم ، فلا تظنن أنك وحدك فى ذلك الشأن العظيم ، فلك الفخر أن تكون من حزب المحبة الإلهية الذاكرين الله تعالى والذاكرات من أنواع الخلق وأصنافه من ملك وجان وإنس وحيوان ونبات وجماد ، فالكون كله من العرش إلى الفرش يذكره صلى الله عليه وسلم إلا الفسقة من حزب الشيطان والغفلة والنسيان والعمى ، فهو ما بيناه فى كتابنا : ( الكون كله خريطة محمدية ). ولعل علة هذا المقال لا تخفى على المحبين ، فالمحب لشيء يكثر من ذكره ، ناهيك عن شهر ميلاده صلى الله عليه وسلم فى ربيع الأول ، فقد أهاجت فى نفوسنا وقلوبنا الشوق إليه صلى الله عليه وسلم. أما اسمه ( أحمد ) صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكر فى القرآن الكريم مرة واحدة لا غير، وذلك فى قول عز من قائل على لسان عيسى بن مريم عليه وعلى أمه الصديقة السلام " ومبشرا برسول من بعدى اسمه أحمد " ( الصف : 6) ووقع لنا أن اسم ( أحمد ) صلى الله عليه وسلم له خصوصية ، تناظر خصوصية اسم يحيى عليه السلام فى بشارة الملائكة لأبيه زكريا . وذلك فى قوله تعالى " إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا" ( مريم : 7 ) إلا أن اسم ( أحمد ) يتفرد بذكره كما قلنا مرة واحدة ، بخلاف اسم ( يحي ) الذى تكرر ذكره فى القرآن الكريم ثلاث مرات 0 هذا بالإضافة أن الله سبحانه وتعالى قد منع بحكمته اسم ( أحمد ) الذى أتى فى الكتب وبشرت به الأنبياء عليهم السلام أن يسمى به غيره ، ولا يدعى به قبله ، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك ، كما أشار إلى ذلك القاضى عياض فى ( الشفا ) وهو ما يفيدنا كثرة فى معجزاته حنى فى أسمائه صلى الله عليه وسلم ! إلا أن هذا الاسم الذى بشر به المسيح عليه السلام دون غيره – كما لا حظنا نحن أيضا - ، كان من دلائله وإعجازه أنه الاسم الذى ادعاه الكثيرون ونسبوه لأنفسهم ، أو لغيرهم حسدا وحقدا0 وجاء ذكر النبي باسمه ( أحمد ) صلى الله عليه وسلم ، والتبشير برسالته فى الإنجيل باسم ( فارقليط ) أو( بارقليط ) بفتح الفاء أو الباء ، وأصل الكلمة ( فيرقليط ) أو ( بيرقليط ) بكسر الفاء أو الباء ، ومعناها أحمد صلى الله عليه وسلم ، كما يقول الدكتور أحمد حجازى السقا على هامش كتاب ( هداية الحيارى ) لابن قيم الجوزية ، والكلمة العبرانية التى نطقها المسيح عليه السلام هى ( بيرقليط ) وتترجم فى اللغة اليونانية ( بيرقليطوس ) ولكن النصارى للأسف حرفوا نطقها إلى ( بارقليط ) ، التى تترجم فى اليونانية ( بارقليطيوس ) ، ثم حذفوها من التراجم الحديثة ووضعوا بدلها لفظ ( المعزى ) 0 ولو عرفنا أن ( المعزى ) موصوف بصفة ( روح الحق) أو ( روح القدس ) لتأكدنا أن ( المعزى ) اسم لا صفة ، ولا علمنا أن ( بارقليطيوس ) تكتب باليونانية بحرف السين ، لأن حرف السين فى اليونانية لا يضاف إلى الأسماء . ولو عرفنا أن حروف المد من ألف أو ياء أو واو لا وجود لها فى اللغة العبرانية القديمة ، أى قبل القرن الخامس الميلادي ، لعلمنا أن شكل الكلمة ( بيرقليط ) هو نفسه شكل( بارقليط ) 00! ومن هنا استدل العلماء على أن لفظ ( المعزى ) هو أحمد صلى الله عليه وسلم ، وليس النائب عن المسيح ، ، بل هو أحمد صلى الله عليه وسلم روح القدس ، الذى به أيد الله عيسى عليه السلام . وقد جاء هذا على لسان عيسى عليه السلام " إن كنتم تحبونى فاحفظوا وصاياي ، وأنا أسأل الآب فيعطيكم معزيا ( بركليت ) آخر ليقيم معكم إلى الأبد ، روح الحق ، الذى العالم لا يستطيع أن يقبله ، لأنه لم يره ، ولم يعرفه 00 كلمتكم بهذا وأنا مقيم عندكم ، و أما المعزى ، الروح القدس ، الذى أرسله الآب باسمي ، فهو يعلمكم كل شيء ، ويذكركم ما قلت لكم 00 والآن قلت لكم قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون 00( إنجيل يوحنا : الإصحاح الرابع عشرة وما بعده ) وهذا يعنى أن المعزى هو روح القدس ، وهو الفرقليط ، أو البيرقليط ، وهو المعنى المقصود باسم النبى أحمد صلى الله عليه وسلم0 إذن النبي صلى الله عليه وسلم موصوف بصفة الحمد ، وهى صفة إلهية لحسن ثنائه على ربه تعالى ، واشتق له من هذه الصفة اسميه محمد وأحمد وهو بذلك محمود وحامد وأمته موصوفة فى الكتب السابقة بالحامدين ، وهى صفة مشتقة من صفته وهى صفة الحمد ، وقد جاء اسمه ( المانحمنا ) بالسريانية بمعنى ( البارقليط ) بالرومية وبمعنى الحمد والمحمود ، والحمد بالعبرية ، على ما يقول ابن قيم الجوزية. وينقل لنا حكيم العصر عباس محمود العقاد فى ( مطلع النور ) عن ( مولانا عبد الحق فديارتى ) ، فقد يذهب إلى أن اسم الرسول العربى ( أحمد ) مكتوب بلفظه العربى فى ( السامافيداSamavida) من كتب البراهمة ، ويذكر أن اسم النبى ( محمد ) مذكور بوصفه الذى يعنى ( الحمد ) الكثير والسمعة البعيدة0 ومن أسمائه الوصفية ( مشرافا Sushrava ) الذى ورد فى كتاب ( الأثار فيدا Athar vida ) وكذلك يذكر أن فى كتب ( زرادشت ) ( زاندافستا Zend Avesta ) نبؤة عن رسول يوصف بأنه رحمة للعالمين ( سوشاينت Aecshyant ) وهكذا كانت صفاته مشهورة فى الكتب السابقة ، بل كان مشهورا مذكورا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بل قبل مولده بقرون عدة 0 و من يقرأ الإنجيل وأقوال عيسى عليه السلام سيرى بنفسه أن اللفظ الصحيح ( بيركليت ) بكسر الباء ، توافق قوله تعالى فى القرآن الكريم : " ومبشرا برسول من بعدى اسمه أحمد " ( الصف : 6) أما معنى اسمه ( أحمد ) صلى الله عليه وسلم ، كما يقول القاضى عياض فهو أكبر من حمد ، وأجل من حمد ومن هنا نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محمدا إلا بعد أن كان أحمدا ، فهو صلى الله عليه وسلم حمد ربه تعالى قبل أن تحمده الناس ، كما بيناه فى ( الاصطفاء والاجتباء وأنوار الأنبياء) وهذا خلاف ما يقوله ابن قيم الجوزية ( هداية الحيارى ) لأنه يرى أن اسميه أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم واقعان على المفعول 0 وحجته فى ذلك أضعف من أن تلفتنا إليه دون غيره من حكماء الأمة ، فهو يقول " لو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه سبحانه لكان الأولى أن يسمى بالحماد كما سميت بذلك أمته " وفى سبيل ذلك بذل ابن قيم الجوزية فى ( جلاء الأفهام ) جهدا كبيرا فى بيان وجهة نظره ، وشرح ذلك يطول 0 إلا أننا لا نوافقه على تمسكه بالاشتقاق اللغوي ، وقصره على حماد دون أحمد ، لأن اللغة تجيز الاشتقاق للاسمين : أحمد ، وحماد للدلالة على المبالغة فى الحمد من المصدر حمد ، فلا يلزم أن يصر على أن أحمد كمحمد واقعان على المفعول ! ومع ذلك ، فنحن نغبط ابن القيم على قوله إن لفظ محمد يقتضى زيادة فى الكمية ، ولفظ أحمد يقتضى زيادة فى الكيفية ، فهو بهذا المعنى رجع وعاد للصواب ، وهو ما نعلمه عنه ونعرفه فيه كغيره من العلماء المعتبرين ، فهو لا يتردد أبدا من الرجوع إلى الحق ، فهو يحب الفضيلة ، ولا يحيد عنها 0 وبهذا يكون ما فهمناه صحيحا ، فاسم النبي صلى الله عليه وسلم أحمد ومحمد واقعان على ذات واحدة ، بحكم الظاهر والباطن ، فبهما معا كان الظاهر والباطن فى شخص واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان أحمد قبل أن يكون محمدا صلى الله عليه وسلم ، و الذات واحدة ، ظاهرا وباطنا ، شريعة وحقيقة ، فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا 0 ولما كان يوم مولده وبعثته صلى الله عليه وسلم ظهر بكله أحمد ومحمد ، فكان محمودا عليه الصلاة والسلام ظاهرا وباطنا ، فقد اختاره ربه سبحانه من خيرة خلقه ، ليكون صاحب اللواء ومقام الحمد المشهور يوم القيامة ، فلا يقوم أحد مقامه ، لتظهر سيادته على الجميع فى الدار الآخرة ، كما ظهرت سيادته على كل الخلائق فى الدار الدنيا 0 إذن اسمه صلى الله عليه وسلم فى التوراة ، وفى الإنجيل كان مشهورا قبل مولده بأم القرى مكة بقرون عدة ، كما كان مشهودا فى علم الله تعالى قبل إيجاد العالم ، وخلق آدم عليه السلام ! وهكذا يمكننا القول بكل وضوح أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان معروفا بالاسم والصفة فى الكتب السابقة ، بل كان مشهورا مذكورا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، بل قبل مولده بقرون عدة . وهو بعض ما بيناه فى مؤلفاتنا بسلسلة ( الحقيقة المحمدية ) وهى السلسة التخصصية الوحيدة فى المكتبة العربية المعنية عناية عضوية وعصرية لا زمة بالتعريف بصاحب المقام الشريف وحقيقته صلى الله عليه وسلم ، ودلالات اسمه ورسمه وأبعاده النورانية . **** دكتور : عبد العزيز أبو مندور [email protected]