د.محمد سهرى برشاوى من المتعارف عليه أن العصر الذهبي لمدينة القاهرة هي الفترة التي حكمت فيها دولة المماليك (648/923ه-1250/1517م)، وفيها بلغت الحياة الفنية أسمى درجات الروعة والرقي؛ تشهد عليها العمائر المملوكية بمختلف أشكالها، فضلًا عن التحف الفنية التي تزخر بها دور الآثار في العالم. ورغم جهود الأمراء المماليك في الغزو والفتح المتواصل، وانشغالهم بالمشاحنات والمنازعات الداخلية التي عانت منها القاهرة خاصةً، ومصر والشام عامةً؛ لم تكن هذه الظروف حاجزاَ أمام أمراء الدولة المملوكية في السعي وراء أوجه البر والخير؛ فقد جعلوا القاهرة من أجمل مدن الشرق الإسلامي في العصر الوسيط، وذلك بما أقاموه من منشآت رائعة بشتى أنواعها: الدينية، والتعليمية، والتجارية، وغيرها . ومن أهم العوامل التي ساعدت الأمراء المماليك على التوجه الى رعاية المنشآت المعمارية هو الثراء الشديد؛ فقد ساعدت الثروات الضخمة التي امتلكها الأمراء على أن يعيشوا في رفاهية وترف، وأن يتوجهوا للعمارة؛ تخليدًا ذكراهم. يدل على هذا الثراء ما خلفه الأمير المملوكي (سيف الدين تنكز التستري) من ثروة شملت تسعة عشر رطلًا من الزمرد والياقوت، وستة صناديقَ من الجواهر وفصوص الماس، وألفين ومائتين وخمسين حبة لؤلؤ مدورة، وأربعة قناطيرَ مصرية من المصاغ والعقود والأساور. ولعبت العاطفة الدينية لدى الأمراء المماليك والرغبة في التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة دوراً في كثرة العمائر خاصة الدينية والخيرية، هذا إلى جانب المنافسة وحب الظهور بين الأمراء وغيرهم من الشخصيات الكبرى في ذلك العصر؛ للظفر بالسمعة الطيبة والصيت الذائع؛ فبالغوا في إنشاء العمائر المختلفة في كافة أرجاء القاهرة، وأغدقوا عليها العقارات والأموال والأراضي. وتنوعت العمائر التي تولى الأمراء المماليك رعايتها في القاهرة بين عمائر مدنية ودينية. وتضم العمائر المدنية: الدور والقصور، والأسبلة، والقناطر والجسور، والمنشآت التجارية: كالوكالات، والقياسر، والخانات، والفنادق. أما العمائر الدينية فشملت المساجد والمدارس والخانقاوات والقباب. بالإضافة إلى العمائر، قد خلَّف الأمراء المماليك الكثير من التحف المنقولة؛ والتي تشتمل على أسمائهم، ومن ذلك على سبيل المثال: مبخرة من النحاس محفوظة بالمتحف البريطاني ترجع لعام 675ه/1276م، بسم الأمير (بدر الدين بيسري السعيدي الشمسي)، وفازة على هيئة نصف كرة من النحاس بمتحف فيكتوريا والبرت من حوالي سنة 732ه/1332م، باسم الأمير(السيفي أقبغا)، ومشكاة للأمير (بشتك الملكي الناصري) ترجع لعام 736ه/1336م قطعة منها بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ومشكاة من مسجد الطنبغا المارديني باسم (الأمير علي المارديني)، محفوظة بمتحف الفن الإسلامي وتاريخها يرجع لعام 772ه/1371م.