متيمة أنا بهذا الوطن حتى الجنون ، كشعور الأم في لحظة الولادة ، كادماني على الكتابة وشرب القهوة ، والعزف الحافي على أوتار القلوب ، هذا الوطن السعيد من الشمال الى الجنوب ، من نجمة الصبح حتى سقوط الليل في أحشائي ، كتعبيري عن فرحي وأنا أدري مدى فرح الأطفال في أعيادهم ، كلّ العالم يعبّر عن فرحه بالغناء والرقص والضحك من القلب ، ونحن نصل النشوة حين تلامس شفاهنا كأسا من " الفودكا" حتى الثمالة ، ونشتعل بامتصاصنا سيجارة آخر الليل ، فقد اعتدنا عدم الشعور بالفرح الاّ عندما تتخدّر أهدابنا ونلبس ثوب النشوة ، وتتمايل أجسادنا ونحب أن ندور ،،، وندور ،،، ندور حول العالم نصل الى الصين ونعود الى حيفا ، نركع تحت أقدام الموج فتتبعثر أفكارنا لأنها ليست داخلة ضمن القانون ولأنها تتحوّل في لحظات اللذة والانتعاش الى كلمات تناثرتها الريح كرماد السجائر الذي يعود على الرئتين بالفائدة والتنفّس الطبيعي . في الصباح نلجأ ثانية الى الشراب المهدىء ، ليس عصيرا ، وليس الحليب بالعسل ، أو " النسكافيه" انما نحنّ الى المخدّر كي ينسانا الحزن وتتلوى خاصرة عاهرة على أنغام رقصة التانغو . كلّ شعوب الأرض لديها مناسبات للفرح وأخرى للحزن ،، الا نحن أبناء الفضيلة والمروءة ، فمنذ أن دارت الخمرة في رأس شاعرنا " أبو نواس" وحتى يومنا هذا لم نجد لأنفسنا مفرا فنلجأ الى الأحلام دون مبرر ، نمنّي النفس بالموجود ونشكر الرّب الذي أبقانا أحياء ،، ونتباكى للحصول على وظيفة ، أو مقعد في احدى الدوائر ،، نحب الدوائر ،، ومساحات الفراغ ،، لم نعتد الأماكن الضيقة فلا يلمنا فرح ولا حزن ، وأيّ فرح ونحن لا نعلم كيف يدخل من النوافذ المفتوحة للغرباء ، انّ جميع الأمم تفرح بافتتاح معرض للرسم ، أو الاحتفاء بفيلم جديد ، ، أو ولادة شاعر أو روائي ،، أو عازف ،، ونحن نعلّق لوحات الدعايات لنبيعها بالمزاد ،، تصفّ الرسومات على قارعة الطريق ،، يمرّ بها العابرون ويفضّلون شراء مجلة للجنس أو صحيفة للدعايات وأرقام هواتف تستحوذ عقول شبابنا ،، وبدل افتتاح المعارض نفتتح المنتزهات والقصور الشاهقات ،، وبدل أن نفخر برسامينا نتكىء على وسادات الرجاء والأمل ونتباكى ،، فهل البكاء يعيد مساحات الوطن من أيدي المغتصبين والمراوغين والمتعاونين على بيع ما تبقّى من أراضي القرى النائمة على وهن والمدن التي تلعق لغة العهر وتنام على حواف الحانات الليلية ؟ هل أرجعنا الى الشام تفاحا وزرعنا في سيناء نخلة ومن عكا مررنا مرّ الكرام ،، وكأنّ عكا ليست لنا والبحر ليس لنا والوطن المتعب ؟؟ لا بأس ،، لدينا كلّ ما نريد ،، كتبنا الثقافية تباع بسهولة ، تصل الى أيّ مكان نريد ، نشاهدها على رفوف المكتبات العامة والخاصة ،، ورقصاتنا تحترف مهنة الأضواء ،فينعش العرض المسرحيّ القلوب وترتمي ثملة . لدينا المجففات من كلّ نوع ، علب السردين الطازجة،، لماذا نذهب للصيد ولماذا نشتاق للبحر ،، لماذا ندير ظهورنا لعدونا ولا نشكو منه ولا نشتكيه ؟ الحمد لله لدينا كلّ شيء ،، الحليب المجفف ، الفستق المقشّر ، عصير البرتقال ، علب " بادي" لا نحتاج اذن الاّ الى سفينة ونبحر . لدينا الخبز المحمّر والمقمّر ،، و"اللحمانيا" الخفيفة على المعدة ،،لا نتعب أبدا حين نحتسي معها كأسا من " الويسكي" ونحتفل بنسياننا الماضي والحاضر ، وندوّن دستورا آخر ناصع الصفحات نرسم فيه خطة المستقبل ،، فلماذا يطول فرحنا ، لماذا نحزن وحاضرنا لا يملك من الماضي الاّ الرجوع ،، والعودة الى حيث نكون أو لا نكون ،، لا فرق ما دمنا قد كتبنا تاريخنا بأنفسنا ، وبنينا أسوارا حول بيوتنا لنصون عرضنا وأرضنا !!! لا بأس أيها السادة لدينا المسارح نعتليها للتصفيق ،، نساوم على شعبنا بالوصول الى الدرجة الأولى بالتصفيق ، حيث نقاتل لنفوز بمرتبة الشرف في انتخاب الزعامات الفارغة ،، كلّ الأسوار المحيطة بمنازلنا ، كلّ أحجار البازلت التي تملأ أرض أجدادنا لن تستطيع الصمود فقد تملّكنا الشعور بالرضا ،، وأنه لدينا كلّ شيء ،، لكننا في الحقيقة نفضح أنفسنا لأننا لا نملك من وجودنا أيّ شيء ،، ولا شيء... ...!