«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رخصة الفدية في أحكام الصيام وتحريف المفسرين لمعاني القرآن الكريم
نشر في شباب مصر يوم 17 - 06 - 2015

لقد اعتمدت كهنة الأديان على جهل العوام ليغرسوا فيهم الرضا بالجهل، وكيف أن ذلك من قدر الله، وأن من يبحث في الدين يجب أن يكون منهم وعلى مذهبهم وطُرقهم في التفكير، وفي بحوثٍ سابقة أثبتنا أن ذلك الفعل لا يمت للإسلام بصلة، وأن العلماء الحقيقيون هم كل بشر يبحث ويفكر ويؤمن بالمحكم ويرد المتشابه ويفعل الخيرات ولا يحرم ما أحل الله، هكذا هو الدين لا كهانة فيه ولا وساطة، ولو كانت فقد انتفي عنه أصل التكليف ، وصار الناس مراتب في الثواب والعقاب، وأن الجاهل يدخل الجنة ولو كان مجرماً، والعالِم يدخل النار ولو كان صالحاً مصلحا.
لقد قرأوا القرآن ولم يُجاوز حناجرهم..فأبوا إلا أن يُحرّفوا كلماته ويُخرجون أحكامه وفقاً لأهوائهم وعقولهم القاصرة والمقصّرة، زعموا أن في القرآن ناسخ ومنسوخ ليُبطلوا ما يريدون من نصوص وأحكام، ويستبدلونها بأحكامٍ تُرضيهم، ولو علم العوام طبيعة هذا الفعل منهم لثاروا عليهم، أي إنسان طبيعي يرفض أن يكون القرآن مجرد حبر على ورق، هكذا هو الناسخ والمنسوخ يجعل من القرآن مجرد حبر على ورق وآياتٍ تُتلى دون العمل بها، ويقطعون بسقوط أحكام تلك الآيات .."المنسوخة بزعمهم"..ليُبطلوا أحكامها التي كان أكثرها يمس قضايا جوهرية في الدين كالتيسير على الناس والدعوة إلى الحب والسلام..فأبطلوا تلك الأحكام واستبدلوها بالتعسير على الناس والدعوة للحرب والقتال..حتى تهور البعض منهم وزعموا أن في كتاب الله دعوةُ بالسيف تسبق ما عداها وهي ناسخة للجميع وآيةُ محكمة هي من أصول الدين.
هذا الضلال وهذا التيه ما كان له أن يكون إلا بتحريفهم آيات الله ، فجاءوا بأحكامٍ من عند أنفسهم وقالوا هي الدين، وحاربوا معها كل مفكر وباحث عن الحقيقة، فلو علم الناس فداحة ذلك الفعل منهم وطبيعة ما يؤمنون لثاروا عليهم، لذا فهم يحرصون على إخفاء تلك القضايا عن العوام ، ومن أمثلة ذلك هي قضية.."الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم"..أجزم أن ما من عامي أو مسلم طبيعي يعرف معنى هذه الكارثة إلا ويرفضها بل يثور عليها، ومن الطبيعي أن يجهلها فلا يوجد من يعرف عن هذا الأمر شيئاً، وعلوم الناسخ والمنسوخ تظل حكراً على كهنة الدين الإسلامي بدعوى العلم وعدم تصدير المتشابه والمختلف للعوام خشية الفتنة، وجهلوا أن ما يفعلونه هو الفتنة كونهم يحجبون عن الناس علماً جعل من القرآن مجرد حبر على ورق.
في هذه الدراسة لن نناقش قضية الناسخ والمنسوخ مفردة أو مجردة، ولكن سنناقش إحدى تداعياتها التي جعلت من أحكام الصيام شديدة وعنيفة لا يتحملها المسلم أحياناً، ويبحث عن البديل فلا يجده رغم أن الله في أكثر من آية يقول.." يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "[البقرة : 185]..وقال أيضاً.." وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "[البقرة : 280]..وقال أيضاً.." ونيسرك لليسرى" [الأعلى : 8]..وحين عرض الله للعُسر قال أن اليُسر يلزمه، فما من أمرٍ عسير إلا وتجد منه طاقةً لليُسر شرعها الله لعباده خشية أن يكلفهم ما لا طاقة لهم به، ثم يعاقبهم إذا قصروا..قال تعالى.." فإن مع العسر يسرا،إن مع العسر يسرا".. [الشرح 5: 6] ..وإذا عرض الله لسبيله وطريقه لم يجعله لغزاً يصعب على أبسط العقول أو من يزعم كهنة الأديان أنهم العوام لا يجوز لهم التفكر أو البحث في الدين..قال تعالى.." ثم السبيل يسره" [عبس : 20]..والآية واضحة أن سبيل الله ميُسر وسهل للجميع والأمر والنهي فيه في غاية الوضوح، وطُرق الإرشاد والتعاليم يفهمها الجميع.
ويدعم ذلك قوله تعالى.." ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"
[القمر : 17]..وقال تعالى.." فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا " [مريم : 97]..وهكذا فكلام الله سهل وميُسر على لسان النبي، فيتذكره الناس ويفهمونه، وإلا ما معنى أن يكون القرآن عبارة عن ألغاز وأشياء غامضة فيُصبح تفسيرها حسب الأهواء، وفي ذلك يقول الرازي في تفسيره.." جعلناه بحيث يعلق بالقلوب ويستلذ سماعه ومن لا يفهم يتفهمه ولا يسأم من سمعه وفهمه"..(التفسير الكبير29/38)..فالقرآن موجه لجميع الأفهام لأنها في الأخير مكلفة، وشريعة الله في كتابه تكليف، كذا في وقع القرآن على القلوب فإن له هيبة وطراوة على القلب لتناسق كلماته وتماسك معانيه.
إذن فحصر قضية الناسخ والمنسوخ بين الشيوخ هو بكل وضوح.." سرقة لكتاب الله"..ليس فقط لكذبهم على الناس وأن أحكامهم المتلوّة هي شرع الله ولكن لأن الناسخ والمنسوخ مختلف فيه أيضاً، وفي ذلك يقول الدهلوي(توفي 1114ه) في تفسيره المعروف.." بالفوز الكبير في أصول التفسير"..قائلاً:" وهكذا اتسع باب النسخ عندهم وتوسعوا في موضوعه، وكان للعقل فيه مجال فسيح، وللاختلاف فيه مكان واسع. ولذلك بلغت الآيات المنسوخة إلى خمسمائة آية، بل إذا حققت النظر تجدها غير محصورة بعدد"..انتهى(1/84)..خمسمائة آية سقطت من كتاب الله عند جماعة الناسخ والمنسوخ، ولم يهتدوا إلى عدد فمنهم من قال أن الآيات الساقطة(المنسوخة) 214 آية ومنهم من قال 6 آيات ومنهم من قال 22 آية.....وهكذا جعلوا كتاب الله عُرضة لأهوائهم وصنعوا من مذاهبهم سلطة عليا على القرآن.
ليست الكارثة عند هذا الحد..بل منهم من جعل الحديث ناسخاً للقرآن بدعوى أن السنة ناسخة غير منسوخة والقرآن منسوخ غير ناسخ، والمعنى أن القرآن ساقط عندهم يتلونه ولا يتدبرونه..لديهم مجرد حبر على ورق لا يُعمل به ولا يستعان..وهذا تحريف متعمد للدين الإسلامي وهو ما جعل دينهم قائم على خرافات وأقوال بشرية غير معصومة فضلّوا أنفسهم وأضلوا من حولهم وصدّقهم، وتوسعت بالتالي طرقهم في تكفير الناس وهدر دمائهم وجاءوا بكل نقيصة ونسبوها للدين، هكذا صُنع الإرهاب فجذوره ممتدة إلى قضية النسخ، حتى تجد الإرهابي منهم أدلته من الحديث وإذا تعرض للقرآن ذكر آيات الجهاد فحسب..فكيفوا الدين حسب أمزجتهم وقيدوا النصوص حسب مصالحهم.
لسنا بوارد الحديث عن النسخ ويكفينا في هذا المقام ذكر الخلاف فيه، ولكن كما قدمنا أننا سنتعرض لإحدى تبعات هذا النسخ المزعوم وهو أحكام صيام شهر رمضان، ففي صيام رمضان قال تعالى:
" أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون".. [البقرة 185: 184]
والآية بها وجوب صريح لصيام شهر رمضان بقوله.."فمن شهد منكم الشهر فليصمه"..ولكن مع هذا الوجوب فالآية صريحة برخصتين:
الأولى: وهي الكفارة على المريض والمسافر.."فعدة من أيام أخر"..ويعني قضاء أيام الفطر في رمضان في غيره.
الثانية: وهي الفدية لمن لم يُرِد الصوم أن يُطعم مسكينا.."فدية طعام مسكين"..على من يُطيق الصيام
القائلون بالنسخ زعموا أن الرخصة الثانية منسوخة لا محل لها في الأحكام، قال القرطبي في تفسيره.." واختلف العلماء في المراد بالآية فقيل : هي منسوخة روى البخاري : وقال بن نمير حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا بن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم.....وقال بن عباس : نزلت هذه الآية رخصة للشيوخ والعجزة خاصة إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم ثم نسخت بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم..وروي عنه أيضا وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا"..انتهى(تفسير القرطبي 2/289)
ترجمة كلام القرطبي: أن رخصة الفدية منسوخة على قول البخاري ولو لم تكن منسوخة فهي مُأولة على الشيوخ والعَجَزة، والنسخ بالوجوب على قوله.."من شهد منكم الشهر فليصمه"..وهو ينسخ آية الفدية السابقة رقم 184 سورة البقرة، بل وهذا الحُكم بالذات وكأن المقصود هو التعسير على الناس ونقض أحكامه وتأويل كتاب الله حسب أمزجتهم دون دليلٍ أو هادي..
والرد على ذلك الادعاء إجمالاً بما يلي:
1-أن تأويل رخصة الفدية على الشيوخ والعَجَزة يجعل من رخصة المريض مكررة، رغم أنها معطوفة على الكفارة.!!.. والعطف يعني المغايرة، فالمريض بالأصل عاجز، والعَجَزة مرضي لا يُطيقون الصيام بل أغلبهم يكونون مرضى بأمراضٍ مزمنة تحرمهم من فضل الصيام.
2- أن هذا التأويل المزعوم يجعل معنى.."يطيقونه"..بمعنى.."لا يُطيقونه"..وهذا تحريف متعمد للفظ بُغية التأويل، ويشهد على ذلك ابن كثير إذا علم أن معنى يطيقونه أي الأصحاء الذين يقدرون على الصوم قال: " وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام، فقد كان مخيرا بين الصيام وبين الإطعام، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأطعم عن كل يوم مسكينا، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم، فهو خير، وإن صام فهو أفضل من الإطعام، قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وطاوس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم من السلف؛ ولهذا قال تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون"..انتهى (تفسير ابن كثير 1/498)
3-معنى كلام ابن كثير أن لا وجه لتأويل يطيقونه بمعنى عدم الإطاقة، وأن اللفظ ثابت بمعنى القدرة على الصوم، ولكن ابن كثير كمعظم المفسرين قال أن الآية منسوخة، وبالتالي حدث تعارض بين أقوال القائلين بالنسخ والقائلين بالتأويل.
4- أن الله قال في سياق أحكام الصوم.." يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"..وهذا يعني أن التيسير قصدُ من مقاصد الآية، فلماذا لجأ المفسرون إلى التعسير وحذف الرخصة الثانية بالكامل.
5- معنى يطيقونه أي يقدرون على الصيام ولكن لا يتحملون مشقته أحياناً، ففي بعض البلدان يكون فيها النهار طويلاً بما يعني زيادة في عدد ساعات الصوم، أو يكون الجو حاراً وشاقاً على الناس(مثل هذه الأيام)، أو يكون المسلم يعمل في مهنة صعبة أو بها حركة كثيرة..كل ذلك يُضعف من مقاومته للصوم، لذلك جاءت الرخصة له أن يُفطر ويدفع فدية طعام مسكين.
6- ظاهر الآيات يقول أن المريض والمسافر لهما رخصتان الأولى وهي الكفارة الثانية وهي الفدية، فمن كان له الفدية على طاقته للصوم فمن باب أولى أن تكون لمن لا يُطيق.
7- أن الإسلام جعل المجتمع في لب اهتمامه، فمن كان يُطيق الصوم وصام كمن يطيقه وأفطر ثم أطعم مسكيناً..وهذا تعزيز لمبدأ هام من مبادئ الإسلام وهو التكافل، وهو إرشاد لمعنى البدائل الخاص في فقه التيسير.
8- أن من يزعم نسخ آية.."من شهد منكم الشهر فليصمه"..لآية.."فدية طعام مسكين"..يجهل أبسط طُرق القرآن وهو التأكيد على تنوع الأحكام، فالصيام الواجب في الآية اللاحقة 185 هو على طريقة الآية السابقة 184، لا مغايرة في الأحكام وإلا لما كان للشارع أن يُلحق رخصة الفدية لرخصة الكفارة بالعطف المغاير.
9- أن التطوع كان في الفدية ولكن الخير في الصيام، وهذا يعني أن الله يُجيز لعباده الفطر برخص الكفارة والفدية على أن الخير والأصل هو في الصيام، وتلك متعة التخيير والتيسير في الشريعة والتفريق بين الواجب والمستحب، وهي مصادقة للقاعدة المشهورة أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإن صعبت على الناس مشقتهم في الصيام فالبدائل متعددة وأنه لا حرج لأن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.
10- أن قولهم بالنسخ يعني أن الله أخطأ في تشريع الفدية ، ثم صوّب نفسه بحذفها بعد ذلك، وهذا عته ومجون وإسراف ليس فقط لهذا الادعاء الذي يُجيز نسبة الخطأ لله.. ولكن لأنهم اختلفوا في الآية ما بين النسخ والتأويل، فمن أثبت النسخ أثبت الحُكم وقال أن المعنى .."يطيقونه".. ومن أثبت التأويل نفى الحُكم وقال أن المعنى .."لا يطيقونه"
11- لقد جعلوا كلام البخاري حاكماً ومهيمناً على كتاب الله بقولهم بالنسخ، فبعد أن قال البخاري بالنسخ صدقوه وكفروا بالقرآن، رغم أن الله قال عن كتابه.." وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه "..[المائدة : 48].
و يعني أن كتاب الله يُهيمن على ما قبله ومصدقاً له، فإذا كان مهيمناً على التوراة والإنجيل..فمن باب أولى أن يهيمن على البخاري..!!
12- أن اختلافهم في الآية ما بين النسخ والتأويل شابه التنطع والتقعير والتحوير والتبديل لأجل إثبات المعنى المثبوت لديهم سلفاً، وهو اتجاه في التفسير والفقه يجعل من الأهواء والرغبات حاكمة على النصوص..
إن ما فعله المفسرون من حذف الرخصة المقررة للمطيقين للصيام هو عمل عدواني بلا شك، وهو انتهاك لأحكام الله في القرآن، وقد شاب عملهم إرادة التحريف..فبعد أن قال الله "يطيقون" وأعطى رخصة للقادرين حذفوا الرخصة وتحولت إلى"لا يطيقون"هكذا دون أدنى شعور بالمسئولية، وثبت أن كانوا غير أمناء على الدين في ذلك، ولكن لأنني أؤمن بأن لكل فعل مصدر أؤمن بأن مصدر هذا العدوان على كتاب الله هو.."التقليد الأعمى"..فجميعهم ينقلون من بعض ولا مساحة للتفكر بينهم، فمن كان مقلداً قال بالنسخ، ومن قال بالنسخ قال بحذف الرخصة.
وبالتالي أصبح لزاماً على الجميع اليوم-حسب أقوال الشيوخ-أن يصوموا وإن بلغ عدد ساعات الصوم 19 ساعة من 24، أو أن تكون الحرارة ما فوق الأربعين، أو أن يعمل أحدهم عملاً شاقاً يفقده القدرة والطاقة على الصوم ولم يأتِ في حقه كفارة، يجب عليه أن يصوم حتى يهلك حسب أقوال المشايخ، رغم أن الله تعالى في كتابه الكريم أعطى رخصة الفدية لهؤلاء، من ناحية يُرشدهم إلى معاني الخير في الصدقة بتدريبهم وتأهيلهم على الكرم، ومن ناحية أخرى يحفظ المجتمع من أدران الفقر والجوع...ولكن كل ذلك لا يُعجب الشيوخ ويصرون على التعسير والتقييد والإلجام لكل فكر حر باحث عن الحقيقة.
-------------------------
بقلم / سامح عسكر
كاتب وباحث إسلامي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.