الجمال ليس جمال الشكل، ولا الملبس، إنما هو جمال الأخلاق.. فكم من جميلة في الشكل والملبس سيئة الأخلاق؟.. وكم من دميمة في الشكل والملبس جميلة الأخلاق؟.. وكم من جميلة في الشكل جميلة الأخلاق؟.. وكل من دميمة في الشكل دميمة الأخلاق؟.. فلكل قاعدة شواذ، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. الجمال شيء نسبي، يختلف من شخص لآخر، فهناك شخص يعجبه من الفتاة وجهها، وآخر يعجبه منها جسمها، وآخر يعجبه منها لباسها، وآخر يعجبه منها صوتها، وآخر يعجبه منها عقلها، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع. كثيراً ما أنصح الشباب المقبلين على الزواج، بأن يختاروا لنطفهم، لأن العرق دساس، والابن يأخذ من أهله الكثير والكثير، سواء من ناحية الشكل أو الأخلاق، وأذكرهم بأنهم محاسبون على اختيار أمهات أبنائهم، فإن كانت مستقيمة استقام معها الأبناء، وإن كانت معوجة اعوج معها الأبناء، لأن المرأة هي الأساس في تربية النشء، ولها تأثير كبير في الأبناء. كنت أجلس مع أحد الشباب ذات مرة في مقر عمله، فجاءت زميلته، وألقت علينا السلام، وحاولت ممازحته بلطف، ولكنه خجل مني، حتى إنها أحضرت لنا مشاريب لتضيفنا. فسألته عن العلاقة بينهما، لأني استغربت من صنيعها، فأخبرني بأنها معجبة به وتريد الزواج به، فسألته: لماذا لم تتزوجها، طالما أنه يوجد بينكما رغبة متبادلة؟ فقال: إنها سيئة الأخلاق. فقلت له: يا أخي اتق الله، ولا تصفها بهذا الوصف القبيح، فقال: نعم، إنها سيئة الأخلاق، واسأل عمتها. فقلت له: يا أخي، أكيد أن العلاقة بينها وبين عمتها سيئة، لأنه لو لم تكن العلاقة بينهما سيئة لما وصفتها بهذا الوصف غير اللائق، أرجوك ألا تتكلم في أعراض الناس لا بعلم ولا دون علم، لأن العرض كالزجاج إذا خدش، فمن الصعب أن يعالج. فقال: وما دخلي، هذا كلام عمتها. فقلت له: وما يدريك أن عمتها صادقة، أليست إنسانة ومعرضة للكذب أو النسيان. قال: الله أعلم! وأردف: أنت من وجهة نظرك أنها مؤدبة لأنها عندما رأتك ألقت عليك السلام في أدب جم، وضيفتك، أما أنا فأعرفها جيداً، إنها سيئة السمعة. فقلت له: إذاً كن حذراً في تعاملك معها، لأنها معجبة بشخصك وتريد الارتباط بك. فقال: هي جميلة، ولكنها لا تنفع للزواج، فقلت له: إذا لم ترد الارتباط بها، فعليك ألا تعطيها أملاً، فقال: أنا لم أعطها أي أمل، ولكنها تحاول. فقلت له: إذاً حاول أن تغلق في وجهها هذا الباب وبشكل سريع، ودون أن تحرجها. فقال: إن شاء الله سأحاول ... انتهى. أتاني هذا الشاب بعد نحو ثلاثة أشهر، وطلب مني أن أذهب معه لمقابلة أهل فتاة يريد الارتباط بها، فسألته عنها! فأخبرني أنها زميلته في العمل. وبالمصادفة ذكرت له اسم الفتاة التي وصفها بأنها سيئة الأخلاق، فأخبرني أنها هي. فقلت له: يا أخي، أنت ذكرتها بكلام غير لائق، فكيف تطلب مني أن أذهب معك لخطبتها لك، فقال: ما عليك، أنا أحبها وأريد الارتباط بها. فقلت له: إذاً أنا أرفض الذهاب معك، فألح عليَّ، وعندما وجد أنه لا فائدة من طلبه تركني وهو غضبان. بعد نحو خمسة أشهر، قابلتهما في أحد مراكز التسوق، فأوقفاني للسلام عليَّ، وكان عندها علم مسبق بأني رفضت الذهاب معه لمقابلة أبيها لطلب يدها منه، فتوجهت إليَّ بالسؤال: أريد أن أعرف منك لماذا رفضت زواجنا؟ فكنت في حيرة من أمري، أخبرها عما قاله عنها زوجها المبجل أم أسكت، ففضلت السكوت، لكي لا أكون سبباً في مشكلة لا داعي منها، فأعادت عليَّ السؤال وهي غاضبة، فقلت لها هذا شيء يخصني، وليس من حقك أن تسأليني، وإذا صممت فالإجابة عند زوجك. فتغير لون وجهه، وأخذ جسمه يتصبب عرقاً، رغم أننا في مكان مكيف، وقال لها: لا داعي لهذا الكلام الآن، الأستاذ أخونا الكبير. ولا داعي لإحراجه، فتركتهما وذهبت لحال سبيلي. هذه القصة ليست لفضح الشاب، أو للاستهلاك الإعلامي، بل إنها رسالة إلى كل من يتكلم في عرض الناس، سواء بعلم أو من دون، أن يكف عن هذا الهراء، لأن العرض شيء حفظه الله، فلا داعي لفضحه، والذي يتكلم فيه بسوء، يسخر له الله من يفضحه في الدنيا قبل الآخرة، وقد حدث هذا كثيراً، فعلى المرء إذا رأى فتاة تسلك مسلكاً خطأً أن ينصحها بالحسنى، أو يبتعد عنها، ولا داعي لفضحها على الملأ. رسالة أخيرة أبعثها إلى الشباب المقبلين على الزواج، أن يختاروا لنطفهم، ويعلموا أن الجمال نسبي، والمعيار الأساسي في اختيار الزوجة الدين والخلق، وهناك فتيات كثيرات جميلات وملتزمات، ولكن المسألة تحتاج إلى وقت للبحث عنها، لأن هذه النوعية من الفتيات لا تخرج إلى الشوارع إلا للضرورة القصوى. والله أسأل أن يحفظ أعراضنا وأعراض المسلمين، وأن يكتب لشبابنا أمر رشد، وأن يهديهم إلى صالح الأعمال، وأن يوفق المقبلين منهم على الزواج في اختيار الزوجة الصالحة التي تعينهم على طاعة الله، وأن يجعلهم من السعداء في الدنيا والآخرة... إنه ولي ذلك والقادر عليه. محمد أحمد عزوز كاتب مصري