تلقت دار الإفتاء المصرية ، سؤالاً من سائلة تقول : " حدث بيني وبين زوجي اتفاقٌ ودِّي بعد الزواج على عدم الإنجاب ، وعلى أنه إذا حصل حمل أقوم أنا بإجهاضه ؛ لأنه متزوج من أخرى ، ويعول ثلاثة أبناء ، ووافقت على طلبه ؛ نظرًا لإلحاحه الشديد ، ثم شاء الله تعالى الحمل ، والآن زوجي يخيرني بين إنزال الحمل أو الطلاق ، ويتهمني بالخيانة وعدم الأمانة ، فهل يجوز لي في هذه الحالة وتحت دعوى الاتفاق السابق أن أُسْقِطَ الجنين رغم أني في غاية الشوق للأطفال ؟" . بينت دار الإفتاء ، أن هذا الاتفاقُ محل السؤال ذو شقين : شق بالالتزام بعدم الحمل ، والثاني بالالتزام بإسقاطه إذا تمَّ . والشق الأول من الاتفاق جائزٌ ؛ لأن العزل مباح أو مكروه على خلاف بين العلماء ، وفي الحالين لا إثم فيه ، فيكون الاتفاق عليه جائزًا ؛ فقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه : "كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ 0لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا". وإذا كان الاتفاق جائزًا فالإخلال بالوعد به خلفٌ للوعد ونقضٌ للعهد ، فالزوجة إن كانت تعمدت حصول الحمل تكون مخلفةً للوعد الجائز ، وهذا إثمٌ منها ، وإن لم تتعمد فلا إثم عليها . وتابعت دار الإفتاء : أما الشق الثاني فهو غيرُ جائز ؛ لأنه لا يجوز إسقاط الجنين وإجهاض الحامل إلا لو قال الطبيب الثقة بخطورة الحمل على المرأة ، وكان ذلك قبل أربعة أشهر ، وكان لا يترتب على الإجهاض ضررٌ مساوٍ أو أكبرُ على المرأة من بقائه ، فيكون الاتفاق عليه غيرَ مشروعٍ ، ويكون الزوجان مخطئين بالاتفاق على هذا ؛ لأنه معصية ، ولا يجوز للسائلة طاعة زوجها إذا أمرها بإسقاط الجنين ؛ لأنه "لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق" ؛ ففي الحديث الذي رواه الشيخان عن عَلِيٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»، ولا إثم عليها في ترك الوفاء بعهدها بهذا الشق ، بل الإثمُ في إيفائها به وفي أمر زوجها لها به . وأضافت دار الإفتاء : وخلاصةُ القول أن المرأة إن كانت قد تسبَّبت في حصول الحمل وتعمَّدته تكون قد أخطأت ؛ لمخالفتها ما وعدت به ، وفي الحديث: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا ، وأما إن كانت لم تتسبب في ذلك فلا شيءَ عليها ، وأن الزوجين قد جَانَبَا الصواب في اتفاقهما على إسقاط الحمل عند حدوثه ، وأنه لا يجوز للزوج أن يأمر زوجته بذلك ، ولا يجوز لها أن تطيعَه في ذلك إن أصرَّ وأمرها ، ولْيعلم كلٌّ منهما أن الحمل رِزْقٌ من الله رزقه ، وهو المتكفِّل له والمربي له ؛ لأنه رب العالمين ، وأنه ربما يكون في هذا الولد النجابة والخلق والدين والبركة التي لم يجدها فيمن سبقه ، قال تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ 0للهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]، وليقفْ كلُّ إنسانٍ عند قدره ، ولا ينازعْ ربه ولا يغالبْه ؛ لأن الله تعالى لا غالبَ له ، والأقدارُ ماضيةٌ ، فلتمضِ برضا نفوسنا خيرٌ لنا في الأولى والآخرة .