" قيراط حظ ... ولا فدان شطارة" من الأمثال المصرية الشهيرة التى نحفظها عن ظهر قلب، ونستشهد بها لنؤكد أن للحظ دورا مهما فى تحقيق إنسان لهدفه ووصوله لمبتغاه، فالحظ يساعد الإنسان على تحقيق أحلامه فى وقت قصير وبسهولة، بالرغم من أن هذه الأحلام قد تحتاج إلى سنوات لتحقيقها. لكن هل كل الناس محظوظون؟.. لا، فالمثل ينطبق فقط على من نال حظا كبيرا خلال تحقيقه لهدف معين، فإذا تسابق عدد من الشباب– مثلا– لتحقيق هدف واحد فالمؤكد أن أوفرهم حظا سيحقق هدفه قبل غيره بوقت ليس بقصير. لكن ماذا عمن لم ينل حظا خلال سعيه إلى تحقيق أحد أحلامه وفشل؟ هل سيصب جام غضبه على الظروف أم سيركن إلى تعليق فشله على شماعة عدم التوفيق وقلة الحظ؟ إذا قلبنا منطوق المثل ليكون "فدان شطارة ولا قيراط حظ" سنعرف الإجابة التى لا يميل كثيرون إليها؛ لأنها شاقة وتحتاج إلى عمل دءوب ومتواصل دون تراخ حتى يصل الإنسان إلى هدفه. فالبعض حققوا أهدافهم عبر جسر الحظ، لكن الإيمان بالوصول إلى النجاح عن طريق الحظ فقط هو فكرة عبثية لأن الحظ لا يأتى إلى من لا يعمل وينتظر أن تهبط عليه معجزة تغير حاله، لكنه يأتى إلى من يسير على جسر العمل بإخلاص واجتهاد– شطارة- فيحقق هدفه بشكل مؤكد لكن فى وقت أطول، وهذه القاعدة تنطبق على الجميع إلا بعض الحالات النادرة جدا. وقد جسدت الدراما المصرية فكرة الحظ المطلق- وهى فكرة عبثية- فى عدد من الأفلام مثل فيلم لعبة الست لنجيب الريحانى الذى تزوج من تحية كاريوكا وكانت تعمل ممثلة فى الفيلم وتعرفت على رجل ثرى يريد أن يتزوجها فكرهت حياة الفقر مع زوجها الذى كان يعمل ساعيا بأحد المحلات الكبرى، واستطاعت أن تضغط عليه وطلقت منه، وبعد فترة قليلة صادف الريحانى الحظ الوافر بتنازل صاحب المحل عنه إلى الريحانى لاضطراره إلى السفر فى ظروف الحرب وذلك مقابل أن يضع الريحاني معظم أرباح المحل أول كل شهر فى الحساب البنكى لصاحب المحل الأصلى حتى يصل المبلغ المسدد إلى 20 ألف جنيه وقتها وعندئذ يصبح المحل ملكا للريحانى، ولم يمض وقت كثير حتى سدد الريحانى المبلغ وامتلك المحل. لكن كما جسدت السينما النموذج السابق فإنها جسدت كثيرا نماذج من الناس تعمل بجد ودأب حتى تنال مرادها وتحقق أهدفها، ففيلم النمر الأسود لأحمد زكى جسد الفتى الذى سافر إلى ألمانيا ليعمل خراطا فى مصنع ولم يوفق بسبب مكيدة أحد زملائه الذى يكره الأجانب، لكنه لم ييأس وفُتح له باب احتراف الملاكمة حتى صار مشهورا وغنيا وواصل طريقه حتى أصبح يمتلك شركة كبيرة. أما فى الواقع فهناك عدد لا يحصى من الأمثلة على أناس عملوا بجد وإخلاص متواصل– شطارة- ومنها مؤسس مطاعم "كنتاكى فرايد تشيكن" الكولونيل ساندرز الذي بدأ مشروعه فى سن الخامسة والستين وفي جيبه شيك بمبلغ 105 دولارات أمريكية فقط، فافتتح مطعما وطور من طريقة قلى الدجاج وتوصل إلى خلطة سرية من 11 صنفا من الأعشاب والتوابل وقام بعرضها على عدد كبير من المطاعم لكنهم رفضوا شراءها فلم ييأس وواصل تسويق خلطته السرية حتى تمكن من بيعها إلى أحد المطاعم مقابل 4 سنتات عن كل دجاجة يتم إعدادها بهذه الخلطة، ونجحت الفكرة وتعاقد مع مطاعم أخرى وافتتح عدة مطاعم حتى أصبح صاحب سلسلة مطاعم ضخمة أحدثت ثورة في صناعة الوجبات السريعة. نجم الكرة المصرية العالمى محمد صلاح مثال متفرد للعمل والجلد والاجتهاد والصبر– الشطارة- خلال سيره فى طريق الاحتراف والشهرة العالمية وقد تحمل وصمد أمام عقبات كثيرة واجهته خلال مشواره، منها عدم اقتناع مدربه مورينيو به عندما كان يلعب فى فريق تشيلسي الانجليزي وتفويت فرص كثيرة عليه بقلة إشراكه فى المباريات، لكن صلاح تحمل الغربة واختلاف لغة وثقافة البلد الذى يعيش فيه واجتهد حتى استطاع أن يثبت نفسه ويحقق إنجازات عالمية مع فريق ليفربول ومدربه يورجن كلوب. الحظ قد يصادفك خلال السير فى مشوار النجاح ويقصر عليك المسافة والوقت، وعندما يصادفك ستنال منه قدرا قد يكون كبيرا أو قليلا أو متوسطا، وقد لا يصادفك خلال مسيرتك.. لكن المؤكد أن الحظ لن يأتيك وأنت جالس بلا عمل أو اجتهاد وتصميم وإرادة.. لذلك نقول: "فدان شطارة.. ولا قيراط حظ".