مثل الملايين توقفت كثيرا عند الحادث الإرهابي الذي شنه التكفيريين على مسجد الروضة ببئر العبد، شمال سيناء، وراح ضحيته 305 شهيدا والعشرات من المصابين الأبرياء. ودار في ذهني عدة أسئلة عن عقيدة هؤلاء، وهل بالفعل هم مقتنعون أنهم يدافعون عن الإسلام، ويحاربوننا لأننا في نظرهم كفار، وواجب عليهم قتالنا، أم أن هناك دافع آخر للقيام بذلك؟
لا أشك للحظة أن هؤلاء التكفيريين على خطأ، وأنهم يسيرون في طريق الضلالة، فديننا الحنيف واضح ومحدد في حكمه على حرمة قتل النفس، في أدلة قرآنية ونبوية عديدة، ولا أشك للحظة أيضا أن مسلما حقا، يستطيع أن ينتهك حرمة بيوت العبادة، سواء كان مسجدا أو كنيسة، لأن هذا بعيد كل البعد عن تعاليم الإسلام الحنيف.
الجرم هذه المرة أبشع، فالجريمة لم تقتصر فقط على القتل، بل تخطته للقتل أثناء الصلاة، وانتهاك حرمة مكان العبادة نفسه. وهنا تظل الأسئلة مطروحة، بشكل إنساني بعيدا عن الأديان، وعن الحرام والحلال.
ما ذنب كل هؤلاء الأبرياء؟
ماذا فعل المصلون العزل وأطفالهم ليقتلوا بهذه الطريقة ؟
هل شعر الإرهابيون بالسعادة بعد أن شردوا عشرات الأسر ورملوا النساء ويتموا الأطفال؟
من أعطاكم الحق بأن تكفروا غيركم؟ وتعتبروا أحد بيوت الله في الأرض مستباحا لأقدامكم النجسة وأسلحتكم المأجورة.
عموما الإسلام براء من هؤلاء ومن أفعالهم، فهو دين الرحمة الذي حرص على حماية النفس البشرية وصونها من أي اعتداء.
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي حثت على حفظ الروح، وصون النفس الإنسانية عديدة.
فقد قال تعالى في سورة المائدة (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
وفي سورة النساء قال تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
وقال تعالى في سورة الإسراء (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)
أيضا الأمثلة عديدة في السنة النبوية المطهرة: فعن أبي هريرة، رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو أن أهل السماء وأهل الارض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) رواه الترمذي.
وعن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة بكل جبار وبمن جعل مع الله إلهاً اخر وبمن قتل نفساً بغير نفس فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم) رواه أحمد والطبراني.
وعن البراء بن عازب عن رسول اله عليه وسلم (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) رواه ابن ماجه
وعن عبدالله ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) رواه البخاري والنسائي.
وعن معاوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً) رواه النسائي.
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات) رواه البخاري
وعن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا) رواه البخاري
وعن عبدالله بن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وان نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجه
رغم كل هذه الآيات القرآنية والتحذيرات النبوية من حرمة قتل النفس، سواء كان المعتدى عليه على دين الإسلام أو غيره، إلا أن هؤلاء لم يعتدوا بها، واتخذوا من غيرها دليلا لهم، وهو الإخواني سيد قطب، المرشد الفكري الأشهر لمعظم فصائل وتيارات الإسلام السياسي أو من يطلق عليهم الخوارج، معتقدين أنهم على حق وما عداهم على باطل.
ومن يدقق في كتاب "ظلال القرآن" ل"سيد قطب"، سنجد أنه في الجزء الثاني وتحديدا في الصفحة رقم 1057، يقول "لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله. فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: "لا إله إلا الله" دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية "الحاكمية " التي يدعيها العباد لأنفسهم - وهي مرادف الألوهية - سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب. فالأفراد، كالتشكيلات، كالشعوب، ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية.. إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله. فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية. ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء."
"البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات: "لا إله إلا الله " بلا مدلول ولا واقع.. وهؤلاء أثقل إثما وأشد عذابا يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد - من بعد ما تبين لهم الهدى - ومن بعد أن كانوا في دين الله!"
وفي الجزء الثالث من نفس الكتاب، وتحديدا الصفحة (1816)، يقول سيد قطب "يرشدنا الله إلى أمور: اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد. تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي; وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح; وتزاول بالعبادة ذاتها نوعا من التنظيم في جو العبادة الطهور."
نلاحظ في الأجزاء السابقة من كتاب سيد قطب، أنه كفَّر البشرية كلَّها وحكم بردتها عن الإسلام ولم يستثنِ أحدا حتى المؤذنين على المنابر، واصفاً مساجد المسلمين بمعابد الجاهلية، ولذلك ما كان سيد قطب يصلي فيها.
إذا كان هذا هو منهج هذه الجماعات وهؤلاء التكفيرين، فبالتالي يزول العجب مما قاموا به وننتظر منهم الأسوأ، لكن يظل الأمر الواقع أن ما يقومون به ليس من الإسلام في شيء وبعيد كل البعد عن تعاليمه السمحة.