زمان.. أيام حرب 73 كانت أهم شخص في الصحف والتليفزيون المصري هو المراسل الحربي هذا الرجل الذي لم تكن بطولته وشجاعته تقل عن شجاعة وبسالة جنودنا في الحرب وكانت مهمته نقل ما يحدث فى الحرب وكأنه بث مباشر. وكان ما يفعله سببا في أن المصريين كلهم وقتها إجتمعوا على قلب وروح رجل واحد وأدركوا خطورة الموقف وكانوا على قدر المسئولية وكأن جميع أفراد الشعب هم أيضا جنودا فى ساحة المعركة، حتى أن الإحصاءات وقتها أكدت أن الفترة ما بين 67 الى 73 وصل معدل الجريمة في مصر إلى أدنى حد له و يرجع جزء من الفضل فى ذلك الى الإعلام الذى كان رغم ضعف موارده وقلة إمكانياته يرفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة لذا استطاع أن ينقل أجواء أرض القتال إلى الشوارع والمقاهى والبيوت ومن ثم كان الجميع على مستوى الحدث. ورغم أننا نعيش الأن حربا أخطر وأشرس من حروب 67 و73 حيث أن العدو هنا مجهول ويختبيء بيننا ولا نعرف من أين ستأتى ضربته ولا خيانته ولا غدره، وبالمناسبه فأعتى وأقوى النظم الأمنية في العالم لم تستطيع أن تمنع ضربات الإرهاب أى أن الأمر حتى لو كان به سوء تقدير أو تخطيط أو خيانه فالتنبؤ به أو تجنب غدره ليس سهلا بل يكاد يكون مستحيلا. ومع ذلك ومع خطورة الموقف والكارثة التى حدثت فى الواحات البحرية أمس والحرب التى كانت ومازالت حتى تلك اللحظة التى تقرأ سيادتك فيها هذا الكلام دائرة هناك إلا أننا فى مصر علمنا بها من قنوات أجنبية حيث كانت قناة "سكاى نيوز " الإماراتية أول من آذاع الخبر وبدلا من أن يسارع الإعلام المصرى كله مهابة للحدث الجلل ليعلن حالة إستنفار إخبارى ندرك به خطورة الموقف وحقيقة الأمر، فعلى العكس من ذلك أذاع هذا الإعلام برامج أبله فاهيتا وتحليل ماتش الزمالك ومسلسل ريح المدام وفيلم المصلحة وكأن ما يحدث على بعد 135 كيلو فقط لأخواتنا وولادنا ليس فى مصر بل في قارة أخرى " ده حتى لو كان فى قارة أخرى كنت إدينا خبر برضو يا أخي الإعلامي" أما الإذاعة فلم تذكر ما حدث سوى في خبر عابر من خلال النشرات الإخبارية واكتفت بإتحافنا بأغنيتى يا بلادى أنا بحبك يا بلادى وأغنية لأمال ماهر بتقول فيها اللى جاى أحلى بس إتفاءلوا .. يا نهار غريب!.. نتفاءل إيه بس؟.. يعنى حتى اللى إختار الأغانى لم يكن لديه حسن الاختيار ولم يراع أننا لدينا 16 شهيدا.. يعنى حزن وقهره ويتم ووجع فى القلب لن يمحوه الزمن.. وحقيقى أن الحزن ليس أغنية ولا شريطة سوداء ولا برامج توك شو ولا فتاوى لميس الحديدي وأو حنجرة عمرو أديب ولكن كان على الإعلام أن يكون على مستوى الحدث لربما استطاع أن ينقل للناس الذين لم يتوقفوا عن القيل والقال عبى الفيس بوك خطورة الموقف وأن هناك حربا شرسة الله وحده يعلم متى ستنتهى ولربما إداستطاع أن يجمعنا على روح واحدة نستطيع أن ننتصر بها على من يتربصون بولادنا وحياتنا وفرحتنا ليأخذوها غدرا. فالدائرة كل يوم تضيق عن ما قبله وبات لكل واحد فينا صديق أو قريب أو زميل دراسة أو جار شهيدا في تلك الحرب المخيفة الخطيرة وأصبح الحزن مسار إجباري ليس أمامنا سوى المرور به فى طريق ليس لدينا أدنى شك أنه سينتهى بانتصار أبطالنا. لذا كان على الإعلام آلا يتعامل مع الموقف بتلك السطحية غير المبررة أو هذا التجاهل الغامض ويحترم حزن كل أم وزوجة وطفل قتلت حرب الإرهاب أملهم وحلمهم ومستقبلهم وجرحتهم جرح لن يندمل ويجل شهيدا وبطلا قدم لوطنه روحه وعمره ودمه .. فهل هناك أغلى من ذلك؟ فالفراغ الذي تركناه ملأه غيرنا بطريقته ومن ثم ليس لنا الحق بعد ذلك في الشكوى من مؤامرات الإعلام الخارجي علينا. والمسألة هذه المرة كانت فجة تماما فكيف للمواطن المصري أن يبحث عن أخبار بلده وأولاده في القنوات الخارجية بينما قنوات بلده تعاملت كما لو كان ما يحدث في الواحات البحرية عرض مسرحي؟ فحتى المواقع الإخبارية المصرية التي جاهدت لنقل الحدث لم تحصل سوى على معلومات متضاربة تزيد الطين بللا وأما الصحف الورقية التي كان لها الدور الأعظم في حرب أكتوبر فجاء تعاملها مع حادث الواحات فاترا لا يعدو مجرد خبر.. والسؤال الآن: هل يليق أن نتعامل مع من قدموا أرواحهم فداء لنا كمجرد أرقام في أخبار جامدة لا حياة فيها ولا إظهار للبطولات التي تستحق روايات ومسلسلات وأفلام سينما وليس مجرد أخبار مقتضبة في الصحف ولا في نشرات الأخبار وفقرات البرامج؟ كيف نربي في أجيالنا الجديدة قيم البطولة والشرف إذا لم نبرز بطولات شبابنا في الواحات وغيرها ونقول لهم إن ما قدمتموه سنحكيه ونتحاكى به أبد الدهر ولن نتعامل معه كخبر ينتهي بورود خبر أحدث منه؟