كتب: محمد وليد بركات - نور الدين عادل - هيثم ناصر تصوير -نور الدين عادل عرض مسرحي يقدمه الصم وضعاف السمع مع المتكلمين لعرض مشاكلهم بشكل كوميدي. على خشبة مسرح الطليعة بالعتبة، قدم فريق مسرحي مختلط من المتكلمين والصُم، عرضا بديعا حول مشكلات الصم وضعاف السمع - تعد كلمة "بُكم" كلمة مسيئة - بما في ذلك التعليم والعمل والتواصل مع الآخرين وحتى الحب والارتباط، وتنوعت مشاهد المسرحية ما بين التراجيدية والكوميدية، ونجحت في انتزاع قهقهة الجمهور عدة مرات وكذلك إسالة دموعهم، واشتملت أيضا على عدة رقصات استعراضية على نغمات أغنيات عربية وأمريكية وحتى هندية أداها "الصُم" بتفاعل وانسجام رائعين مع الموسيقى! في البداية يزال ستار المسرح وسط تصفيق حار من قبل الحضور، وتبدأ المسرحية بعرض استعراضٍ راقٍ علي أغنية "تحيا مصر" لأحمد جمال يؤديها الممثلون بلغة الإشارة، ثم يتم عرض فيلم تسجيلي قصير يجمع ما بين لغة الإشارة وترجمتها مكتوبة على الشاشة، عن أبرز المشاكل التي تواجه الصُم وضعاف السمع، ثم تتابع مشاهد المسرحية والتي تدور فكرتها بشكل عام حول فريقين مسرحيين أحدهما من الصُم والآخر من المتكلمين يتعاونان لتقديم عمل مسرحي يعبر عن الصُم وينطبق بلسانهم. من بين الحضور جلس تزين وجهه ابتسامة جميلة رجل أربعيني، فاقد السمع والبصر والنطق! الرجل لا يتصل بمن حوله إلا باللمس فلا الكلام يُجدي ولا لغة الإشارة، نسخة مصرية من "هيلين كيلر"، المفاجأة أنه حضر المسرحية أكثر من مرة، وصعد على خشبة المسرح معربا عن إعجابه بالعرض وسعادته به عبر مترجمة اللمس المرافقة له. وتقول قمر عادل مترجمة الإشارة والمسئول الإدارية لفريق الصم وضعاف السمع، أن العرض يعتمد علي إظهار أبرز المشاكل التي يتعرض لها الشخص "الأصم" في حياته اليومية، ومنها عدم الاهتمام بلغة الإشارة، وعدم وجود مترجمين إشارة بالمصالح الحكومية الهامة والمستشفيات والجامعات وغيرها مما أدى إلى تضاؤل نسبة مساهمة الصم في فاعليات الدولة المختلفة، كذلك صعوبة التواصل المترتب عليها صعوبة التعليم، وعدم وجود قناة تليفزيونية مترجمة بالإشارة أو جريدة خاصة بهم. وأضافت قمر أن سبب تسمية العرض بهذا الاسم يرجع إلى جماله فهو كزجاجة العطر التي تفوح فتمتع من حولها، مشيرة إلى أنه العرض المسرحي الأول في مصر والعالم العربي الذي يضم صُما ومتكلمين معا، مشيدة بقدرة المخرج محمد علام على خلق الانسجام بين الفريقين. واختتمت مترجمة الإشارة حديثها قائلة: "فريق الصم يمتلك مواهب فنية تمثيلية متميزة لم تكتشف حتى البروفات والعرض الأول حيث خرجت للنور، ونالت استحسان الجميع، ونجحت في نشر رسالتها من خشبة المسرح". أما مادونا جمال إحدى بطلات العرض من ضعاف السمع قالت أنها شاركت في البروفات لمدة شهرين، وذللك بعدما رشحتها قمر مترجمة الإشارة للعمل وشجعتها، ثم بدأ العرض وحقق نجاحا كبيرا جعلها تحب التمثيل وتفرح بشدة هذا النجاح رغم كل متاعب البروفات التس ذللها تعاون وحب مخرج العرض والممثلين المتكلمين، مشيرة إلى أن المسرحية هي مشاركتها الفنية الأولى. كما أوضحت أن بطل العرض الممثل سيف ذو 26 سنة خريج معهد الألسن شارك فقط في عرض "أنا مش سامع"، أما خلاف ذلك فأغلب الممثلين الصم من المبتدئين والهواة وأعمارهم من 21 سنة حتى 36 سنة. "من أعظم المسرحيات في تاريخ المسرح".. هكذا وصفتها كارولين عزمي إحدى الممثلات في العرض، مضيفة أنها تتأثر بشدة كلما شاهدت هذه المسرحية لأنها تشعر إلى أي درجة لم تكن مدركة لمتاعب وآلام هذه الفئة. وتضيف كارولين - الطالبة في الفرقة الأولى في معهد الفنون المسرحية- والتي تعتبر المسرحية "فاتحة خير" بالنسبة لها، وتقول "بدأت في بروفات هذه المسرحية، وبذلت جهدا جبارا لتعلم لغة الإشارة، بعدها سافرت خارج مصر للمشاركة في عمل تليفزيوني جار تصويره، فاضطررت إلى ترك "العطر"، وحزنت لذلك حزنا شديدا، فعرض عليّ محمد علام المخرج المشاركة في تصوير أحد الفيديوهات التي تذاع مسجلة ضمن العرض، وبالفعل عندما عرض عليّ ذلك نزلت من بيتي في الحال وقمنا بالتصوير، كنت حريصة على ألا أترك هذا العرض أبدا". واشتركت كارولين في عدد من الأعمال المسرحية على "مسرح النهار"، منها الحب في قلب هضبة الهرم، وواحد امبليه، وبوجي وضمضم، واشترك معها عدد من أعضاء الفريق كالممثلين نورا القاضي ومحمد الغريب وهاني السراج، ومحمد الحناوي مساعد المخرج، كما أن كارولين تفكر حاليا في عدة عروض سينما وتليفزيون. وتختتم كلامها قائلة: "موهبة الصم في قمة الروعة، وكان لنا الشرف الاشتراك معهم في المسرحية، "اللي عليت بيهم"، وأقول لهم أنتم نعمة من الله بيننا، وأتمنى أن تنجحوا في نقل صوتكم إلى العالم كله، وتأسيس نقابة لكم، وإطلاق قنوات متخصصة، بما يعيد إليكم حقوقكم كاملة، أتمنى لكم السعادة والنجاح كما أمتعتونا، وأن تكون هذه المسرحية فاتحة خير لكم". ومن جانبه قال الإعلامي الدكتور محمد سعيد محفوظ: مسرحية العطر بطولة أحبائي الصم وضعاف السمع، ليست مجرد عرض مسرحي، بل فرصة هائلة للتأمل والوقوف مع النفس، ونافذة مفتوحة على عالم من البهجة والدهشة، كل كلمة وموقف على خشبة المسرح يلمس القلب.. النص يمتلئ بالرقي، والأداء يمتلئ بالصدق، والإخراج يمتلئ بالإبهار، التماهي التام بين الصُمّ والمتكلمين في العرض هو حلم جميل يتحقق، بأعلى درجات السلاسة والإتقان. وتابع محفوظ: أدعوكم لمشاهدة هذا العرض المعجزة، كما أدعو زملائي الإعلاميين لتغطيته، وأدعو الدولة أن تنتبه لوجود مثل هذا العرض على أحد مسارحها، والتحرك فورا لتنفيذ مطالب الصم التي عبروا عنها فيه بلمسة إبداعية، اختلط فيها الإبداع وخفة الظل بالحزن والمرارة! واختتم "محفوظ" كلامه قائلا: أشكر أحبائي الصم على دعوتي للوقوف إلى جانبهم على خشبة المسرح بعد انتهاء العرض، والاستماع إلى كلمتي المتواضعة التي غالبت فيها دموعي بصعوبة. مؤكدا على دعمه للصم وضعاف السمع دعماً كبيراً في مختلف أنشطتهم. أما محمد علام مؤلف ومخرج المسرحية فقال أنها تخاطب المجتمع معبرة عن الصم وضعاف السمع، معربا عن أسفه لتهميش هذه الفئة رغم أن عددها يصل إلى 5 ملايين نسمة. وتابع علام: "هذه أول تجربة لي في إخراج عمل مسرحي يضم الصم وضعاف السمع، وفي الواقع لم أجد صعوبة في التواصل مع مجموعة الصم خصوصاً أنهم ملتزمون ومحبون للفن والتمثيل ويبذلون أقصى ما بوسعهم لإخراج أجمل ما لديهم، وعندما نبدأ البروفة يتقمص كل منهم دوره جيدا، ولا يركز في شيء سوى السيناريو والأداء على خشبة المسرح. وأضاف مخرج مسرحية العطر، أن المسرحية تعرض يوميا في تمام التاسعة والنصف مساءً، في قاعة "زكي طليمات" بمسرح الطليعة، وهي بطولة 8 من شباب الصم وضعاف السمع، و 6 من الممثلين المحترفين، والجدير بالذكر أن ثمن التذكرة عشرون جنيها، وأن المسرحية سيتم عرضها في الإسكندرية خلال الأيام القليلة القادمة. اشترك في المسرحية إسلام أشرف للإعداد الموسيقي، ونورا نور في الغناء، وعمر هشام في ترجمة الإشارة. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الصُم وضعاف السمع في مصر يصل إلى خمسة ملايين نسمة، وهم محرومون من الالتحاق بالجامعات الحكومية، ويواجهون صعوبات جمّة في التعايش والعمل وقضاء مصالحهم في المؤسسات الحكومية وغيرها، هؤلاء الملايين وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة بفئاتهم المختلفة، ثروة بشرية يمكن أن تتحول إلى طاقة أمل وعمل، بل ويجب أن تكون كذلك.. الدستور المصري يجرم التمييز - لأي سبب- ضد أي جماعة من البشر تعيش على أرض الوطن، ويضمن حقوق المواطنة كاملة للجميع، ولذلك علينا - الدولة والمجتمع - أن نسارع بتوظيف تلك الطاقات الكامنة والمواهب المدفونة، وكلي يقين أنها ستقدم لنا الكثير من المفاجآت السارة. هؤلاء ليسوا 5 مليون معاق.. هؤلاء 5 مليون بني آدم.