التصوير الفوتوغرافي كما يقولون هو تسجيل توثيقي للحظة ما .. وأفضل من اصطاد لحظات الزمن لمشاهير السياسيين والفنانيين والرياضيين فى مصر خلال الخمسين عاماً الماضية هو الفنان الصحفي الكبير فاروق إبراهيم والذى توفي اليوم تاركاً وراءه أرشيفاً ضخماً متخماً بآلاف الصور والحكايات والمغامرات .. والمشاكل أيضاً . فاروق إبراهيم معروف بأنه كان المصور الخاص للرئيس الراحل السادات بالإضافة للفنانين الراحلين عبدالحليم حافظ وأم كلثوم .. لكن الحقيقة أن عبقريته تعدت هذه الشخصيات بكثير وكان صاحب مدرسة حقيقية فى التصوير الفوتوغرافي خاصة مع حركة تمصير المهنة في بداية الخمسينيات حينما كان يحتكرها الأرمن واليونانيون ، وقد نشأ فارق إبراهيم يتيم الأب وتربي وسط فقر شديد ، كان دائم الهروب من المدرسة .. وتغيرت حياته بعدما عمل ساعياً للخواجه زخاري كبير مصوري جريدة المصري آنذاك لتبدأ علاقته بعالم التصوير وليصبح فيما بعد أشهر مصور صحفي مصري ، وفي أحد أيام عام 1952 وأثناء غياب العاملين في قسم التصوير عن المكتب، قام الطلاب في إحدى المظاهرات بقلب الترام الذي كان يمر من أمام جريدة المصري، وطلب من فاروق سرعة التقاط صورة المظاهرة والترام المقلوب وحقق سبقاً صحفياً بتلك الصورة على كل الجرائد التي كانت تطبع في تلك الفترة، وتغير حاله من مجرد ساع الى مصور تحت التمرين ، وبعد إغلاق جريدة المصري أنتقل للعمل في جريدة الجمهورية مقابل 7 قروش في اليوم، في تلك الأثناء كان فاروق إبراهيم قد حصل على شهادة البكالوريا التي تعادل الثانوية العامة الآن والتحق بكلية الفنون التطبيقية لانها المكان الوحيد الذي كان يعلم فن التصوير. إلا أنه تم طرده من الكلية بعد انتهائه من العام الدراسي الثاني بها والسبب كما كان يحكيه هو «كان طلاب السنة النهائية يلجأون لي لإتمام مشاريع التخرج الخاصة بهم مقابل خمسة جنيهات للمشروع الواحد. وفي ذلك العام أخطأت وأعطيت طالبين نفس الصور وكانت للاهرامات وأبو الهول ، وبالطبع طلبت اللجنة من كل طالب النيجاتيف لاثبات الملكية وكلاهما لم يكن معه النيجاتيف فاعترفا علي فتم فصلي من الكلية ، يومها ضاقت الدنيا في عيني، ولم أجد سوي المقابر كمكان أذهب إليه، وهناك هانت مشكلتي وشعرت بمدى ضآلتها فقررت مواصلة حياتي بلا شهادة مكتفياً بما لدي من خبرة وقدوتي في ذلك أستاذنا العقاد الذي توطدت علاقتي الانسانية به من خلال ترددي على صالونه الادبي " . إلا أنه سرعان ما تركها للعودة مع الخواجة زخاري في وكالته الاخبارية الخاصة التي افتتحها براتب 15 جنيهاً في الشهر ، وفي تلك الفترة تعرف فاروق علي الكثير من نجوم الفن بحكم عمله الا أن أكثرهم قرباً منه كان العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ ، وحكايته مع عبد الحليم طويلة وتفاصيلها لا تنتهي ، فقد تعرف عليه سنة 1954 عن طريق مفيد فوزي وجمع بينهما شعور المعاناة والكفاح في مواجهة صعوبات الحياة وظروف النشأة والطفولة القاسية التي مرا بها ، وظل ليس مصوره الأول علي مدي 25 عاماً ألتقط له خلالها 33 ألف صورة .. بل صديقاً له ، وفي مايو من عام 1960 عرف فاروق إبراهيم طريقه الى دار أخبار اليوم التي تم تعيينه بها من قبل الكاتب الصحافي مصطفى أمين الذي قرر له راتب 30 جنيها في الشهر ، وقد بدأت علاقته مع كوكب الشرق أم كلثوم بصورة التقطها لها في إحدى حفلاتها بالاسكندرية ونشرت في الاخبار في اليوم التالي وحازت إعجابها. فحادثت رئيس التحرير وقتها الاستاذ أنيس منصور تطلب مكافأة المصور. فأخبرها أنيس منصور انه من الافضل ان تشكره بنفسها، فطلبت إرساله اليها في اليوم التالي في تمام الثانية عشرة ظهراً. ويروي فاروق إبراهيم تلك المقابلة فيقول " اقترضت ربطة عنق يومها من الفنان العظيم رشدي أباظة وذهبت قبل موعدي بخمس دقائق، وفي تمام الثانية عشرة دخلت الصالون وتعجبت أم كلثوم من صغر سني. وطلبت مني أن أرافقها كما أفعل مع عبد الحليم حافظ. وبالطبع وافقت. الا أن اشهر موقف لي معها كان عندما سافرت معها لتصوير رحلتها في باريس للغناء على مسرح الاوليمبيا. يومها كانت تغني الأطلال وصعد أحد افراد الجمهور ليقبل قدميها فشده الحرس فوقع وشد أم كلثوم معه على الارض، وبالطبع صورت تلك الحادثة، وأرسلت الصور إلي جريدة أخبار اليوم عبر السفارة المصرية في باريس، ونشرت الصور، فغضبت أم كلثوم. وسألتني ما هذا، فقلت لها إن باريس مدينة مفتوحة وقد يكون احد اليهود صورها، فقالت لي وناشر الصور يهودي أيضاً؟. فصمت رغم سعادتي بنشر الصور. في تلك اللحظة دخل السفير المصري الذي هنأني على نشر الصور فنهضت وطلبت مني الخروج. وفي المساء كنت أسير والسيدة نهلة القدسي زوجة محمد عبد الوهاب والاستاذ جلال معوض في شارع الشانزليزيه، فتوقفت سيارة إحدى الاميرات الخليجيات وطلبت منا إخبار كوكب الشرق أنها تقيم حفلا علي شرفها في مطعم المكسيم في اليوم التالي. فذهبت إليها فرفضت دخولي لولا مساعدة بنت أختها التي سمحت لي بالدخول. فاعتذرت لها فطلبت مني عدم الكذب مرة أخرى». ويؤكد فاروق إبراهيم أن عدسة كاميرته عشقت الكثير الا أن في مقدمة من عشقتهم كانت الفنانة نادية لطفي التي يراها دائما بتلقائيتها والفنان رشدي أباظة بمرحه، أما أكثر من رفضتهم عدسته فهي رئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير التي التقط لها العديد من الصور اثناء مصاحبته للرئيس السادات في زيارته للقدس عام 1977 " . وربما كثيرون من الشباب لا يعرفون غير كونه " شيخاً للمصورين " .. إلي جانب مشكلته الأخيرة منذ 4 شهور بعد امتناع مؤسسة " أخبار اليوم " عن تجديد المعاش له ، ولذلك ظل جالسا فى منزله فى حالة يرثى لها ومكتئبا ولم يتحمل فكرة الابتعاد عن عمله الذى يحبه فاستمر فى الذهاب إلى الجريدة يومياً أملا منه فى أن ينصلح الحال ويعود من جديد وسط زملائه المصورين .. لكن بعدها قرر أن يتخذ خطوة للأمام، وأن يلجأ إلى الاحتجاج الصامت أمام مسجد مصطفى محمود ليحكي للمارة عن حكايته بعد نصف قرن من العمل في مهنة البحث عن المتاعب ، وفاروق إبراهيم لم لم يكن اختياره لمسجد مصطفي محمود ليعتصم أمامه عشوائياً .. ولكن لحبه الشديد للدكتور مصطفى محمود، وصلة الصداقة القوية التى جعلته يلجأ لروحه لعله يقف إلى جانبه فى محنته ، ومؤخراً تعرض لمتاعب صحية كبيرة وظل طريح الفراش حتى وفاته .