لم يعد الغذاء فى حياتنا مجرد وجبات متفرقة نتناولها وقتما نريد ، وإنما اصبح نظاما له فن وأصول وأطباء ينافسون نجوم السينما فى الظهور على الفضائيات ، كما اصبح فرعاً من فروع الطب التى تكرس لها اكبر المراكز العلمية وقتا ومجهودا خاصا؛ لتخرج علينا كل يوم بالعديد والجديد من الدراسات فيه، وبالرغم من أن المصريين من أكثر الشعوب التى تهتم ببرامج الصحة والغذاء الصحى، وذلك باختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية .. إلا أننا أيضا نعانى من نسبة مخيفة من السمنة ، خاصة بين الشباب ، فما هو سبب هذا التناقض ؟ ولماذا لايرى الشباب مشكلة فى تلك السمنة وما يترتب عليها من مشاكل صحية ؟ هذا ما سنعرفه من دكتوره مها راداميس استشارى التغذية العلاجية . انتشار امراض القلب و الكبد والسكر بين الشباب سببه اعتمادهم على الوجبات الجاهزة لا يمكن أن نأكل حلويات وشيكولاته ودهوناً ثم نمشى لمدة نصف ساعة ونقول: إننا حرقنا ما أكلناه .. هذا مستحيل نشعر فى فصل الخريف بالخمول والكسل الذى يصل إلى حد الاكتئاب .. وكل ذلك يمكن التخلص منه بالمشى فقط الريجيم الصحى يسبب البهجة وليس الاكتئاب.. والشباب هم الأكثر معاناة من السمنة تصوير :محمود شعبان مبدأيا .. هل المصريون شعب لا يجيد التعامل مع الطعام ؟ ليس المصريون فقط، ولكن الشعوب العربية بشكل عام .. فنحن شعوب ذواقة، نحب الطعام، ولكننا لا نعرف كيف نتعامل معه ونختار الصحى منه، والأخطر من ذلك أننا عادة ما نستهلك كميات كبيرة جدا من الطعام تعتمد فى أغلبها على الدهون والبروتينات الحيوانية التى عادة ما يكون ضررها للجسم اكبر من فائدتها؛ وهذا هو سبب انتشار أمراض القلب والكبد عندنا، خاصة بين الشباب بسبب اعتماده طوال الوقت على الوجبات الجاهزة ، وهناك مشكلة أخرى فى مصر- تحديدا- وهى ارتباط الأكل بالمناسبات، لدرجة أنه لا توجد مناسبة عندنا إلا ولها نوعية الطعام الخاصة بها، وكلها أطعمة لها أضرار كثيرة، خاصة عندما نأخذ منها كميات كبيرة، أى أن الخطورة ليست فى نوعية الطعام بقدر ما هى فى كميته . المفترض أن السمنة غالبا ما تكون من الأمراض المرتبطة بكبار السن لكن الواقع الآن أنها أصبحت أكثر ارتباطا بالشباب ؟ هذا حقيقى فعلا، بدليل أن معظم من يأتوننى فى العيادة يعانون من السمنة وكل ما يترتب عليها من مشاكل مرضية من الشباب ، والغريب أنهم يأتون بدون إرادتهم أو بسبب إلحاح من الأسرة؛ لأنهم من الأساس لايشعرون بخطورة تلك المشكلة . وما تفسيرك لهذا ؟ مرحلة الشباب عامة تصاحبها حالة من التمرد على كل شىء، ومن ضمن ما يتمرد عليه الشباب دون أن يدرك خطورته هو عدم الإهتمام بالغذاء الصحى والإعتماد على الوجبات الجاهزة والسريعة، بما تحتوى عليه من سعرات حرارية عالية، وكميات كبيرة من الدهون تؤدى الى زيادة الوزن وارتفاع سريع فى نسبة الكوليسترول بالدم، الذى يؤدى الى تصلب الشرايين وهذا يفسر أسباب انتشار أمراض القلب بين الشباب، فضلا عن أن تناول الوجبات السريعة أكثر من مرتين أسبوعيا يزيد من مخاطر الإصابة بمرض السكر، كل هذا يأتى فى ظل عدم الحركة والاعتماد طوال الوقت على الانتقال بالسيارة أو المواصلات حتى لو كان مشواراً قريباً ، فحتى الشىء الوحيد وهو المشى الذى يمكن أن يحسن من حركة الدورة الدموية لايقومون به ، وبالتالى فمن الطبيعى أن يصابوا بالسمنة . إذن فنحن نستطيع أن نحرق ما نأكله بالحركة ؟ غير صحيح؛ لأن الحركة العشوائية غير المنتظمة لن تحرق الكم الذى يستوجب حرقه حتى لا نصاب بالسمنة، يعنى مثلا لا يمكن أن نأكل حلويات وشيكولاته ودهون ثم نتحرك لمدة نصف أو ربع ساعة ونقول إننا حرقنا ما أكلناه ، فهذا مستحيل أن يحدث، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين اعتادوا أخذ قطعة من الحلوى بشكل يومى حتى لو كانت صغيرة؛ لأن تلك القطعة ستكسبه مائة سعر حرارى فى اليوم، أى 3000 سعر فى الشهر، وهذا يعادل نصف كجم؛ ومن ثم يجد نفسه يزيد 6 كجم فى السنة وكل هذا من بند واحد فقط ، فماذا عن باقى أنواع الطعام وبالتالى فالرياضة المنتظمة تحتاج الى نظام غذائى صحى ومعتدل . ولكن ممارسة الريا ضة خاصة فى النوادى الرياضية ليست أمرا ميسرا لكل الناس .. فما الحل إذن ؟ لاأظن أن المشى المنتظم لمدة ساعة واحدة ثلاث مرات فى الأسبوع يحتاج الى نوادٍ رياضية، خاصة أن الأمر يستحق ، فالناس التى تمارس رياضة المشى فقط تشعر بالراحة وبتحسن عام فى حياتها؛ لأنها ستنعكس على صحة الجسم والحياة كلها من جميع جوانبها، خاصة فى هذه الفترة من السنة، حيث غالبا ما يتملك الأغلبية العظمى منا خلال فصل الخريف شعور بالخمول والكسل الذى قد يصل الى حد الاكتئاب أحيانا، وكل تلك المشاعر السلبية يمكن التخلص منها من خلال ممارسة رياضة المشى فقط ، كما أنها أيضا تساعد على مقاومة الأمراض المختلفة التى يتعرض لها الجسم، فهى مثلا تساعد على تقوية عضلة القلب والشرايين؛ مما يقلل من خطر الإصابة بالجلطات القلبية وتساعد أيضا على تنشيط الكوليسترول الجيد فى الجسم والذى يقوم بدوره بمكافحة الكوليسترول الضار، كما أن لها دورا كبيرا فى الحد من أمراض عديدة أخرى، كأمراض العظام المختلفة والسكر والضغط بالإضافة الى أنها تساعد على التخلص من كل المشاكل النفسية وتجعل الذهن أكثر صفاء وتحسن المزاج العام . هل هناك وزن معين عندما يصل مريض السمنة إليه يصبح من الصعب علاجه ؟ لا يوجد مرحلة من السمنة يصعب علاجها، ولكن المهم هو الإرادة، فالسمنة- تحديدا- من الأمراض التى يحتاج علاجها الى إرادة قوية، خاصة أن المريض يكون اعتاد على نظام غذائى معين لا يحرم نفسه فيه من شىء، حتى لو كانت سمنته هذه تسبب له اكتئابا ومشاكل صحية كثيرة، ولكن فى كل الأحوال ومهما وصل الوزن يمكن بالإرادة وبنظام غذائى ليس قاسيا- كما يتصور البعض- وممارسة الرياضة الوصول الى الوزن المناسب والحفاظ عليه . وما نصيحتك للشباب الذى يستسلم للسمنة ولا يرى فيها مشكلة ؟ أعتقد أنه حتى من يدعى أنه لايرى مشكلة فى كونه يعانى من السمنة، فإنه يقول هذا الكلام مجرد حيلة دفاعية يبرر بها عدم قدرته على تغيير نمط حياته، ولكنه من الداخل يتمنى أن يصبح شخصا طبيعيا، وهو أمر فى منتهى السهوله ولايتطب مجهودا كبيرا كما يتخيل . هناك أشخاص غالبا بعد ما يصلون الى الوزن المناسب هذا،ثم يعودون مرة أخرى لما كانوا عليه .. فكيف يمكن الحفاظ على ما وصلنا إليه ؟ بتغيير نمط الحياة نفسه، وليس النظام الغذائى فقط، ومعظم الناس- على فكرة- بعد عدة أشهر من الاعتماد على نظام غذائى صحى لايستطيعون العودة الى ما كانوا عليه؛ لأن المعدة نفسها لن تستطيع تحمله، ولكن بمجرد أن نصل الى الوزن المناسب الذى يرضينا نفسيا فيمكننا ألا نحرم أنفسنا من شىء، شرط الاعتدال، يعنى الحلويات مرة واحدة فى الأسبوع أو مرتين على أقصى تقدير وبكميات صغيرة ، الأرز والمكرونة لا توجد بهما مشكلة أيضا لو بكميات محدودة ، كل هذا طبعا مع الاعتماد بشكل أساسى على الفواكه والخضراوات التى تعد المصدر الأساسى للفيتامينات والمعادن التى يحتاجها الجسم، بجانب البروتين سواء من الفول أو اللحوم بكميات قليلة أيضا . هل يمكن للمجهود الذهنى أن يزيد من كمية الحرق فى الجسم ؟ ليس بالضبط، ولكن الأشخاص الذين يتطلب عملهم مجهوداً ذهنياً كبيراً تخزن أجسامهم كمية أقل من الدهون التى يخزنها غيرهم، بمعنى أنه من يبذل مجهودا ذهنيا كبيرا يعنى لو أكل قطعة بسبوسة فإن جسمه يحرق منها 20% فقط، أما الباقى فيتحول الى دهون، عكس الذى لا يبذل اى مجهود فإن جسمه سيخزن الدهون بنسبة 100% ، هذا بالإضافة الى أن المجهود الذهنى أصلا يحتاج الى توافر نسبة معينة من السكر فى الدم، ولكن تلك النسبة ليس بالضرورة أن نأخذها من الحلويات، إنما ممكن من ثمرة فاكهة وخاصة الموز أو كوب زبادى بملعقة مربى . إذن ما الثوابت التى يمكن للشباب خاصة فى مرحلة الثانوى والجامعة أن يعتمد عليها فى طعامه حتى لايزيد وزنه ؟ الخضراوات و الفواكه بشكل رئيسى، فهما أهم مصادر لجميع الفيتامينات التى يحتاجها الجسم، ولا مانع من النشويات والبروتينات بكميات محدودة، ولو أردنا تقسيمها على مدار اليوم فالإفطار يفضل أن يكون أربع ملاعق فول وقطعة جبن صغيرة وربع رغيف، الغداء فلا يتعدى طبق خضار صغير، وطبق سلطة خضراء و أربع ملاعق أرز أو مكرونة مع قطعة لحم أو فراخ صغيرة أو سمك، وهو الأفضل، ومن الحبوب المفيدة جدا ايضا فى وجبة الغداء العدس واللوبيا والفاصوليا البيضاء، والعشاء قد يكون ثمرة فاكهة مع كوب زبادى او علبة تونة دون زيت مع طبق سلطة ايضا، وهذا النظام يضمن الابتعاد عن اى زيادة فى الوزن مع الحفاظ على صحة جيدة ، كما يضمن نزول الوزن بشكل جيد جدا لمن يعانون السمنة دون أى مضاعفات صحية لأنه نظام غذائى متكامل . هل هناك علاقة بين الريجيم والاكتئاب ؟ العكس هو الصحيح، فالريجيم الصحى الذى يعتمد على وجبات غذائية متكاملة يسبب البهجة والسعادة بانخفاض الوزن وليس الاكتئاب، ولكن المشكلة أننا فى مصر نتبع انظمة عشوائية، وذلك عندما يعتمد شخص على ريجيم شخص آخر، قد لا يكون مناسباً له على الإطلاق ، بالإضافة الى اننا لا نلجأ لأنظمة غذائية صحية إلا عندما نمرض، بالرغم من أن الوقاية خير من العلاج . ما رأيك فى أدوية التخسيس ؟ مرفوضة تماما؛ لأنها بالغة الضرر مهما كانت طبيعية ؛لأنها تؤثر على أشياء كثيرة فى الجسم، ونفس الشىء بالنسبة لكل الجراحات المتعلقة بشفط الدهون أو تصغير حجم المعدة؛ فكل هذا الكلام مرفوض وله أضرار فى منتهى الخطورة ولايأتى بنتائج حقيقية .