سؤال يطرح نفسه بعد انتحار إسماعيل ابن رجل الأعمال أحمد السويدي؟، هذا الشاب هو ابن لأحد أكبر العائلات الاقتصادية في مصر، وبالتالي هو لا يعاني أي مشكلات اقتصادية، فما الذي دفع للانتحار؟.. السؤال مطروح بين العامة في الشارع الذين يتمنون أن تتاح لهم حياة ميسورة مثله.. حالة انتحار إسماعيل السويدي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فهناك حالات انتحار عديدة أبطالها رجال أعمال وأساتذة جامعات ومثقفون أو حتى مسئولون، إلا أن الأمر ليس متعلقا بالعلاقة الاقتصادية، كما تروج بعض المواقع التي تحاول أن تؤكد على زيادة عدد المنتحرين في مصر بسبب الأوضاع الاقتصادية وتدني مستوى المعيشة، وهو ما تروج له قناة الجزيرة وموقعها الإخباري من وقت لآخر وتسير على نفس خطاها بعض المواقع التابعة لجماعة الإخوان، وتحاول الصيد في الماء العكر، خاصة إذا علمنا أن منظمة الصحة العالمية أصدرت تقريرًا بعنوان "منع الانتحار .. ضرورة عالمية" أكدت خلاله احتلال مصر المرتبة ال 96 عالميًا، وال11 عربيًا، وذلك بنسبة 1.7 حالة في كل 100 ألف، وبالتالي فإن مصر لا تحتل نسبة متقدمة بين الدولة الأعلى في حالات الانتحار. وهذا يدفعنا ألا نربط بين الحالة الاقتصادية والانتحار، إذا علمنا أن الانتحار من الأسباب الرئيسية للوفاة في الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية. كما أنه يعتبر السبب الثاني للوفاة بين الشباب في الدول الأسكندنافية، حيث تُسجل هذه الدول أعلى معدلات للانتحار في العالم أجمع، برغم أن الدول الاسكندنافية هي أكثر الدول رفاهيةً ورعايةً لمواطنيها من جميع الجوانب الحياتية، ورغم المستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع الذي تعيشه هذه الدول لم تصل اي دراسات حتى الآن لأسباب الانتحار هناك، أما في باقي الدول الأوربية فإن الانتحار يعتبر السبب رقم 4 من أسباب الوفاة، في سن الشباب بين 18 و45 عاما. لكن يظل السؤال مطروحا، ما الذي يدفع شابا ينعم بحياة كريمة ورفاهية كبيرة إلى الانتحار.. عدد من الشباب تحدثنا معهم، أكدوا أن الفلوس ليست كل شيء، وكان من أصحاب هذه الرؤية، جمال حسين، وهو طالب بكلية الآداب جامعة عين شمس، مؤكدا أن الفلوس ليست كل شيء، فقد تملك المال ولكن لا تملك السعادة، فهي ليست مرتبطة دائما بوجود المال، فهناك أشياء كثيرة قد تجلب السعادة مثل العلاقة القوية بالأهل وتماسك الأسرة، أو وجود الأصدقاء أو راجة البال، أمور عديدة قد تجعل الإنسان سعيدا أكثر من المال والثراء، ولكن هذا لا يمنع أن الفلوس ذات أهمية، لكنها ليست كل شيء. أما خالد نسيم، موظف، فأكد أن الشاب الذي تتوافر له حياة كريمة ويقبل على الانتحار مهما كان السبب هو فاقد لعقله، ولا يستطيع التحكم في نفسه، أو أنه قد تعرض لصدمة أفقدته تركيزه وقدرته على التعايش أو حتى البقاء في الحياة أو مواجهة بعض الناس، ولم يكن أمامه سبيلا سوى الانتحار، وإنهاء حياته. أما رانيا صلاح، طالبة بكلية تجارة جامعة عين شمس، فأكدت أن فكرة الانتحار في حد ذاتها هي فكرة مقبولة، وليس هناك فرق بين غني أو فقير، فنحن موجودون في هذه الحياة لنعمل ونكافح، ونقاوم اي صعوبات وليس لنستسلم لأي أمر مهما كانت صعوبته. هذه هي آراء المصريين.. ولكن هناك وقائع تتعلق بوفاة الأغنياء نرصد بعضا منها، مثل انتحار رجل الأعمال عدلي أيوب ابن رجل أعمال والذي يمتلك عدداً من القري السياحية وشركات للمقاولات فقد انتحر بعد أن تراكمت الديون عليه بعد الثورة.. أيضا هناك حادث انتحار رجل الأعمال المهندس شريف كمال بمنطقة النزهة، بعد أن تعرض لخسائر بالبورصة، حيث قتل ابنه وابنته وزوجته ثم انتحر بعد ذلك، ايضا هناك حالة انتحار لأحد الأثرياء وهو أسامة الفريد، والذي ورث تركة كبيرة ولكنه ضيعها بمرور الوقت لينهي حياته بالانتحار. ونفت الدكتورة منال زكريا، أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، وجود علاقة بين الحالة الاقتصادية وبين الانتحار، مؤكدة أنه لا فرق بين الغني والفقير، وأن فكرة إقبال الفقير على الانتحار أكثر من الغني غير صحيحة بالمرة، فالفقر لا يدفع للانتحار، بل يجعل الإنسان ذا صبر وجلد ويسعى لحياة أفضل، اي أن المستوى المادي ليس له علاقة بالإقبال على الانتحار، مؤكدة أن 80% من حالات الانتحار يكون سببها مرض الاكتئاب النفسي بصرف النظر عن الظروف المعيشية، وأن الشخص إذا لم تكن لديه أسس دينية تجعل تكوينه وشخصيته قوية في مواجهة مصاعب الحياة فهذا يدفعه للاكتئاب ومن ثم الانتحار، وهناك أمثلة كثيرة لفقراء مروا بظروف صعبة ولم يقبلوا على الانتحار. وأضافت:إن الانتحار نوعان: انتحار يكون معد له وهو لا يفرق بين غني وفقير، كشخص غير قادر على مواجهة الحياة ولا يجد متعة في أي شيء، فيخطط للانتحار، وهناك انتحار يأتي بالصدفة حيث يفقد الانسان أعصابه ولا يستطيع التحكم في نفسه نتيجة أمر ما، أو صدمة تعرض لها فيقرر إنهاء حياته بالانتحار. ويؤكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن 90% من حالات الانتحار مرتبطة بالاكتئاب ولا علاقة لها بفقر أو غني، فالانتحار مرتبط بالحالة النفسية للإنسان، فناك فقير لا يجد قوت يومه، ولكن لا تسوء حالته النفسية ويكون لديه رضا داخلي، وهناك أيضا غني قد يتعرض للإفلاس ولكنه يقاوم ولا يتعرض لاكتئاب، مؤكدا أن إقبال المصريين على الانتحار ليس كبيرا، فمصر تحتل المرتبة ال112 عالميا، رغم الظروف الاقتصادية السيئة، وبالتالي ليست هناك علاقة بين الفقر أو الغني والانتحار، مؤكدا أن فكرة الانتحار تعبر عن مرض نفسي وأكثر الأمراض شيوعاً هو الاكتئاب العقلي وحوالي 0.15% إلي 12% لديهم اكتئاب متوسط نسبتهم من 2 إلي 3% اكتئاب عقلي وحوالي 80% منهم لا يفكرون في الانتحار و60% منهم يقومون بالتنفيذ و20% منهم محاولات انتحارهم لا تنجح. ويكون الشخص في هذه الحالة ليس لديه القدرة علي تحمل ضغوط الحياة، ويري الحياة بمنظار أسود، ويسيطر عليه اليأس وهذا في حالات المرض الشديد. ويقول الدكتور علي عبد العظيم- من علماء الأزهر-:إن الانتحار هو قتل الإنسان نفسه، لأسباب يعتقد صاحبها معها بأن موته أصبح أفضل من حياته، وهناك بعض العلامات التي تظهر على الشخص الذي يُقدِم على الانتحار، منها: الاكتئاب، التغيرات المفاجئة في السلوك، تعاطي المخدرات والمسكرات، وغيرها، مؤكدا أن حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية، كالاكتئاب، والفصام، والإدمان، و65% يرجع إلى عوامل أخرى مثل: التربية، وثقافة المجتمع، والمشاكل الأُسرية أو العاطفية، والفشل الدراسي، والآلام والأمراض الجسمية، أو تجنب العار، أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القيام بالانتحار. مؤكدا أن الإقبال على الانتحاردليل ضَعف الوازع الديني عند الإنسان، وعدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية، والجهل والجزع وعدم الصبر، والاستسلام لليأس والقنوط، وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس، والانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط، والمشاكل الأسرية. وأضاف:إن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، فقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا"، فالانتحار فيه سخط على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا بذلك، وعدم الصبر على تحمل الأذى. مؤكدا أن علاج ظاهرة الانتحار، يتمثل في التربية الاسلامية الواعية الشاملة، للحماية من كل الأمراض النفسية التي تعاني منها البشرية، علاوة على حملات التوعية المجتمعية عن طريق وسائل الإعلام لبيان خطر هذه الفعلة.