المكان الذى ينظر إليه العالم بعيون مفتوحة الآن هو مصر .. تلك الدولة التى أعطت للربيع العربى مذاقا خاصا وفتحت شهية الكثير من الشعوب للتحرك ضد أنظمتها العنيدة، لكن هذا العالم الذى أبدى اندهاشه بثورة الخامس والعشرين التى أسقطت نظام مبارك القمعى، فإنه لايزال ينظر بمزيد من الشك والريبة لما ترتب على تظاهرات 30 يونيو من تغيرات جذرية فى المشهد برمته .. إن وسائل الإعلام الغربية لاتزال تصف ما حدث عشية 30 يونيو على أنه إنقلاب عسكرى قام به الجيش لعزل الرئيس السابق محمد مرسى، ولم تلتفت هذه الوسائل الإعلامية لأبسط تعريفات الإنقلاب العسكرى وهو حتمية إستيلاء العسكر على السلطة وهو ما لم يحدث .. حيث أدى الفريق أول عبد الفتاح السيسى ليلة أمس اليمين الدستورية كوزير للدفاع ونائب أول لرئيس الوزراء فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى.. هكذا وقف الفريق أول مؤديا اليمين أمام الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور ولم يحظى السيسى بأى صفة زائدة وإنما أخذ موقعه كوزير ضمن فريق وزارى كبير يسعى لإنقاذ مصر مما وصلت إليه من أزمات خانقة. هذا وقد تبادلت عشرات المواقع الإلكترونية وصفحات الفيس بوك صور الفريق أول السيسى وهو يؤدى اليمين للتأكيد على أن ما حدث لم يكن إنقلاب عسكريا والدليل أن قادة الجيش لم يستولوا على السلطة وإنما أخذوا مواقعهم الطبيعية. يذكر أن أحد صفات الإنقلاب هو استيلاء من قاموا به على السلطة حتى يتسنى لهم تنفيذ مخططاتهم وأغراضهم إذا كانت تلك المخططات وطنية وثورية يصير الإنقلاب ثورة حقيقية كما حدث فى مصر عشية 23 يوليو 1952 ، وفى أبسط التعريفات فإن الانقلاب العسكرى هو تدخل الجيش متمثلا فى قادته لتغيير الحاكم أو نظام الحكم ، سواء حظى بتأييد شعبي او لم يحظي، وهو يسمى انقلابا لأنه من المفترض أن الجيش وقادته قد أقسموا يمين الولاء للحاكم، فهو انقلاب على العهد، ثم انقلابا على الحاكم من خلال قوة الجيش القاهرة . وفى معظم الانقلابات يقوم بها الجيش، وعادة بعد كل انقلاب يتم إعلان ما أصبح يعرف بالبيان رقم واحد عبر وسائل الإعلام الرسمية يعلن فيه الانقلابيون الاستيلاء على السلطة وقد يشرحون فيه أسباب الانقلاب أيضا وربما لا يشرحون على حسب رغبتهم. وعلى الرغم من الصورة التى ظهر بها الفريق أول عبد الفتاح السيسى مؤديا اليمين الدستورية إلا أن الصحف العالمية لاتزال تصف ما حدث فى مصر بالانقلاب .. فقد نشرت التايمز موضوعا تحت عنوان "الربيع العربي لم يكن أكثر من ثورة غضب" ذكرت فيه أن الليبراليين في مصر بعدما نادوا بالديمقراطية خلال حكم النظام السابق خسروا الانتخابات أمام الإسلاميين فحولوا وجوههم شطر الجيش ليشجعوه على الانقلاب على الديمقراطية ويدفع بهم إلى سدة الحكم وهو الأمر الذي أصاب الديمقراطية في مقتل حيث يبدو من الصعب تقبل فكرة اعتقال رئيس منتخب ديمقراطيا، وبالتالي تزايدت مشاعر الرفض بين المصريين. أما صحيفة الجارديان البريطانية فقد نشرت موضوعا تحت عنوان "الانقلاب العسكري في مصر صرخة تحذير لتركيا فهل ينصت أردوغان؟" حيث أكدت الجريدة أن الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر لم يكن صادما فقط للرئيس محمد مرسي ولا حزب الحرية والعدالة، لكنه كان بمثابة تحذير صارخ لأكثر الأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط نجاحا وهو حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة رجب طيب أردوغان. ..