ميدان التحرير الذى كان رمزا للثورة المصرية التى قامت من أجل إعلاء دولة القانون أصبح اليوم منطقة خارج نطاق القانون .. فى الليل يتحول الميدان لمكان معزول معتم ، وبينما ينزوى الثوار المتبقون من صدى الأحداث الماضية فى خيامهم بعيدا فإن الخارجين على القانون ومحترفى الأعمال المنافية للآداب يمارسون نشاطهم بحرية كاملة فى ظل غياب دولة القانون ورقابة المجتمع عن المكان .. ثمة تقرير مثير منسوب إلى صحيفة الجارديان البريطانية يحكى تجربة سائح زار الميدان ليلا ليجد هذا الكم من الظلام واختلاط المراهقين وراغبى المتعة داخل خيام معدة خصيصا لهذه الأعمال وللأسف تتجاور هذه الخيام مع خيام بعض الثوار الحقيقيين فعلا والذين جالسناهم وتحدثنا إليهم .. التقرير المدهش يستنكر أن يتحول ميدان الثورة المصرية إلى ملهى ليلى عشوائى مؤكدا أن الميادين الكبرى التى شهدت أحداثا فى دول العالم المتقدم يتم الاهتمام بها وتنسيقها وتحويلها لمزارات عالمية حتى تعكس تاريخ التحولات السياسية والاجتماعية التى تشهدها الدولة لكن هذا لم يحدث فى ميدان التحرير والذى حسما أكد لنا أحد المتواجدين به أن عددا من الشباب ضبطوا شبكة أعمال منافية للآداب يقودها ثلاث شباب كانوا يصطحبون بعض الفتيات ليلا فتم طردهم من الميدان لكنهم عادوا وعاد غيرهم .. ميدان التحرير وفى ظل زحام الأحداث وتتابعها بسرعة فإن الحياة فى الميدان أصبحت خارج نطاق الضوء فالكاميرات مشغولة الآن بأحداث أهم خاصة وأن الميدان يخلو من القوى والائتلافات الثورية الرئيسية التى كانت تحرك الأحداث لكن فيما يبدو أن هذه الائتلافات قد قنعت بما حققته ضغوط التحرير أو قد شعرت بعدم جدوى هذه الضغوط بعد أن أضاعوا الوقت والجهد فى معركة كانت خاسرة منذ بدايتها وهى معركة إسقاط حكم العسكر لهذا رحلت كفاية و6 إبريل وإئتلاف شباب الثورة وإتحاد شباب الثورة جميعهم حسب معلوماتنا وتواجدنا بينهم أحيانا يرون أن التحرك فى الشارع وعلى الأرض بات مطلوبا وأنه لم يعد الوقت مناسبا للميدان ولهذا اكتفوا بالبيانات والوقفات الاحتجاجية أمام النائب العام أو أمام مقر نقابة الصحفيين .. ميدان التحرير لكن يبق السئوال الأهم وهو: من الموجودين فى الميدان الآن؟ .. جولة بسيطة تكشف عن وجود تنوع فهناك خيام تخص ثوارا مستقلين وهناك خيام يسكنها شباب ضائع مطارد وهناك خيام يسكنها شباب مصابون وهناك خيمة تحمل اسم فيلا ثوار الحرية وهناك خيمة أخرى تخص ائتلاف الثوار المستقلين وخيمة ثالثة تخص حزبا ناصريا ناشئا وخيم أخرى صغيرة ينسب إلى من فيها القيام بأعمال منافية للآداب .. فى إحدى الخيام التقينا عم إبراهيم الدسوقى وهو مواطن إسكندرانى آثر الحياة فى الميدان وأمام خيمته قام بزراعة بعض النباتات والأشجار الصغيرة .. إبراهيم أكد لنا أن أمن الدولة اعتقله ثلاث سنوات وأنه كان يتلقى علاجا نفسيا فى مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية وأنه متواجد هنا من أجل الدفاع عن حقوقه المسلوبة! وبجوار خيمة إبراهيم الدسوقى تقع خيمة يسكنها شاب اسمه كريم من معتقلى أحداث مجلس الوزراء .. كريم قال لنا أنه مطارد لأن الشرطة أجبرته على أن يقول أمام كاميرات التليفزيون أنه أحرق المجمع العلمى وأنه تسبب فى إشعال الأحداث فى البلد مما جعله مكروها ومستهجنا لدى أهل بلدته بالشرقية لهذا يرفض العودة إليها .. ويقيم معه بالخيمة أيضا شاب من المحلة قرر البقاء فى التحرير بعد أن لفق له أحد الضباط قضية ما - حسب كلامه. ولكن الأبرز فى كل ذلك مجمع خيام محاط بسلك شائك يضم نحو 50 شابا وهم يمثلون نواة هذا الاعتصام الذى بدأه هؤلاء الشباب يوم 19 نوفمبر والذى أعقبته أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء ومذبحة بورسعيد .. يقول الدكتور عمر محمد فتحى، طبيب بشرى وأحد قادة هذه الاعتصام : أنا واحد من الناس الذين لم يرغبون مطلقا فى الرحيل عن الميدان حتى بعد التنحى لأن المعركة بدأت يوم 12 فبراير بعد تولى المجلس العسكرى ومنذ ذلك التاريخ والأحداث تتوالى ففى 12 فبراير 2011 قبضوا علينا وحبسونا فى المتحف وعذبونا وفى 19 مارس كشف العذرية و8 إبريل اعتقال عدد من الضباط المؤيدين للثورة ويوم 15 مايو وقعت أحداث السفارة الأولى وفى 28 يونيو وقعت أحداث مسرح البالون ثم حدث اعتصام 8 يوليو وفى أول رمضان يوم 1 أغسطس فضوا الاعتصام وفى يوم 9 سبتمبر وقعت أحداث السفارة الثانية ثم مذبحة ماسبيرو إلى أن قمنا بالبدء فى هذه الاعتصام يوم 19 نوفمبر ومنذ ذلك الوقت ونحن لم نرحل عن الميدان ومطلبنا هو شعار الثورة الحقيقى (عيش حرية عدالة اجتماعية) ومطلبنا أيضا أن تحكم الثورة ونحن كونا قيادة من 50 شابا وذهبنا إلى حزب الحرية والعدالة وحزب النور والهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح وغيرها من القوى السياسية حتى يعود الثوار إلى الميدان مرة أخرى ولكن هذا لم يحدث فكفرنا بكل الأحزاب والجماعات وقررنا أن نواصل اعتصامنا هنا ونحن نشكك فى إجراء الانتخابات الرئاسية كما أن مجلس الشعب لا يمثل الثورة والإخوان والسلفيون باعوا الثورة وباعوا الميدان والمجلس العسكرى خان الثورة والشرطة تآمرت على الثوار. وحول الوضع فى ميدان التحرير يقول الدكتور عمر أن البلطجية يحتلون الميدان ليلا ويسرقون المارة ويعتدون على المعتصمين ويمارسون أعمالاً منافية للآداب وتم ضبط عدد منهم وقمنا بتسليمهم لقسم شرطة قصر النيل ثم فوجئنا بهم فى الميدان مساء وهذا يعنى أن الشرطة تطلقهم علينا وطبعا يحملون الأسلحة البيضاء ويمارسون كل الأعمال الخارجة على القانون .. ويؤكد الدكتور عمر أن الميدان يشهد ضرب نار واشتباكات أحيانا وتعاطى للمخدرات ومن يخرج من فترة عقوبة يقضى فترة المراقبة بالميدان ، والميدان الآن غير آمن بلا شرطة ولا جيش. لكن الميدان اليوم رغم كل هذه المشاهد السلبية قد شهد نشاطا من نوع آخر حيث استضاف بعض الناشطين به أمهات الشهداء للاحتفال بيوم أم الشهيد بمناسبة عيد الأم ، كما تم اليوم أيضا إقامة منصة صغيرة للاحتفال .. والسؤال الأهم الآن .. متى تعود روح الثورة إلى ميدان التحرير .. وكيف يتحول التحرير من رمز للثورة التى قامت من أجل دولة القانون إلى مكان خارج نطاق القانون؟