ولكن الشمس ليست فيها علامة مميزة سطحية ظاهرة واضحة تحدد لنا بدء الشهر، إنما القمر هو الذي يحدد تلك السمة والعلامة بالهلال الذي يأتي في أول الشهر، ويظهر هكذا كالعرجون القديم، إذن فالهلال جاء لتمييز الشهر، والشمس لتمييز النهار، ونحن نحتاج لهما معافي تحديد الزمن. الذين قالوا من العلماء إن إفطار المسافر أو المريض هي رخصة، إن شاء الإنسان فعلها وإن شاء تركها، لابد أن يقدر في النص القرآني »ومن كان مريضا أو علي سفر»، فأفطر »فعدة من أيام أخر»، ونقول: ما لا يحتاج إلي تأويل في النص أولي في الفهم مما يحتاج إلي تأويل، وليكن أدبنا في التعبير ليس أدب ذوق بل أدب طاعة، لأن الطاعة فوق الأدب. إذن فالذين يقولون هذا لا يلحظون أن الله يريد أن يخفف عنا ثم ما الذي يمنعنا أن نفهم أن الحق سبحانه وتعالي أراد للمريض وللمسافر رخصة واضحة، فجعل صيام أي منهما في عدة من الأيام الأخر، فإن صام في رمضان وهو مريض أو علي سفر فليس له صيام، أي أن صيامه لا يعتد به ولا يقبل منه، وهذا ما أرتاح إليه، ولكن علينا أن ندخل في اعتبارنا أن المراد من المرض والسفر هنا، هو ما يخرج مجموع ملكات الإنسان عن سويتها. وما معني كلمة »شهر» التي جاءت في قوله تعالي: »فمن شهد منكم الشهر فليصمه»؟ إن كلمة »شهر» مأخوذة من الإعلام والإظهار، ومازلنا نستخدمها في الصفقات فنقول مثلا: لقد سجلنا البيع في »الشهر العقاري» أي نحن نعلم الشهر العقاري بوجود صفقة، حتي لا يأتي بعد ذلك وجود صفقة علي صفقة، فكلمة »شهر» معناها الإعلام والإظهار، وسميت الفترة الزمنية »شهرا» لماذا؟ لأن لها علامة تظهرها، ونحن نعرف أننا نستطيع أن نعرف الشهر عن طريق الشمس، فالشمس هي سمة لمعرفة تحديد اليوم، فاليوم من مشرق الشمس إلي مغربها وله ليل ونهار. ولكن الشمس ليست فيها علامة مميزة سطحية ظاهرة واضحة تحدد لنا بدء الشهر، إنما القمر هو الذي يحدد تلك السمة والعلامة بالهلال الذي يأتي في أول الشهر، ويظهر هكذا كالعرجون القديم، إذن فالهلال جاء لتمييز الشهر، والشمس لتمييز النهار، ونحن نحتاج لهما معا في تحديد الزمن. إن الحق سبحانه وتعالي يربط الأعمال العبادية بآيات كونية ظاهرة هي الهلال وبعد ذلك نأخذ من الشمس اليوم فقط، لأن الهلال لا يعطيك اليوم، فكأن ظهور الهلال علي شكل خاص بعد ما يأتي المحاق وينتهي، فميلاد الهلال بداية إعلام وإعلان وإظهار أن الشهر قد بدأ، ولذلك تبدأ العبادات منذ الليلة الأولي في رمضان، لأن العلامة الهلال مرتبطة بالليل، فنحن نستطلع الهلال في المغرب، فإن رأيناه نقول: إن شهر رمضان بدأ، ولم تختلف هذه المسألة لأن النهار لا يسبق الليل، إلا في عبادة واحدة وهي الوقوف بعرفة، فالليل الذي يجيء بعدها هو الملحق بيوم عرفة. وكلمة »رمضان» مأخوذة من مادة »الراء والميم والضاد» وكلها تدل علي الحرارة وتدل علي القيظ و»رمض الإنسان» أي حر جوفه من شدة العطش، و»الرمضاء» أي الرمل الحار، وعندما يقال: »رمضت الماشية» أي أن الحر أصاب خفها فلم تعد تقوي أن تضع رجلها علي الأرض، إذن فرمضان مأخوذ من الحر ومن القيظ وكأن الناس حينما أرادوا أن يضعوا أسماء للشهور جاءت التسمية لرمضان في وقت كان حارا، فسموه رمضان كما أنهم ساعة سموا مثلا »ربيع أول وربيع آخر» أن الزمن متفق مع وجود الربيع، وعندما سموا جمادي الأولي وجمادي الآخرة كان الماء يجمد في هذه الأيام. فكأنهم لاحظوا الأوصاف في الشهور ساعة التسمية، ثم دار الزمن العربي الخاص المحدد بالشهور القمرية في الزمن العام للشمس، فجاء رمضان في صيف، وجاء في خريف، لكن ساعة التسمية كان الوقت حاراً.