قرأت وأنا في المهد صغيرا رواية الكاتب الانجليزي هربرت ويلز "آلة الزمن"التي تحكي عن مهندس عالِم أخترع مركبة قادرة علي السفر والحركة عبر الزمن، فلما امتطاها الرجل وعبر بها العصور إلي مستقبل بعيد ووصل إلي مرحلة زمنية رأي فيها كيف انحط الجنس البشري وانشطر إلي جنسين منفصلين شائهين ومشوهين بعدما تراكمت عبر الأزمنة وتعمقت المآسي والفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء وأضحي لكل منهم نسل وسلسال يختلف كليا عن نسل وسلسال الآخر، فالأغنياء تحولوا من فرط الرفاهية وحياة النعومة والكسل إلي جنس ضعيف غبي يسمي "أيلو"، أما الفقراء فقد استحالوا جنسا مختلفا يشبه الحيوانات المتوحشة يسمي "مورولوك"، وقد هبطوا من جحور البؤس التي كانت تأويهم علي سطح الأرض إلي العيشة بالكامل تحتها.. لكن جنس الفقراء المتحول هذا يستغل في لحظة معينة قوته الوحشية ويأكل ويبتلع تماما جنس الأغنياء الضعيف الغبي في انتقام تاريخي صاخب ومروع، وينتج عن هذه العملية الاندماجية القسرية العنيفة التي تمت بابتلاع "المورلوك"لمن أطالوا في تعذبيهم واستغلالهم، ميلاد جنس ثالث، أسوأ وأشد توحشا وأكثر تشوها من الجنسين الأولين!! طيب، مادام حالنا مازال علي النحو الذي تراه حضرتك، إذ لم نغادر حتي الساعة منطقة التعثر ولم نتمكن بعد من الاستقرار علي الطريق الطويل إلي النهوض والتقدم وإزالة خرائب البؤس والتخلف والقهر الموروثة من عهود طالت أربعين سنة تقريبا وكانت النتيجة أن نصف مجتمعنا علي الأقل هبط إلي أسفل سافلين حيث العدم بكل صوره وأشكاله (المادية والعقلية والروحية والأخلاقية) ومع ذلك إذا كنّا مازلنا نكافح ولَم نيأس بعد ولَم يزل يداعب أحلامنا أمل جميل أن نفلح في الخروج من سجن الارتباك والاضطراب والغفلة ونحقق النصر في الحرب الضروس المزدوجة التي نخوضها في وقت واحد الآن علي جبهة العنف والتخريب والإرهاب من جهة، وجبهة إزالة ركام الخرابة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والروحية أيضا، الموروثة من سنين وعقود الجمر، والشروع في بناء وطن ومجتمع جديدين. إذا كان الأمر كذلك، اسمح لي حضرتك أن أنهي هذه السطور بنكتة "أعجمية"قد تبدو (بسبب الترجمة عن الأصل) سخيفة قليلا، لكنك قد تجد فيها "شيئا ما"يشبه أحوالنا وطريقة تعاملنا مع حقيقة أوضاعنا. النكتة تحكي عن رجل وامرأة كانا يتمشيان الهوينا ويداهما متشابكتان، وبالصدفة قابلهما في الشارع صديق للرجل، وبعد السلامات والتحيات المعتادة، قال الرجل صاحب المرأة فجأة لصديقه: ليلة أمس احتفلنا احتفالا رائعا بالعيد العشرين لجوازنا.. ياريتك كنت معانا.. رد الصديق بحماس: إمبارح كان عيد جوازكم !! كل سنة وانت طيب.. ثم التفت إلي المرأة وقال هاتفا: كل سنة وانتي طيبة ياهانم وعقبال ميت سنة.. وياتري قضيتم السهرة فين؟ في مطعم رائع.. رائع جدا ورخيص كمان.. أسمه أيه المطعم ده؟ دلني عليه أرجوك عشان اعزم مراتي فيه.. اسم المطعم؟ أيوه..!! تعرف الزهرة الحمراء ألل.... اسمه مطعم "الزهرة الحمراء"؟ لأ ياأخي.. أنا باسألك عن الزهرة الحمراء ذات الساق الطويل المليان بالشوك.. فاكر أسمها أيه؟! تقصد "الوردة".. أسمه مطعم الوردة؟ لأ ياسيدي برضه، أصبر شوية (ثم مخاطبا المرأة التي بجواره) باقولك أيه يا"وردة"ياحبيبتي.. فاكره اسم المطعم اللي احتفلنا فيه امبارح بعيد جوازنا؟! ردت المرأة بهدوء قائلة: أولا، امبارح سهرنا مش عشان عيد جوازنا، وإنما عشان نحتفل بقرار ترقيتك، وثانيا أنا أصلا مش "وردة"مراتك، أنا "سميحة"سكرتيرتك...!!