يخطئ من يتصور أن العشوائيات هي فقط تلك المساكن الفقيرة التي تخرج كنبت شيطاني بلا تخطيط علي هوامش المدن وفوق الأراضي الزراعية، فالعشوائيات هي أي بناء -أو حتي سلوكيات - لا تتوافق مع المحيط العام، ولا تنسجم مع روح المكان، وتبدو شاذة عما يحيط به. وبينما يولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه قيادة البلاد أولوية خاصة كي تتخلص مصر من فيروس العشوائية، ويوجه بتخصيص كل الموارد اللازمة لإنقاذ مئات الآلاف من سكان العشوائيات الخطرة، بل إنه يحرص علي ألا يخدش إحساس هؤلاء السكان بتسميتهم »أهالي العشوائيات»، ويصر علي وصفهم بسكان المناطق غير المخططة، نجد بعض مسئولينا يصر علي أن يزرع العشوائية في قلب المدن الجديدة التي استثمرت فيها الدولة مليارات الجنيهات كي تكون نموذجا لما يجب أن يكون عليه البناء المخطط الذي يحترم القانون. ما يجري في مدينة الشيخ زايد من زراعة »ورم سرطاني» اسمه الأبراج، هو نموذج جديد للعشوائية، لكن المفارقة أن تلك العشوائية لا تأتي من بعض الفقراء الطامحين في سكن رخيص، أو حفنة من هواة مخالفة القانون، لكن المصيبة أن تلك العشوائيات تتكلف المليارات، وأقل متر فيها ب 19 ألف جنيه (!!)، والأدهي والأمر أن تلك العشوائية تتم بموافقة الحكومة، وبتنفيذ رجل أعمال بارز يقدم نفسه للمجتمع علي أنه وجه مثقف ومتحضر لرجال الأعمال، يرعي المسابقات الثقافية، وينظم المهرجانات السينمائية، لكنه لا يتورع عن تنفيذ مشروع يرفضه مئات الآلاف من سكان مدينة هادئة، كي يضيف إلي رصيده بضعة أصفار جديدة!! ما يجري في الشيخ زايد -إذا تم الصمت عليه - سيكون مقدمة لانتشار العشوائيات في المدن الجديدة كلها، بل سيكون هو القشة التي ستقصم ظهر تلك المدن، فالوزارة التي رفضت الموافقة علي بناء دورين إضافيين بمستشفي المدينة لاستيعاب أعداد السكان المتزايدة بحجة الحفاظ علي الطابع العمراني للمدينة، ستواجه وابلا من المخالفات في كل مباني المدينة، تحت شعار »إشمعني!»، وربما سعي بعض النافذين إلي استصدار فتاوي قانونية تبيح تلك المخالفات، فالطوفان يبدأ بقطرة! من حق أهالي مدينة الشيخ زايد بل والمدن الجديدة كلها أن يخشوا علي مستقبلهم في ظل ذلك الفكر »العشوائي»، وأن يتساءلوا عن الملايين - وربما المليارات - التي أنفقت علي حديقة المدينة المركزية من أموال دافعي الضرائب، وانتظروا افتتاحها يوما بعد أخر، وسنة بعد أخري، لكنهم فوجئوا بمنحها هدية فوق »البيعة» لصاحب مشروع الأبراج لكي تكون مجرد »فيو» لعملائه الأثرياء، بينما يكتفي السكان بالجلوس في الميادين، يبحثون - وهم يتحسرون - عن نسمة هواء تحجبها عنهم الأبراج الفارهة! ما يجري في مدينة الشيخ زايد لا يقتصر فقط علي سكانها، بل إنه شأن عام، فصناعة العشوائيات في المدن الجديدة ينبغي التصدي لها بنفس القوة التي نحارب بها العشوائيات القديمة، والمسئول الذي يتخذ قرارا يثير كل هذا الغضب والرفض عليه أن يراجع نفسه، وأن يتحلي بفضيلة الاعتذار والتراجع عن الخطأ في الوقت المناسب، فشتان الفارق ما بين »السلطة» التي تنحاز للمصلحة العامة، و»التسلط» الذي يقود إلي الكوارث.