الصدفة وحدها هي التي قادتني إلي أن أشاهد مكتب وكرسي سعد زغلول، وكذلك أطلع علي المقتنيات المختلفة للمكتبة التي تحمل اسمه.من المعروف أن سعد زغلول ارتبط بالسلطة التشريعية – مهما كان مسماها – من جمعية تشريعية أو مجلس النواب، سواء كان عضوا أو وكيلا أو رئيسا لهذه السلطة احتفظ البرلمان المصري علي مدار عقوده المختلفة بتراث سعد زغلول سواء المتمثل في مضابط جلساته التي أدارها أو شارك فيها، وكذلك بمكتبه وكرسيه اللذين جلس عليهما ليناقش ويسجل ويوقع قراراته، هذا المكتب الذي للأسف تعرض لعبث كبير، عندما تولي الإخوان المسلمون رئاسة السلطة التشريعية »مجلسي الشعب والشوري»، فقد كانوا يفرشون طعامهم علي هذا المكتب، ويعبثون بالكرسي، متناسين أنه جزء من تراث وإرث وطني. الصدفة التي أشرت إليها، والتي قادتني إلي هذا المكتب، هو أنه بعد انتهاء المقابلة التي أجريت بين عدد من أعضاء لجنة الإعلام بالمجلس الأعلي للثقافة، وبين د. علي عبد العال رئيس مجلس النواب، بحضور الكاتب الصحفي الوزير أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، فوجئنا بالأستاذ أسامة يقول لنا » عندي لكم مفاجأة، أريد أن تشاهدوا مكتب وكرسي سعد زغلول.. الذي كان يأكل عليه الإخوان، وعندما جئنا لهذا المجلس قرر د. علي عبد العال ترميم الكرسي والمكتب الموجودين في مكتبة تحمل اسم سعد زغلول»، وكنت لحظتها قريبا من د. علي عبد العال الذي نظر إليّ وقال: »حتي هنا ( ويقصد الصالون الذي كنا فيه) كانوا يجلسون علي السجاد ليأكلوا»، هذا السجاد الذي يعود لسنوات طوال ماضية، ويتميز بدقة الصنعة وجمال الألوان وشياكتها. فور دخولي إلي المكان الذي يحمل اسم سعد زغلول وكنا وقتها نخطط لهذا العدد شعرت أنني أمام كنز؛ وبسرعة شديدة أخرجت الورقة والقلم، وبدأت أسجل محتويات هذه المكتبة، وطلبت من زميلتي الكاتبة الصحفية الكبيرة أمل فوزي رئيس تحرير مجلة نصف الدنيا، أن تلتقط بعض الصور لهذه المكتبة وللكرسي والمكتب. بمجرد أن تأملت هذا المكان، تذكرت علي الفور تاريخ سعد زغلول مع الجمعية التشريعية ومجلس النواب، لاسيما أنه تاريخ طويل وممتد، وكان آخر منصب تولاه قبل رحيله، هو رئاسة مجلس النواب، وقد أفرد عباس العقاد في كتابه عن سعد، فصلا كاملا بعنوان »رئاسة مجلس النواب»، يرصد فيه تجربة الزعيم في إدارة المجلس: »ففي عهد رئاسة سعد للمجلس بطل دق الجرس أو كاد، ولاحظ المختلفون إلي المجلس في العهدين أن الجرس قد أصبح من الأدوات النيابية الملغاة، وكان الأجانب والمصريون علي السواء يقولون: ليس هنا مجلس ورئيس، ولكنه معلم محبوب بين تلاميذ مطيعين. ولم يكن سعد يستعين في حفظ النظام بنصوص القانون ولا بحق الرئاسة في منع الكلام وفض المناقشات، إنما كان يستعين بسلطان هو أشد رهبة من جميع النصوص والحقوق. وهو سلطان العارضة القوية والفكاهة الحاضرة، فكان العضو من الأعضاء يقول قولا سديدا أو يصمت، لأنه يخشي إذا أطلق لسانه بغير السداد أن يستهدف علي الأثر لجواب مفحم أو نكتة لاذعة من منصة الرئاسة». المكتبة التي تحمل اسم زغلول، موزعة علي معارف متعددة: القانون، أحكام المحاكم، الديانات، التاريخ، مضابط مجلس الشعب، الآداب، مجموعة الدساتير المصرية، تاريخ الحياة النيابية. من بين هذه العناوين: »وثائق جمال عبد الناصر 1969-1970»، »المرأة في البرلمان»، »أسس التنظيم السياسي في الدول الاشتركية» إسكندر غطاس، »النظم السياسية» محمد كامل ليلة، »نظام الحكم في جمهورية إيطاليا» جزن كلارك آدمز، »السيادة والحريات» محمد توفيق مصطفي، »مبدأ التنظيم الدولي لإدارة المستعمرات وتطبيقاته في الانتداب ونظام الوصايا الدولي» أحمد عثمان، »مجلس الشعب باللغة العربية»، »الإصلاح الزراعي تاريخا.. وفلسفة ومنهاجا» سعد هجرس، »البترول العربي وأزمة الشرق الأوسط» محمد طلعت الغنيمي»، »علي هامش الدستور» محمد الشريف، »الدستور البريطاني» ابرون الكسندر، »دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة»، »الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور» عبد الحميد متولي، »معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية» جعفر عبد السلام، »تطور النظم القانونية والاجتماعية» محمد بدر، »الدساتير الإفريقية» بطرس بطرس غالي، »المرجع العملي في القتل العمد» بهاء الدين أبو شقة، »الحريات في قضاء النقض الصادر من الدوائر الجنائية والمدنية» عبد الله لبيب محمود خلف، »قضايا في التاريخ الإسلامي» محمود إسماعيل، »عبقرية عمر» عباس محمود العقاد، »الفاروق عمر» محمد حسين هيكل، »العالم الإسلامي في العصر العباسي» حسن أحمد محمود، »الدولة العباسية بين أسس بنائها وأسباب فنائها» السيد أحمد إبراهيم حمود، »الخلافة والدولة في العصر العباسي» محمد حلمي محمد أحمد، »موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية» عبد الوهاب محمد المسيري، »جرائم الحرب في فيتنام» برتراند راسل، »نهضة إفريقية» محمد عبد العزيز إسحق، »جذور الثورة الإفريقية» جاك ووديس، »مذكرات في السياسة المصرية» محمد حسين هيكل، »موسوعة جمال عبد الناصر» حسن الفكهاني»، »السادات وثورة التصحيح» عبد المنعم صبحي، »حرب رمضان» حسن البدري، »ملف وثائق فلسطين» هيئة الاستعلامات، »مصطفي النحاس» عباس حافظ. هذه المكتبة تم افتتاحها باسم سعد زغلول في عام 2017، تكريما لاسم هذا الزعيم الوطني، الذي توفي في 23 أغسطس 1927 وهو رئيس للبرلمان الذي تولاه في عام 1926، وقد أحسن إدارته، مما جعل العقاد يكتب: »والمثل الأعلي في الرئاسة هو الرئيس الذي يملك القدرة علي القصد في أوقات المجلس والقصد في جهوده، ويملك القدرة علي حفظ نظامه بغير حاجة إلي زواجره وقوانينه، ويملك القدرة علي تعليم أعضائه وهدايتهم إلي أكبر ما يستطيعون من صواب وأقل ما يتعرضون له من خطأ. ويكون مع صيانته لحقوق مجلسه قائما بالقسط بينه وبين جوانب الحكومة الأخري، مانعا للصدام بينه وبين ما يحيط به من القوي والعراقيل؛ فبهذه القدرة استحقت رئاسة سعد أن تحسب مزية من مزاياه وصفحة من صفحاته، لا أن يكون مبلغها من الذكر استقصاء جزء من تاريخه والإلمام بعام أو عامين من حياته».