يوسف السباعي لم يمت! رغم أن ذكري رحيله حلت علينا من أيام قليلة، إلا أن المبدعين لا يرحلون ، لأن أعمالهم تظل يقظة في الوجدان، مهما مرت السنون، يوسف السباعي لديه العديد من المؤلفات العظيمة التي تظل علامة في الأدب العربي، لما لها من تأثير علي كل من يقترب من كتاباته التي تمس المشاعر والعواطف لشدة رومانسيته المحببة، وتبقي روايته »أرض النفاق» هي الأجمل في رأيي ، بداية من الإهداء الطريف لنفسه :» إلي خير من استحق الإهداء ..إلي أحب الناس إلي نفسي وأقربهم إلي قلبي، إلي يوسف السباعي ، ولو قلت غير هذا لكنت شيخ المنافقين من أرض النفاق». هذه الرواية صدرت لأول مرة عام 1949 وحققت رواجا كبيرا حينذاك، ومازالت رائجة حتي وقتنا الحالي ! لأنها اعتمدت علي أسلوب النقد الساخر، وصنفت ضمن الأعمال الاجتماعية التي تحاول تسليط الضوء علي المشكلات المجتمعية ونقد تصرفات الناس والمجتمع بأكمله. وتحولت عام 1968 إلي فيلم سينمائي قام ببطولته القدير فؤاد المهندس والجميلة شويكار، حيث جسدا الرواية بصورة رائعة. لكن الرواية المقروءة لها مذاق خاص عندما صادف بطل الرواية ذات يوم دكانا صغيرا تعلوه لافتة مكتوب عليها :» تاجر أخلاق بالجملة والقطاعي» فيدفعه الفضول ليدخل ويتكلم مع البائع ليكتشف أنه يبيع مساحيق تكسب من يتناولها أخلاقا حميدة وعرض عليه أن يجرب مسحوق الشجاعة،بعد ترددٍ وتفكير أخذه البطل وتناوله عندما عاد إلي البيت وهو ما زال يشك بأن ذلك البائع قد يكون عاقلًا ولكن بعد فترة قليلة تغيرت صفاته وبدأ لا يسكت عن الخطأ، وينتصر للضعيف ويروي لنا الكاتب القصص التي حدثت معه عندما أصبح شجاعًا بطريقة ساخرة لاذعة. لم يحتمل الرجل الشجاعة لأكثر من يوم فهرع إلي التاجر، وطلب منه أن يعطيه مسحوقا آخر فأعطاه مسحوق المروءة وحصل معه نفس الشيء الذي حصل معه عندما شرب مسحوق الشجاعة ولكن هذه المرة أسوأ فأصبح رقيق القلب يحزن علي المحتاجين ويعطيهم كل ما لديه ويصدق الجميع حتي إنه خلع ملابسه ليعطيها لشاب فقير، وقد تعرض لجميع أنواع الخداع من الآخرين حتي شك أهله بجنونه ، وقرروا أخذه للمستشفي فهرب من البيت، وذهب مرة أخري إلي التاجر وقرر أن يبقي عنده حتي يزول مفعول المروءة منه. وفي الليل لاحظ البطل كيسا مكتوب عليه الأخلاق ، وفكر ماذا لو شرب منه الناس سوف يتحلون بالأخلاق الحميدة وسيتخلَصون من نفاقهم وريائهم ولكن التاجر حذره بأن الناس سيكونون وقتها علي حقيقتهم وكرههم لبعضهم وكذبهم علي بعض وستنتشر المشاكل. ولكنه يسرق كيس الأخلاق، ويحاول التاجر أن يمنعه ويتعاركان بجانب النهر الذي يغذي المدينة،فيسقط الكيس في النهر ويختلط بالمياه ويتغيرحال الناس وتنتشر المعارك بينهم ويظهرون مشاعرهم الحقيقية لبعضهم البعض. يعتقل الأمن البطل والتاجر بعد أن سمعهما أحد المخبرين ولكن أعضاء المحكمة يكونون قد شربوا من المياه المختلطة بمسحوق الأخلاق فتبرئهم. تنتهي الرواية بمشهد النّاس علي باب المحكمة يحملون التّاجر وصديقه ويهتفون للأخلاق. يقول السباعي عن روايته :»هذه قصتكم ، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر».