منذ الدقائق الأولي بمنزل عائلة "راجي" تكتشف أن الأزمة التي بنيت عليها أحداث مسلسل "كأنه إمبارح" غير مقنعة وأن الورشة التي قامت على كتابتها لم يتح لها الوقت الكاف لتفادي الكثير من المعوقات ، خاصة أننا أمام عمل مقتبس عن آخر أسباني عرض في مناخ مختلف تماما وتمصيره يتطلب الكثير من التركيز ، وآفة أعمالنا الدرامية في الأونة الأخيرة هي الكتابة على الهواء أي عقب التعاقد على العرض وتحديد موعدا خلال فترة وجيزة لا تسمح بمراجعة ما يكتب وانسجامه مع الحلقات السابقة أو التالية ، مع أخطاء لا نهائية في "الراكورات" تفقد العمل انسيابيته وتعم حالة عدم ارتياح أثناء المشاهدة. وقضية المسلسل الرئيسية هي جد خطيرة وتجتذب قطاع عريض من الأسر العربية بعد انتشار خطف الأبناء أو فقدانهم في ظروف شديدة القسوة ، وتوابع تلك الحوادث النفسية والاجتماعية والمادية وأثرها على تغيير سلوكيات المجتمع ، حتى لو كانت لا ترقى لدرجة اضطرار زوج "راجي" لإقحام غريب في حياة زوجته وأبناءه بدافع الحب ، ودون حبكة تتناسب مع حجم الجرم لنفاجئ في نهاية الأحداث أنها تتطلب جزءا أخر لفك شفرة حلقاتها الخمس وأربعين. تميز مسلسل "كأنه إمبارح" بمتعة بصرية وجد متابعي المسلسلات التركية ضالتهم فيها ، وشغفهم بالشوارع النظيفة والمظاهر الحضارية والأماكن السياحية والسيارات والفيلات والملابس الأنيقة بالتوازي مع الحارة الشعبية وسكانها على استحياء ، ومقارنة طوال الأحداث بين طبقتين تفصلهما مسافات كبيرة مع محاولات مضنية للالتقاء غالبا تبوء بالفشل ، إلى جانب المفاجآت التي تكشفها الأحداث في كل شخصية والتركيز على أن الإنسان غالبا يجمع بين المتناقضات ويجد لها تبريرا مقنعا للرضى عن نفسه ، وسوء التصرف الذي يقود المرء إلى هلاكه . الأداء التمثيلي لعدد من نجوم العمل دفع المشاهد لمتابعة الأحداث ومنهم رانيا يوسف التي قامت بدور الأم التي فقدت ابنها وعاشت على وهم عودته 20 عاما دون أن تفقد الأمل مما أثر بالسلب على علاقتها بابنيها وزوجها ، وترددها الدائم على طبيب نفسي ، طاقة الحب والحنان التي تستشعرها من صوت رانيا وأداءها كانت مثالية دون شك على الرغم من عدم منطقية بعض الأحداث حولها ، أحمد وفيق قدم دور الأب بإحتواء كامل لمتناقضاته الحلم والصبر مع الغضب والطيش ، كبير العائلة والإداري الذي يتحرك بعقل غيره ، الخائن والرومانسي مع الاحتفاظ بالهدوء والثبات في أغلب المشاهد ، أما أحمد خليل "الجد" فكان في قمة نضوجه الفني ، كذلك جمال عبد الناصر "الخال" ومحمود مسعود "مريض السرطان". محسن منصور "مدير أمن الشركة" نفذ الشخصية الأمنية ذات الهيبة والسلطان على نسق الكاركتر الثابت في أغلب الأعمال المصرية فهو بلاشك دور يتطلب جهد كبير وتحكم في الحواس دون معايشة أو إبداع ، منصور لم يقدم في المسلسل ربع طاقته لأن الشخصية لم تساعده إلا أن اختياره لها كان موفق ، وكانت حنان سليمان "الخادمة" ووفاء صادق "الصديقة" في أحسن حالاتهم واختيارهم كان الأنسب لشخصياتهم ، أما فراس سعيد فلم تعد لدي طاقة لمشاهدته في ذلك النمط الثابت الذي اعتاد الظهور عليه ويجب أن يستغل طاقاته الكبيرة في الهروب من التنميط ، ربما محمد سليمان "محامي الشركة" هو الأكثر ذبولا بين شخصيات المسلسل فقد ظهر بدور باهت غير واضح المعالم ولم يقنعني بدوافعه الانتقامية التي تغلغلت بداخله 20 عاما دون أن يشعر أحد بها . الوجوه الجديدة في العمل كانت متميزة جدا وأبرزهم خالد أنور الذي جسد دور "مروان" الابن الأصغر وكانت له مشاركة سابقة مع النجم عادل إمام في مسلسل "عوالم خفية"تنبأ الكثيرين له بعدها بالنجاح وكنت منهم ، فقد استطاع أن يضع قدمه ويثبتها وسط الكم الكبير من الوجوه الجديدة ومشاركته في "كأنه إمبارح" أثبتت موهبته وذكاءه في انتقاء الأدوار التي يتألق فيها حيث كان حضوره طاغيا ، أما لينا أو "هدى المفتي" الابنة فلم أشاهدها في عمل قبله إلا أنها مشروع نجمة كذلك الحال مع محمد الشرنوبي الذي جسد منتحل شخصية على ومايان السيد التي جسدت شخصية ليلى التي أحبها مروان ، وأغلب الوجوه الجديدة كانت متمكنة وعلى درجة كبيرة من الاحترافية ، كانت الموسيقى التصويرية لأمين بو حافة عاملا مؤثرا في عدد كبير من المشاهد والعناصر مكتملة خضعت لإدارة المخرج الكبير حاتم علي.