متحف سوهاج القومى كان 2018 عامًا مليئًا بالأحداث الآثارية الهامة سواء علي مستوي التطويرات أو الاكتشافات أو علي مستوي الدراسات الأكاديمية من جانب المختصين، وعلي المستوي العربي كان تدمير الآثار في الأقطار العربية له وقع الصدمة علي الجميع. لذلك كان لابد ألا ينقضي العام دون أن نلقي الضوء علي تلك الأحداث المهمة، لأن الآثار هي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فإنما الأمم الآثار ما بقيت. ونش المطرية وحاويات إيطاليا علي المستوي الأكاديمي قال الدكتور إبراهيم أبو طاحون، رئيس قسم الآثار والحضارة الإسلامية بكلية اﻵداب جامعة حلوان، إنه تم اكتشاف تابوت في الإسكندرية قيل أنه للإسكندر الأكبر، وهذا الحدث تابعته جميع الصحف العالمية، لكن الأمر في النهاية حُسِم، فالتابوت لم يكن هو تابوت الإسكندر. وهناك أيضًا التمثال الأثري المُكتشف في مدينة المطرية، فقد أحدث ضجة كبيرة بسبب طريقة استخراجه. إذ انتقد الكثيرون استخدام رافعة (ونش) في عملية الانتشال، واعتبر البعض ما حدث »جريمة» يجب أن يحاسَب المسئولون عنها. أما علي مستوي قطاع الآثار الإسلامية فهناك القطع الأثرية التي تم استرجاعها من إيطاليا بعد أن تم تهريبها عبر باخرة من ميناء الإسكندرية، حيث هبطت حاويات دبلوماسية من السفينة في ميناء ساليرنو، تتضمن قناع مصري ذهبي، وتابوت حجري، وقارب يحوي 14 مجدافا، وغيرها. وعلي مستوي الأقاليم فقد بدأوا بالفعل بترميم الآثار في كافة محافظات مصر. أما بخصوص ترميم الآثار اليهودية فقد أوضح أبو طاحون أنه يؤيد الترميم لأن أي أثر يجب أن يرمَم لأنه أثر مصري ولا يجب إهماله. وعلي المستوي العربي فلا يوجد أي تقدم في الاكتشافات، فالحدث الأبرز علي الساحة العربية هو تدمير الآثار ونهبها مثل ما حدث في سوريا وليبيا والعراق. أما الدكتور محمد الكحلاوي، الأمين العام لاتحاد الآثاريين العرب، فقال إنه علي المستوي العربي هناك عدة كوارث قد حدثت، مثلًا ما حدث في مدينة الموصل وتدمر بالشام وصنعاء باليمن علي أيدي الجماعات المسلحة. أما علي مستوي مصر، فاتفق مع د.إبراهيم أبو طاحون أن ما حدث في إيطاليا كارثة، بعد سرقة 32 قطعة أثرية وتهربيها إلي إيطاليا، وأردف قائلًا: تراث مصر أصبح في خطر. مركب نادر وعلم المتاحف من جانبه قال الدكتور عماد خليل أستاذ الآثار البحرية ووكيل كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، إن الحدث الأفضل بالنسبة له هو إعادة دراسة مركب اكتشفت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي بالبحر الأحمر، وهي مركب نادرة لأنه لم يُعثَر لها علي نظير سوي في مدينة جدة وهي ترجع إلي القرن الثامن عشر ميلاديًا وموجودة في جزيرة سعدنة بالبحر الأحمر. وأضاف أن ما يتمني أن يحدث في 2019 هو أن ينصلح حال المتاحف المصرية، فقد بدأوا بالفعل في جامعة الإسكندرية بعمل درجة علمية جديدة تسمي بعلم المتاحف، وأضاف: لدينا إشكالية في مصر، وهي أن خريجي الآثار يعملون في المتاحف، فعلم الآثار يختلف عن علم المتاحف، لذلك كان لابد من تخصص. أما الدكتورة وفاء الغنام أستاذة الآثار بكلية الآداب جامعة طنطا، فلم تجد شيئًا مميزًا في عام 2018 من الممكن أن نصفه بأنه الحدث الرئيسي، مضيفة: الرسائل العلمية لا نستطيع أن نعتبرها شيئًا جديدًا وأنها ترتقي للأبحاث العلمية كمقبرة توت عنخ آمون مثلًا، لكننا في الآثاريين العرب نجحنا في عرض الأبحاث، لكنها كما قلت أبحاث تفيد الباحثين فقط ولا تفيد الناس العاديين. ترميم الأزهر وإحياء القاهرة التاريخية وعلي المستوي التنفيذي قال محمد عبد العزيز مدير تطوير مشروع القاهرة التاريخية إن الحدث الأفضل خلال العام الحالي هو افتتاح رئيس الجمهورية لأعمال ترميم الجامع الأزهر وذلك بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وأضاف أن أعمال الترميم شملت ترميم الحوائط الداخلية والخارجية لمآذن الجامع والبالغ عددها خمس مآذن، وعمل ترميم للتراكيب الرخامية والحجرية الموجودة بالمنطقة، حيث تم استخدام رخام »التاسوس» الذي يعمل علي عكس الضوء والحرارة، وهو ما لا يفعله الجرانيت والرخام الطبيعي، وهذا النوع من الرخام نادر الوجود ويتم استيراده خصيصًا للحرمين من جبال اليونان، ويصل سُمك الرخام إلي 5 سنتيمترات، حيث إنه يتميز عن غيره بكونه يمتص الرطوبة عبر مسام دقيقة خلال الليل، وفي النهار يقوم بإخراج ما امتصه في الليل، ما يجعله دائم البرودة في الحر. كما تم إعادة اكتشاف الصهريج الموجود بصحن الجامع وذلك بعد إجراء أعمال الرفع المساحي والتنظيف ورفع المخلفات الموجودة بداخلهِ، وعمل خرزة تحاكي الخرزة الأصلية للصهريج. وتم تجهيز الجامع بشبكة مراقبة كاملة تغطي كل جنباته، بالإضافة إلي نظام صوتي مماثل للحرمين الشريفين. إلي جانب شبكة صرف الأمطار، وشبكة صرف صحي جديدة بعد تهالك الشبكة القديمة، وتم تغيير شبكة الكهرباء بالكامل، وجميع نظم الإنارة بأحدث الأنظمة الحديثة المستخدمة داخل الحرم المكي. وأضاف عبد العزيز: هناك مشروع هام وضخم، وهذا ما نعمل عليه حاليًا، وهو الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية بالتنسيق مع مركز هندسة الاثار والبيئة بجامعة القاهرة، تحت رعاية وزير الآثار، والسيد مدير عام الإدارة العامة للقاهرة التاريخية. شجرة مريم أما أحمد السيد، مدير شجرة مريم بالقاهرة، فيري أن الحدث الأبرز هو دخول شجرة مريم ضمن الآثار الإسلامية والقبطية وتسليط الضوء عليها مرةً أخري باعتبارها ضمن مسار رحلة العائلة المقدسة. ووافقته الأمر ذاته مني بدران، كبير مفتشي الشجرة المقدسة، حيث اختارت هي الأخري دخول شجرة مريم ضمن الآثار الاسلامية والقبطية، واصفة الموقع بأنه كان مُهملًا من قبل ودخل الآن مشروع تطوير شامل. وقد كانت شجرة مريم تقع تحت طائلة قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار، وهو القطاع المعني بترميم وصيانة وتطوير الآثار والمناطق الأثرية والاكتشافات الأثرية المصرية والفرعونية في كافة محافظات مصر، لكن المجلس الأعلي للآثار قدّم طلبًا في يناير 2018، لنقل تبعية الشجرة من الآثار المصرية إلي الآثار الإسلامية والقبطية، وهو القطاع الذي يتولي مسئولية ترميم وصيانة الآثار والاكتشافات الأثرية الإسلامية والقبطية بكافة محافظات الجمهورية. وبالفعل أصدر الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، قرارًا بتشكيل لجنة مشتركة من قطاعي الآثار المصرية والإسلامية والقبطية، لإنهاء الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لتسليم المنطقة. متحف سوهاج واختار الدكتور عربي مكي، مدير عام مناطق شمال القاهرة، افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي لمتحف سوهاج القومي، حيث كان متوقفًا منذ فترة كبيرة، وهو يقع علي نيل سوهاج. يضم عددًا من القطع الأثرية تستعرض الفكر الديني عند قدماء المصريين، كما يضم تماثيل وقطعًا أثرية لملوك الأسرتين الأولي والثانية، وكذلك يضم قطعا أثرية معظمها من نتاج الحفائر الأثرية بالمحافظة، وبعضها تم نقلها من المتحف المصري بالتحرير، وجاير أندرسون، والمتحف القبطي، ومتحف الفن الإسلامي، لتحكي تاريخ المحافظة منذ أقدم العصور، وخاصة عصر الأسرتين الأولي والثانية، بالإضافة إلي التطرق للتراث الشعبي بالمحافظة، وإلقاء الضوء علي عادات وتقاليد الأسرة بها، وكذلك بعض الصناعات التي اشتهرت بها المحافظة، ومنها صناعة النسيج بمدينة أخميم. الجدير بالذكر أن فكرة إنشاء متحف سوهاج القومي انطلقت للمرة الأولي في عام 1993، ثم توقفت بعد ذلك لأمور هندسية وفنية، واستؤنف العمل به من جديد عام 2006، ثم توقف مرة أخري بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، قبل أن تقوم وزارة الآثار بإعادة العمل به مرة أخري عام 2015. سقارة والقناع المذهب من جانبه قال الدكتور أيمن العشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية، أن الحدث الأهم هو الاكتشافات التي حدثت في الأقصر وفي منطقة سقارة بمحافظة الجيزة، لأن هذه الاكتشافات أثَّرت علي تقديم صورة مصر الإيجابية للعالم كله مما جعل اسم مصر يتردد بصورة كبيرة في العالم. ففي منطقة سقارة تم العثور علي قناع مومياء مذهب ومطعَّم بأحجار نصف كريمة كان يغطي وجه إحدي المومياوات الموجودة بإحدي حجرات دفن الملحقة، إضافة إلي ثلاث مومياوات ومجموعة من الأواني الكانوبية المصنوعة من الكالسيت. كما أن بعض المومياوات وضعت لها أقنعة مزينة بقطع ذهبية وفضية في تنوع كبير بما دفع العلماء الأثريين للاعتقاد بأن الاكتشاف سيساعد في توضيح أسرار عملية التحنيط. لم يكن ذلك اختيار العشماوي وحده، وإنما علي مستوي عالمي، حيث أعلنت مجلة الآثار الأمريكية »Archaeology Magazine» مؤخرا عن اختيار القناع الفضي المذهب، لكاهن الإله موت والإلهة نيوت، والمكتشف بجبانة سقارة الأثرية في يوليو الماضي، كأحد أهم 10 اكتشافات أثرية لعام 2018، والمصنفة ضمن الاكتشافات الأكثر جذبًا للأنظار هذا العام، بالإضافة إلي وضع صورة القناع علي غلاف المجلة لنسخة يناير/ فبراير 2019. مقابر تونا الجبل فيما قال جمال السمسطاوي مدير منطقة أثار مصر الوسطي بأن زيادة أعداد السياح هي الحدث الأبرز خلال هذا العام، والشيء الثاني هو الاكتشاف الذي حدث في منطقة تونا الجبل حيث تم اكتشاف 8 مقابر لكبار الكهنة ونبلاء في العصر البطلمي وقد عثرت بعثة وزارة الآثار التي تقوم بأعمال الحفائر علي عدد من المومياوات وحوالي ألف تمثال وبعض الحلي وتم العثور علي 15 تابوتًا من الحجر والخشب. تقع قرية تونا الجبل بمركز ملوي، جنوبالمنيا، ويعرف شمال القرية بأنه مكان للمقابر الأثرية، التابعة للفترة الأخيرة في عصر الفراعنة، وعصر البطالمة، بالإضافة إلي الكثير من المقابر والاكتشافات الأثرية، حتي أنه في العام الماضي، تم العثور علي 17 مومياء في نفس منطقة الاكتشاف الجديد.