محبة النبي صلي الله عليه وسلم من أصول الدين فلا إيمان لمن لم يكن الرسول أحب إليه من الناس أجمعين، قال تعالي »قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»، وهذه المحبة تتحقق بأداء حقوق النبي علي أمته والإقتداء بسنته في أمور حياتنا لنصلح ما تدهور من أخلاق وما تعقد من معاملات.. وفي ذكري مولده العطرة خير ما نحتفل به هو بنصرة الأمة لنصرة خاتم المرسلين من كل سلوك لا يرضي عنه الله ورسوله لنستحق علي الدوام قوله تعالي : »كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ». وحول موجبات محبته وعظمته وأنه لا حق لمخلوق أعظم من حق الرسول صلي الله عليه وسلم علي أمته يقول الشيخ عمر البسطويسي من علماء الازهر الشريف: نبه القرآن الكريم إلي هذه الحقوق فقال تعالي : »إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» عدم الوفاء بالحقوق الواجبة جفاء لرسولنا الكريم من مظاهره ترك الاقتداء بالرسول صلي الله عليه وسلم والمحبة القلبية الخالصة له ونسيان السنة وعدم تعلمها أو تعليمها لأبنائنا وعدم توقيرها والاستخفاف بها كسنة الأكل واللباس وسنن مناسك الحج والعمرة وسنن الصوم والصلاة كالرواتب والوتر والضحي والاستخارة وغيرها كثير قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »فمن رغب عن سنتي فليس مني»، كما أن رد الاحاديث الصحيحة التابعة من مظاهر الجفاء التي تدل علي ضعف إيمان أو زواله بالكلية لإعتماد البعض علي أدني حجج منها عدم تمشيها مع الواقع أو مخالفتها للعقل أو المكابرة في قبولها وإن زعموا ما زعموا من وجوب وحده المسلمين علي القرآن وحده فإن الله تعالي أوجب في القرآن الكريم الاخذ عن الرسول صلي الله عليه و سلم كل ما أتي به جملة وتفصيلا قال تعالي: »وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا»، وتصديقه مع ما يقتضيه ذلك من شهادة باللسان والاتباع قال سبحانه : »فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» الجلال النبوي ويضيف الشيخ البسطويسي : وفي عصر الفضائيات والاعلام المتجاوز يتجلي الجفاء في حقوق النبي صلي الله عليه وسلم في العدول عن سيرته وسنته إلي رموز أخري من عظماء الشرق والغرب كما يسمون أنفسهم وسلوكيات لا تتناسب مع هويتنا الاسلامية والشرقية وعرضها علي العوام من الناس مما يثير الشكوك في أقواله وأعماله التشريعية صلي الله عليه وسلم والتي هي محض وحي »إن هو إلا وحي يوحي»، وفي مجالسنا نلاحظ جفاء روحانيا يتضح في عدم استشعار هيبة الجلال النبوي ونداء الرسول باسمه دون صفة النبوة أو الرسالة وكأنه حديث عابر عن شخص عادي قال تعالي : »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ»، ويلحق بالجفاء الروحاني جفاء القلوب والاعمال تجاه من حذوا السنة النبوية فيتم اغتيابهم والاستهزاء بهم، وأيضا هجر السنن المكانية وشواهد ذلك نراه فيمن يحج أو يعتمر عدة مرات في العام ولا يعرج إلي المدينة لزيارة قبر الرسول صلي الله عليه وسلم خوفا من فوات مصالح يظنها كذلك وإن زارها فعلي عجل والصلاة في مسجده بألف صلاة والصلاة في الروضة الشريفة من أماكن نزول الرحمة وكذلك الصلاة في مسجد قباء بالمدينة والتي قال عنها الرسول »صلاة في مسجد قباء كعمرة» مسئولية وميراث ويقول فضيلة الشيخ منصور عبيد الرفاعي من علماء الأزهر: ونحن نحتفل الآن بذكري مولد النبي محمد صلي الله عليه وسلم لابد أن ندرك أننا قد أخطأنا في حقه عندما قصّر الكثير في إتباع منهجه صلي الله عليه وسلم والسير علي سنته من ذلك.. عدم الاقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم في تصحيح الاخطاء السلوكية فالخطأ وارد من بني آدم وتصحيح الخطأ مسئولية عظيمة ووراثة نبوية وقد تعامل الرسول صلي الله عليه وسلم مع المخطئ بأساليب مختلفة تدل علي إنه عليه الصلاة والسلام كان ينتقي الوسيلة المناسبة في كل مناسبة لإصلاح الخطأ فيها فمثلا إنه كان يطالب المخطئ أولا بالكف عن الخطأ فورا وإصلاح ما أفسده بتدارك آثار خطئه فقد أتي رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال : »إني جئت أبايعك علي الجهرة وقد تركت أبواي يبكيان من ألم الفراق فقال عليه الصلاة والسلام أرجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما.. أيضا لابد أن نجنب المخطئ معونة الشيطان بأن لا ندعو عليه وإنما ندعو له بالهداية فلما جئ برجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم قد شرب الخمر أمر به فجلد فقال رجل من القوم »اللهم ألعنه» وفي رواية »أخزاه الله» فقال عليه الصلاة والسلام »لا تكونوا عونا للشيطان علي أخيكم» إذا لعنته ودعوت عليه ماذا فعلت؟ لقد أعنت الشيطان عليه وهكذا يكون الامر عندما نجد مخطئا مذنبا ندعو له إلا إذا كان مخطئا معاندا مجافيا للحق. ويضيف من الامور الاخري التي قصرنا فيها عن اتباع السلوك النبوي تربية الاولاد. فمعظم الاهتمام الآن من الوالدين والمربين التفوق الدراسي، وتحصيل العلم أما غرس القيم الاخلاقية فلم يعد في بؤرة الاهتمام نري التقصير في عدم تعليم الصغار آداب المائدة وتناول الطعام وعدم احترام الكبير والاستئذان داخل البيوت وخارجها.. كما أن الحوار الهادف اختفي وحل محله الجدال العقيم غير المفيد الذي لا ينهض بالمجتمع.. أما عن أدب الاعتذار وثقافته فحدث ولا حرج فقد خرج ولم يعد رغم أن الله تعالي قال في كتابه العزيز »وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ».. أيضا نفتقد ستر العيوب وعدم التلصص والتنصت علي الجيران والاهل وترك المناسبات الاجتماعية الاسرية والبعد عن صلة الارحام والاحسان إلي الفقراء. هذه الامور وغيرها أساءت إلي النبي محمد صلي الله عليه وسلم الذي كان علي خلق عظيم واساءت إلي ديننا الحنيف فلابد من العودة إلي هذه القيم الغالية حتي نقدم عذرنا لحبيبنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.