حينما كنت طالبا في المرحلة الثانوية في تسعينات القرن الماضي، كنت أحرص، وخاصة أثناء العطلة الصيفية، علي اقتناء الكتب التي كانت تنشر في مشروع مكتبة الأسرة. ولابد أن أعترف أن هذا المشروع كان له تأثير مباشر في تشكيل الجوانب الفكرية لدي الكثير من فئة الشباب من أبناء جيلي في تلك الفترة. فقد كان مشروع »القراءة للجميع»، واحدا من أهم المبادرات الثقافية والاجتماعية في تاريخ مصر الحديث، مستهدفا نشر القراءة وتنمية الفكر والثقافة بين قطاعات المجتمع المصري كافة. وأسهم في نجاح المشروع الرعاية الخاصة له من قبل كافة أجهزة الدولة، والتي كانت ترعي فكرته وداعمة مسيرته، الأمر الذي ساعد في تنمية الشعور بأهمية القراءة وحب الكتاب، وتشجيع الأسرة علي تنمية عادة القراءة لدي أطفالها، ومشاركتهم متعتها، إلي جانب ربط الأطفال بالمكتبة والكتب عن طريق العديد من البرامج والوسائل الترفيهية والتعليمية، وتشجيعهم علي ارتياد المكتبات، وتوفير الخدمات المكتبية في كل مكان علي أرض مصر، وجعل الكتب متاحة أمام غالبية الأطفال. الأمر الذي أدي إلي نشر الوعي بمصادر المعرفة الحديثة وتزويد المكتبات بأجهزة الحاسب الآلي وربطها بشبكة الإنترنت، والإطلاع علي ما تركه العلماء من تراث إنساني وحضاري ضمن فعاليات المشروع. والأجمل أن المشروع لم يكن مقصورا علي الأطفال فحسب، بل حمل شعار »للطفل.. للشباب.. للأسرة». ونظرا لما حققه المهرجان من نجاح، فقد أشادت به منظمة اليونيسكو كتجربة ثقافية رائدة، ونادت بتعميمه علي مستوي العالم، مما حفز عددا من الدول علي تبني فكرة المشروع، وبدأت التجربة المصرية تعرف طريقها إلي التعميم في كثير من الدول. ومن هنا، فإنني أدعو أجهزة الدولة المعنية إلي أن تطلق حملة قومية لإعادة تفعيل وتنشيط مشروع »القراءة للجميع» وأن يتبني رؤية جديدة، والعمل علي نشر الكتب التي تدعم توجه نشر البعد الثقافي لدي المواطن، وأن ينطلق المشروع من النقطة التي توقف عندها في السابق، بحيث يستطيع تحقيق مجموعة من الأهداف السامية، ومنها التشجيع علي القراءة والاطلاع بين جموع الشباب والمواطنين. وبث الروح الوطنية والشعور بالفخر بالثقافة المصرية، وذلك من خلال تمكين الشباب والمواطن من الإطلاع علي الأعمال الأدبية والإبداعية والدينية والفكرية والثقافية والسياسية التي صنعت مسيرته الحضارية وكونت وجدانه الفكري. ونشر الأفكار الصادقة التي شكلت المسيرة الحضارية للشعب المصري وكذلك القيام بخطوة ضخمة للمواجهة الثقافية. الأمر الآخر هو تقديم أحدث الإنجازات العلمية بنشر أحدث مؤلفات العلماء التي تواكب التطور العلمي والتكنولوجي في العالم. والتواصل مع الحضارات الأخري من خلال الترجمة التي تقدم للشباب، حتي يطلع علي ثقافات الشعوب الأخري في جميع المجالات. ونشر الوعي بالتراث العربي الإسلامي والقبطي وذلك من خلال تقديم أعمال التراث مما يعزز من الشعور بالانتماء. إن مصر حاليا تشهد تحديات جسيمة، ولعل أقوي الأسلحة لمواجهة تلك التحديات هي تغذية وإثراء الفكر والعقل المصري بمحتوي ثقافي يستطيع من خلاله أن يواجه الأفكار الخارجية، مما يساهم في تقوية الوعي والإنتماء لدي المواطن في مجتمعه. • كلية الآداب - جامعة المنوفية