ومازالت المنطقة حتي الآن تدفع ثمن مغامرة 11 سبتمبر، التي قلبت الموازين وغيرت الاستراتيجيات، وأدخلت الشرق الأوسط، في حرب عالمية من نوع جديد »اسمها الفناء الذاتي»، تحرض الشعوب علي بعضها ليتقاتلوا ويتصارعوا، ويقتلوا بعضهم البعض.. حرب »الجزاء من جنس العمل»، بإعادة تصدير الإرهابيين إلي دولهم، ليمزقوا بلادهم ويحرقوا شعوبهم. كانت واشنطن تستعد قبل 11 سبتمبر لإطلاق برنامج حرب النجوم، لمواجهة الخطر القادم من جنوب شرق آسيا، الصين وكوريا الشمالية، فهذه الدول تنطلق بسرعة كبيرة، وتتحول إلي نمور شرسة، ولا يمكن مواجهتها إلا في الفضاء.. ولكن جاءت 11 سبتمبر بالصدمة الكبري. اكتشفت أمريكا أن الخطر الذي يهددها في »الكهوف» وليس »النجوم»، وأن الطائرات المدنية يمكن أن تتحول إلي صواريخ، تهدم برجي التجارة وتهدد أكبر دولة في العالم بالفناء فعادت استراتيجية الدفاع الأمريكية إلي القرون الوسطي، تفتش عن أفضل الأسلحة للحروب البدائية، فكانت إشعال النزاعات القبلية والحروب الأهلية. هيأت أمريكا مسرح الحرب بالقضاء علي »الشياطين».. أفغانستان هي الهدف الأول، وواشنطن تحفظها عن ظهر قلب، منذ دخولها لمقاومة الغزو السوفيتي، وتعرف أسماء الإرهابيين وأماكن تواجدهم، ومن بينهم جواسيس تم تدريبهم ودسهم، ليكونوا عيونا للمخابرات الأمريكية، وتحول بن لادن من صديق إلي العدو الأكبر. وكانت الضربة الثانية من نصيب العراق.. آن الأوان للقضاء علي صدام حسين، الذي انتهي دوره بنهاية الحرب العراقية الإيرانية، ولكنه بحث عن حرب جديدة فقام بغزو الكويت وهدد السعودية ومنطقة الخليج، ولم يكن كافيا تكسير عظامه وطرده من الكويت، بل إهانته وقتله واختفاؤه من مسرح الأحداث إلي الأبد. وعُوقبت دول الشرق الأوسط التي لم تدخل الحظيرة الأمريكية، بجحيم أطلق عليه »الربيع العربي»، وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس، تؤكد أن »حضانة الربيع» التي يجري تجربتها في العراق، سوف تهب نسائمها الديمقراطية علي دول وشعوب المنطقة، فتقلب الديكتاتوريات إلي ديمقراطيات، وتهنأ الشعوب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وحدث العكس، ربيع نسائمه نارا وسعيرا. 11 سبتمبر لم تكن يوماً أسوداً بالنسبة لأمريكا فقط، بل أشد سواداً علي منطقة الشرق الأوسط، التي ينتمي إليها »الأغبياء»، الذين استفزوا العملاق، فقرر أن يبطش بهم، وبالأرض التي خرجوا منها والدول التي ينتسبون إليها، واختلط الحابل بالنابل، وخرجت الوحوش من الكهوف، تدمر وتقتل وتزرع الفتن، وارتدوا عباءات دينية، فأصبحت »داعش» هي »تنظيم الدولة الإسلامية»، وشوه »أسوأ السفاحين» في التاريخ صورة الإسلام والمسلمين. كل الجراح التاريخية يمكن أن تندمل بمرور الزمن، إلا 11 سبتمبر بالنسبة لأمريكا: استدعت مخزون الكراهية ضدالعرب والمسلمين، واجتر بوش الابن أحزان الماضي، وهو يصرخ غاضبا »لم أكن أتخيل أن يستخدموا الطائرة كصاروخ»، وعادت إلي الأذهان صوره العنصرية عندما وصف الحرب الدائرة في المنطقة بأنها »صليبية» أو »حرب المدنية ضد البربرية»، ثم عاد واعتذر بعد أن احتجت الدول العربية والإسلامية، التي تعاني أكثر من أمريكا من خطر الإرهاب وجرائم الإرهابيين. وفتحت علي المنطقة بوابة جهنم، التي أخذت دولا كانت مستقرة في طريقها، فلم تعد تنال الاستقرار تحت حكم ديكتاتوري، ولا الديمقراطية في أتون الحروب الأهلية. وأيقظت وحوش الأرض، إرهابيين أعمي الله عيونهم وأغشي علي قلوبهم، ولا يفرقون بين برج ومسجد أو كنيسة، ولا بين عدو وصديق، ويقتلون أبناء أوطانهم ويسالمون أعداءهم، ونُزعت الهويات الوطنية من عقولهم، وحل محلها فكر الجاهلية. وجلبت علي المنطقة جيوش الحلفاء والأعداء، فأصبحت أراضيها مستباحة، وثرواتها منهوبة. 11 سبتمبر كانت فيلما من أفلام الرعب، فاق الخيال وكل الحيل السينمائية، ولم يتخيل عملاق العالم أنه يمكن أن يُغدر به في لحظات، وأن تصبح دولته الكبري في مهب الريح، فهو الذي صنع هؤلاء الإرهابيين، الذين أطلق عليهم الجرذان، ويعرف جحورهم وأماكن اختبائهم، وإذا داعبت الأسد لا تصرخ من الأظافر والأنياب. ومازالت توابعها في ليبيا وسورياوالعراق واليمن، بعد أن أيقظت ما أطلق عليه »الصحوات الإسلامية»، ليكونوا أدوات الانتقام الذاتي.. داعش والنصر والحوثيون والقاعدة والإخوان، وغيرها من المسميات، التي تندرج تحتها عصابات تخريب الأوطان، الذين فعلوا في دولهم وشعوبهم، ما لم تفعله أعتي جيوش الأعداء علي مر التاريخ. من هاجموا برجي التجارة هم أنفسهم قتلة الأبرياء في كل بلد إسلامي، هم من دمروا المسجد الأموي في سوريا، وحرقوا الكنائس في مصر، وذبحوا المسيحيين علي خليج سرت، وفخخوا باصات الأطفال في اليمن.. وجلبوا علي دولهم الخجل والعار والانتقام.