«زراعة أسيوط» تنظم محاضرة مجانية حول «النشر الدولي- كتابة ردود إحترافية على تقارير المحرر والمحكمين»    هل تنخفض الأسعار الأسبوع المقبل؟.. عضو «منتجي الدواجن» يجيب    أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 26 مايو 2024    توريد 200 ألف و257 طن قمح في كفر الشيخ    الجزار يتابع سير العمل بالمشروعات .. وموقف الخدمات المقدمة للسكان بأسيوط الجديدة    فتح باب التقديم لطلبات توفيق أوضاع مشروعات الاقتصاد غير الرسمي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات اليوم الأحد    بينها وقود .. 141 شاحنة مساعدات تتدفق من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم للدخول إلى غزة    141 شاحنة مساعدات تتدفق من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم للدخول إلى غزة    وزير الخارجية يتوجه إلى بروكسل للمشاركة في اجتماع مجلس الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي    الإسماعيلي يتحدى البنك الأهلي طمعًا في استعادة الانتصارات بالدوري المصري    بوكيا: كنت أستحق ركلة جزاء أمام الأهلي.. والترجي كان الأفضل وخسر    "واجب وطني".. ميدو يطالب الأهلي بترك الشناوي للزمالك بعد التتويج الأفريقي    مواعيد مباريات الأحد 26 مايو 2024.. ثلاث مواجهات بالدوري والأهلي في إفريقيا للسلة    الأرصاد: طقس شديد الحرارة الأحد والإثنين على أغلب الأنحاء    هدوء تام في ثاني أيام امتحانات الدبلومات الفنية بمطروح    مصرع طفلة سقطت بها مصعد عقار بمنطقة الطالبية    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة بالقاهرة والجيزة    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي سبل التعاون في تصدير وتسجيل الأدوية    دراسة: الغربان يمكنها التخطيط لعدد نواعقها مسبقا    إشادة حقوقية بدور الدعوة والأئمة بالأوقاف المصرية لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب تشيد بجهود وزارة الأوقاف المصرية    سها جندي: نرحب بتلقي مختلف المشاريع الاستثمارية للمصريين بالخارج    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى الروس إلى 501 ألف و190 جنديا    إسرائيل تطرح مقترح اتفاق جديدًا بشأن تبادل الأسرى    مجلس الشيوخ يفتح اليوم ملفى حفظ أموال الوقف وإحلال وتجديد المساجد    طلاب الدبلومات الفنية يستكملون اليوم اختبارات نهاية العام الدراسي    شاومينج ينشر أسئلة وإجابات امتحانات الدبلومات الفنية على تليجرام.. والتعليم تحقق    "في صحبة محمود سعيد"، معرض بالزمالك يحتفي بذكرى رحيله الستين    أول موسيقى مصرى يشارك بعملين فى دورة واحدة من مهرجان كان: أحمد الصاوى: موسيقيون عالميون بحثوا عنى فى المهرجان لتحيتى على موسيقى الفيلمين    أنا وقلمى.. «تكوين» بين الجدل.. والرفض الشعبى    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن أساسها المودة والرحمة تفصيل للحقوق المشتركة بين الزوجين "3"    النسوية الإسلامية اجتهاد المرأة: مفهوم الإلحاد.. فى القرآن! "95"    وزير الري يتابع خطة عمل صيانة وإحلال المنشآت المائية    رابط الاستعلام عن نتيجة صفوف النقل الترم الثانى بالجيزة ..تعرف عليه    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    وزير الرياضة: جمهور الأهلي والزمالك هم الأبطال.. واعتذر عن شكل التنظيم بالنهائي    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    مع اقتراب نهاية السنة المالية.. تعرف على مدة الإجازة السنوية وشروط الحصول عليها للموظفين    أدعية الصفا والمروة.. «البحوث الإسلامية» يوضح ماذا يمكن أن يقول الحاج؟    هل سيتم تحريك أسعار الأدوية الفترة المقبلة؟.. هيئة الدواء توضح    القائمة الكاملة لجوائز الدورة 77 من مهرجان كان    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الأسد    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    موعد مباراة المصري وفيوتشر والقنوات الناقلة    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    آخر تحديث لسعر الدولار مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأحد 26 مايو 2024    مصرع شخص وإصابة 9 آخرين في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الجدي    قصواء الخلالى: الرئيس السيسى أنصفنا بتوجيهاته للوزراء بالحديث المباشر للمواطن    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    قطع المياه اليوم لمدة 6 ساعات عن بعض المناطق بالأقصر.. تعرف عليها    "ساكتين ليه".. الرئيس يوجه رسالة غضب ل 3 وزراء (فيديو)    10 عادات صحية تمنع ارتفاع ضغط الدم    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبدالحكيم راضي: الجامعات سئمت الترشيح لجوائز الدولة!
بعد حصوله علي التقديرية
نشر في أخبار السيارات يوم 18 - 08 - 2018

الدكتور عبدالحكيم راضي.. واحد من رموز التنوير في مصر والوطن العربي. صاحب أول قراءة للبلاغة العربية من منظور الاسلوب اللغوي، وهو أستاذ النقد الأدبي والبلاغة بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وعضو مجمع اللغة العربية.
وهو -أيضا- باحث استئنائي في التراث العربي، تشهد له أبحاثه المتعددة، وسلسلة الذخائر حينما تولي رئاسة تحريرها قرابة عشر سنوات حيث شهدت طفرة كبيرة في التوزيع ولفت نظر الجماعة الثقافية لها من خلال حسن الاختيار، واجادة تقديمها ، كما رأس تحرير سلسلة التراث في الهيئة العامة للكتاب.. وتكمن قيمة د. راضي الأكاديمية في فكره النقدي لتعليم المجتمع، والغوص في قضاياه المختلفة لإيجاد الحل لها.
حصل - مؤخرا - علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب، بترشيح من جامعة القاهرة ومجمع اللغة العربية.
في هذا الحوار نتتبع تحولاته ومساراته في البحث النقدي، من خلال منجزه الثري، الذي استمر في انتاجه قرابة الخمسين عاما من البحث العلمي.
هل تشعر أن الجائزة قد تأخرت، خاصةوأنني أعلم أن جهات عديدة كانت ترشحك لها أكثر من مرة؟
هذه مسائل نسبية، كل انسان فيما بينه وبين نفسه يشعر أن أشياء كثيرة قد تأخرت، لكن في ظل ظروف معينة قد لايكترث الانسان كثيرا، ليس لقيمة الجائزة أو تقليلا منها، لكن لأن المسائل في بعض الظروف لاتفرق كثيرا، تم ترشيحي للجائزة أكثر من خمس مرات، ورشحتني جامعات عديدة منذ أكثر من خمسة عشر عاما، لكن المجلس الأعلي للثقافة لم يصوت لاسمي، ومع ذلك لم يكن هناك أي اعتبار للجهات المرشحة، وبالتالي كان رد الفعل للجامعات ألا تكترث كثيرا للترشيح لجوائز وزارة الثقافة، وقد سئمت الترشيح لجائزة الدولة.
لنبدأ أولا بما يثار هذه الأيام حول تخلي الجامعات المصرية باستثناء واحدة -جامعة القاهرة- عن أحد أدوارها الأساسية وهو الترشح لجوائز الدولة، وتقديم القامات العلمية والأدبية والفنية، سواء من داخلها أو من المجتمع علي نحو عام.
أظن أن فكرة تخلي الجامعات عن دور كان ينبغي أن تقوم به، قد لايكون هو التفسير الأنسب للوضع الحالي، وأري أن هذا الوضع هو نتاج موقف للجامعات دفعت إليه دفعا بفعل ما كان يجري في أوقات سابقة في أجهزة الثقافة المختلفة، من عدم اعطاء أي اعتبار لترشيحات الجامعات ولا لترشح الجامعيين لجوائز وزارة الثقافة، إذ كان -غالبا- ما يضرب بترشيحات الجامعات وترشح الجامعيين عرض الحائط.
هذا وأن كنت ممن لايقولون بواحدية السبب، ولا أنفي علي نحو مطلق مسئولية الجامعات التي يجب ألا تتخلي عنها تحت أي ظرف من الظروف.
كيف تري الحالة الثقافية الآن، خاصة وأنها تتعرض- من آن لآخر- لهزات ليست في صالحها، تتطلب إعادة ترميم أو بالأحري إعادة بناء؟
أعتقد أن ما يسهل الأمر، هو التعامل معها من زاوية المستهلك والمنتج فإذا كان المستهلك ضعيف القدرات علي استهلاك السلع المقدمة له وتشجيعها، مما يساعد علي دفع الانتاج، فلاشك أن الانتاج ستنعكس عليه حالة المستهلك، وإن كان هناك وضع أو حال يعم كلا من المنتج والمستهلك، وهو الوضع التعليمي العام- وهو ضعف المستوي التعليمي العام- وهذا في رأيي سبب رئيسي في ضعف المستهلك، ينعكس بالتالي علي ضعف المنتج- الذي قلنا أنه متأثر من الوضع التعليمي العام. الاستهلاك هنا يعني القراءة والتقويم والنقد وبث الدماء في شرايين الحياة الثقافية، يؤكد هذا الحاجة المستمرة إلي المقويات الصناعية من جانب الدولة للأجهزة والمؤسسات الثقافية، متمثلا فيما يعرف بالدعم، الدولة تتدخل بالدعم في كثير من الأنشطة الثقافية، خاصة عملية النشر، واذا قلنا بالدعم للسينما والمسرح ومختلف القنوات والمؤسسات الثقافية، والكل يعلم أنه في مرحلة سابقة كانت كل هذه الأنشطة تقوم علي جهود خاصة، وأنشطة مستقلة، ومع ذلك كانت حركة النشر والمسرح والسينما وغيرها، كانت في غاية النشاط ولم تكن تشكو لا من الركود والكساد، ولاتردد الحديث المعاد من الحاجة إلي دعم الدولة، وهذا دليل علي ضعف الحالة الثقافية.
ويؤكد د. راضي أنه لولا عملية الدعم الحكومي لكثير من المؤسسات الثقافية لما أستمر الكثير منها- خاصة الكبري - حتي الآن.
الحديث عن الحالة الثقافية ينقلنا إلي مرحلة هامة في المشوار العلمي والثقافي للدكتور عبدالحكيم راضي، وهي فترة رئاسة تحرير سلسلة الذخائر وهي أحد الروافد الثقافية الهامة، التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، فماذا نقول عنها، وعن سبب اهتمام وتقدير الجماعة الثقافية لها، وانتظار كل الجديد منها؟
يجب أن نتذكر أنني انتدبت للاشراف علي سلسلة الدخائر التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة في عام 2001، توليت الاشراف عليها أولا نائبا لرئيس التحرير، وقائما بأعماله، ثم رئيسا للتحرير، وأستمر ذلك إلي أواخر عام 2009، في تلك الفترة لم تكن الأمور في المستوي التعليمي، قد بلغت ما هي عليه الآن، الأمر الآخر أن الذخائر كانت تخاطب جيلا ربما يكون أقدم، تخاطب أجيالا وفترات ربما يكون التعليم فيها أحسن، وربما كان ناتج التعليم فيها أحسن حالا مما يبدو عليه الآن، أضف إلي ذلك أن نوعية الكتب والمؤلفات التي تعني بها الذخائر- وفقا لنظامها وبرنامجها- هي من الكتب التي تستهوي شرائح لايستهان بها من مثقفي منتصف النصف الثاني من القرن العشرين. ان كتب التراث تشبه المعدن النفيس الخام (الذهب)، فهو عطاء أجيال قد تختلف نظرة الناس إليه، ولكنهم لايختلفون علي قيمته. هذا إلي جانب العناية الفائقة بالكتب عند اعادة اصدارها من حيث انتقائها والتعريف بمؤلفيها ومحققيها وطباعاتها السابقة، وكتابة مقدمة علمية ضافية عن الكتاب بقلم أحد المتخصصين في موضوعه، مما كان له أثره، بحيث كان البعض ممن يمتلكون النسخ الأقدم من الكتاب، يقبلون علي شراء طبعة الذخائر تقديرا للمنتج وما يحمله من فوائد اضافية للقاريء.
تحدثت عن طريقة خاصة في انتظار مطبوعات الذخائر، فماذا كنت تعني بهذا؟
أعني أننا كنا دائما نسعي إلي اخراج الكتب المهمة في موضوعاتها، والتي يتأكد لدينا تعطش المجتمع الثقافي لها، بسبب نفاد طباعتها السابقة وحاجة المثقفين إليها، فكان القاريء ينتظر اصدارات السلسلة في موعدها، وهو ما بدا واضحا في قلة المرتجع منها.
وماذا عن علاقة المثقفين بالتراث الآن؟
هناك حالة تقلقني إلي حد كبير، وهي ما ألاحظه لدي الكثيرين من المثقفين ابداعا ونقدا، من شبه انقطاع بينهم وبين تراثهم، وحين أتكلم أبدي قلقي من هذه الحالة، فأنا لا أقصد الدعوة إلي الانغلاق علي تراثنا الثقافي العربي القديم، أو إطراح ما سواه، ولكنني أريد التنبيه إلي الفارق الجوهري بين مصادر الثقافة الانسانية، ومنها الأدب والتاريخ وعلما الاجتماع والفلسفة، ومصادر المعرفة العلمية، ففي الأخيرة يجوز للمعرفة اللاحقة أن تطغي إلي حد التغطية علي المعرفة السابقة، كالآلة البخارية أو الطاقة البخارية التي ألغت ما قبلها والطاقات الأخري التالية عليها التي ألغت كل منها ما كان سابقا عليها.
أما في حالة الانسانيات ومن بينها الثقافة الأدبية بمعناها الواسع، حيث يكون التاريخ - دائما- جزءا من الحاضر يحركه ويشارك في تشكيله، وحيث يكون الحاضر هو نتاج الماضي والمستقبل، هو نتاج الحاضر، فانه لايجوز بحال من الأحوال الانقطاع عن الماضي الثقافي، فالعلم هنا في هذه الحالة جزء من العلم نفسه.
في رأيك ما أبرز مظاهر هذا الانقطاع؟
الانقطاع اللغوي، وانظري إلي حالة اللغة العربية: في الاعلام بقنواته المختلفة خاصة المرئية منها والمسموعة والمقروءة، حيث يسمع المشاهد ويري ويقرأ ما لايمكن يخطر بباله من صور التدني اللغوي التي تنضح بها كلمات الحوار في المسلسلات والأغاني وحوارات الأفلام والبرامج التليفزيونية، ناهيك عن عناوين المقالات، فضلا عن لغة شبكات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، وما يسمونه (الواتس آب، تويتر)، كتابة المنطوق العربي بالحروف غير العربية، أما الاعلانات التي تشغل صفحات الجرائد والمجلات، وتملأ جوانب الشوارع والكباري، كلها مكتوبة بلغة أجنبية توحي بأنها موجهة إلي جمهور من القراء ليسوا عربا ولاينتمون إلي الأمة العربية بحال، فحدث ولا حرج، وسيطول الكلام، لو تحدثنا عن اللغة العربية في كثير من مدن المنطقة العربية خاصة مدن الخليج العربي، وكذلك طرق التعليم فيها.
هل يوجد انقطاع عن لغتنا وتراثنا أكثر من هذا، وكيف نقلل من هذه الظواهر؟
يكاد الانسان يحار عند محاولة التعليل، اذ تختلط الأسباب والمسببات، هل نتحدث عن حالة التعليم والمدارس الأجنبية، والتعليم الخاص بصفة عامة، أم نتحدث عن الأوضاع الاقتصادية الجديدة التي جعلت الناس في وضع يقتنعون فيه بتفضيل اللغات الأجنبية علي لغتهم العربية.. أيهما السبب وأيهما المسبب، لكن الاجتهاد يمكن أن يقود إلي أن الأوضاع الاقتصادية والانفتاح علي العالم الخارجي والتعاون الدولي والشراكات العالمية هي التي كانت وراء هيمنة هذا الوضع، مما خلق وضعا تعطي الأولوية فيه للغات الأجنبية علي اللغة الوطنية، كل ذلك انعكس علي حالة التعليم في شيوع المدارس الأجنبية بمختلف مستوياتها ولغتها، وكذلك الجامعات، وهو ما واكبه، ولازمه حالة من تدني الاحساس بأهمية اللغة العربية علي جميع المستويات، مستوي تعليمها وتعلمها، والتعامل معها، وحتي علي المستوي الرسمي.
لا أظن أن وزارة التعليم تقوم بواجبها المنوط بها نحو لغة البلد الذي تعمل فيه، وأعني واجبها إزاء تدريس العربية واتقانها واشتراطها في برامج المدارس الأجنبية أيما كانت الدول التي تتبعها، هذا واجب لايمكن التفريط فيه، واذا كنا لانستطيع أن نوقف سيل تعليم اللغات الأجنبية علي نحو يبدو فيه التزيد بأكثر من الحاجة الطبيعية، فاننا نستطيع أن نحافظ علي لغتنا وعلي تعليمها وتعلمها بالقدر الكافي لتكوين مواطن ذي هوية، واحساس بانتمائه إلي بلده وثقافته القومية ولغة أدبها وتراثها حتي نضمن-علي الأقل- وحدة أبناء البلد الواحد في اطار احساسهم بهويتهم وتاريخهم وقوميتهم. وليس عندي شك في أن ثمة تقصيرا أيا كانت مظاهره وأسبابه يقع من جانب وزارة التعليم.
هل ثمة مظاهر بعينها يمكن الاشارة إليها في هذا التقصير؟
قد يقع هذا من حيث لايشعر البعض، وأنا أتساءل: ما مدي احكام وزارة التعليم قبضتها علي مدارس اللغات والمدارس الخاصة، أعني مدي مراقبتها لبرامج هذه المدارس، ونصيب اللغة العربية، والأدب العربي، ومعرفة الطلاب بهما في هذه المدارس؟ أما ما يحدث الآن من محاولات للتحديث، لانشك في حسن النوايا وراءها، ولكننا نبدي تخوفنا من عملية الاسراع علي نحو يخشي معه ألا تستطيع امكانات الوزارة بمبانيها ومعلميها ووسائلها التعليمية، فضلا عن قدرات الطلاب علي الاستيعاب وقدرات المعلمين علي الاستجابة والوفاء بالمطلوب منهم. أقول: يخشي في ضوء كل ما أشير إليه من عدم امكان أن تحقق عمليات التطوير المتسرعة علي هذا النحو، الأهداف المرجوة منها.
وأنا أبدي تخوفي علي نحو خاص من مشروع (التابلت)، هذا الذي يدعو إليه وزير التعليم، وتساورني خشية- من خلال حديث المسئولين عنه- تساورني الخشية في تأثير طريقة التعليم هذه علي قدرات الطلاب في الحديث باللغة العربية، واجادة مهارات الحوار والتخاطب والمحادثة وشتي المهارات الشفوية، كما يساورني الخوف علي قدرة الطالب الذي يتعرض لهذه التجربة علي أن يمسك بالقلم والورقة ليكتب صفحة أو نصفا بلغته العربية.
ويزداد القلق من أن الحديث عن المشروع، يؤكد تطبيقه علي نحو شامل، وكنت أتمني أن يكون الحديث عن تطبيقات أو تجارب جزئية محدودة، فإذا ثبت نجاحها في مرحلة توسع القائمون في تطبيقها علي نحو أوسع في مرحلة بعد مرحلة، لينال المشروع حظه من التجربة قدر المجازفة بتطبيقه علي هذا النحو العام، دون ضمانات يطمئن إليها من اعداد الأماكن والمعلمين، والفصول والأدوات اللازمة لنجاح التطبيق لهذا الاتساع الشمولي.
تحدثت عن حالة اللغة العربية في مؤسسات التعليم في المجتمع، والخشية التي تحوم حول محاولات تطوير التعليم التي يجري الحديث عنها في الوقت الحالي، وأنت عضو في مجمع اللغة العربية.. فما قولك عن دور مجمع اللغة العربية في حماية العربية، خاصة في ضوء القانون الذي يعمل المجمع في الوقت الحالي علي اصداره علي نحو رسمي والذي يحمل اسم قانون حماية اللغة العربية؟
- سؤالك دقيق وذكي، فلا شك أن للمجمع دورا، وهو دور غاية في الأهمية، لولا محددات معينة تكتنف هذا الدور، منها أن المجمع جزء من المجتمع الذي يعمل فيه، ومنها أن تفعيل دور المجتمع رهن »بمدي تحمس هذا المجتمع لمهمة المجمع، ومنها إلي أي مدي لايشكل دور المجمع وعمله الدائم علي حماية اللغة العربية ونشرها مع مصالح فئات، أو شرائح معينة من المجتمع تري صالحها في ازدهار اللغات الأجنبية، وانحصار اللغة العربية، المجمع يد وبقية مؤسسات المجتمع اليد الأخري، واليد الواحدة لاتصفق وحدها!
لذا أنا أري أن يكثف المجمع دوره وجهوده في تفعيل هذا الدور علي متابعة الهيئات الثقافية المختلفة المعنية باللغة العربية، والتي يرجي منها أن تقوم علي حمايتها والتعامل بها وأولي هذه الهيئات، وزارة التعليم، وحال اللغة العربية في مدارسها: كتبها ومقررات اللغة فيها، والمدارس الأجنبية، ومدارس اللغات، ومتابعة نصيب اللغة العربية في برامج هذه المدارس، وانتزاع سلطة المراقبة والمتابعة، والتوجيه والتقويم لنشاط هذه المدارس، وكل جهة (مدرسة أو جامعة أو كُتاباً له صلة باللغة العربية، ينتزع المجمع سلطته في عملية المراقبة والتقويم، كما ينتزع سلطة اقتراح الجزاءات والعقوبات التي تقع علي الجهات المقصرة في القيام بواجبها ازاء واجبها الوطني سواء في التدريس أو التعامل المصلحي والاداري، أو في الكتابات الرسمية أو في وسائل الإعلام المختلفة.
ماذا يمنع المجمع عن ذلك؟!
- لأن القانون لم يصدر رسميا بعد، ولأن الجهات المسئولة رغم توصيات المجمع في مؤتمراته المتعاقبة بأمور واجراءات من هذا القبيل، ورفع التوصيات لوزير التعليم العالي ووزير التعليم، فإن أحدا حتي الآن لم يضع أيا من توصيات المجمع واقتراحاته موضع التنفيذ والمأمول- وهو ما يصمم عليه المجمع- بعد صدور القانون رسميا، أن يتبني المجمع سياسة الاصرار علي تنفيذ دوره كاملا في حماية لغته.
حصلت علي جائزة الدولة التقديرية،.. هل سبق لك الحصول علي جوائز أخري؟
حصلت علي جائزة تقديرية أخري، هي الجائزة التقديرية من جامعة القاهرة، ومن قبل حصلت علي جائزة باشراحيل في النقد الأدبي، ثم جائزة التميز من اتحاد كتاب مصر، كما تم تكريمي في عدد من المناسبات في اتحاد الكتاب، جامعة القاهرة، والجمعية المصرية للأدب المقارن.
وفي الدورة الماضية لمعرض الكتاب الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب حصل كتابي (دراسات في النقد العربي) علي القيمة الأدبية والرمزية لجائزة أحسن كتاب في فرع النقد الأدبي، وإن تم حجب القيمة المادية للجائزة للخطأ في شكليات شروط الجائزة.
جائزة الدولة التقديرية، تقدم علي المسيرة العلمية في مجملها وليس علي كتاب أو نشاط بعينه، وقد حوي التقرير الصادر عن احدي جهات ترشيحكم بعض ملامح مسيرتكم العلمية، منها ملامح تتصل بالنشاط العام، وضم حوارنا بعضها، ومعها ما يتصل بجهدكم العلمي في مجال تخصصكم، وهو النقد الأدبي والبلاغة العربية، ونطمح إلي التعرف علي صورة موجزة لهذا الجهد.
- الايجاز في هذا الموضوع عملية صعبة، ولكني أقول انني قضيت الشطر الأطول من حياتي في محاولة دائبة لاعادة قراءة التراث البلاغي والنقدي عند العرب، (وقد كانت هذه القراءة موضوعا لرسالة دكتوراه حصل عليها أحد الباحثين العراقيين من جامعة الأنبار بالعراق)، ونظرا لاتساع مادة الدرس وتغلغلها في معظم مجالات التراث الأدبي والفلسفي والكلامي والديني عند العرب.. فقد كان عليَّ أن أوطن نفسي علي الصبر والمثابرة في تتبع مواد الموضوعات التي أتصدي لدراساتها ومحاولة استقصائها في مظانَّها المختلفة التي قد يبدو بعضها للنظرة السريعة بعيدا عن المجال.
وقد استطعت - بعون الله- عن طريق هذا المنهج الشامل في القراءة أن أفتح الطريق لفهم عدد لابأس به من مسائل هذا التراث، كما استطعت أن أكشف اللبس الذي اكتنف لقرون كثيرة عددا من قضايا النظرية الأدبية، كقضية اللفظ والمعني، وقضية القدماء والمحدثين، ودور التراث الأدبي في تجديد الشعر، وتمخض الحوار بين النحاة واللغويين من جهة، والنقاد والبلاغيين من جهة ثانية عن الفرق بين مستوي اللغة العادية في الاستعمال الحياتي ومستوي اللغة الفنية في الاستخدام الأدبي.
وفي هذا الصدد يصف المتخصصون كتابي (نظرية اللغة في النقد الأدبي)، بأنه أول قراءة في البلاغة العربية من منظور علم الاسلوب اللغوي.
كما تتبعت الخيوط الأولي لتكوَّن وظهور بعض المصطلحات التي حملت مفاهيم محورية في بناء النظرية الأدبية العربية، مثل: مصطلح (شجاعة العربية)، الذي صاغه وبسط مفهومه أبوالفتح بن جني (ت 293ه)، بعد إفادة خصبة من بعض سابقيه.
كذلك كشفت عن المقصد الحقيقي الصحيح لبعض النصوص والأخبار بعد تتبع مناسباتها، وسياقاتها الفعلية التي غُفل عنها، فأسيء فهم النصوص، وحُملت علي غير المراد بها، وصدر ما صدر من أحكام خاطئة مبنية علي ما وقع فيه البعض من غفلة وسوء فهم.
ولأن الشطر الأكبر من النشاط الأدبي والفكري الفني عند العرب نهض حول النص القرآني، دفاعا عنه وابرازا لوجوه الجمال ومظاهر الاعجاز فيه.. فقد عمل ذلك علي دخول الأثر الديني وفاعليته في مكونات عناصر النظرية الأدبية العربية التي لعبت قضية الاعجاز ومفهومه دورا واسعا في صياغتها.. برز ذلك في مباحث مثل: المجاز بتقسيماته المتعددة، وقضية اللفظ والمعني، ومفهوم الشعر، وإعادة تعريفه، وإعادة تسمية بعض الظواهر الاسلوبية المشتركة بين القرآن وكلام البشر، كما ظهر في إعادة النظر في بعض المعايير الأخلاقية في الحكم علي الشعر، وهذه القضايا جميعا، تعرضت لها وبرزت في الكثير من المواضع في كتاباتي المختلفة.
كذلك حاولت الكشف عن أثر الفكر الأجنبي الوافد إلي ساحة الثقافة العربية، نتيجة لحركة الترجمة التي بلغت ذروتها في العصر العباسي، خاصة ترجمة الفلسفة والمنطق اليونانيين، اللذين تركا أثرهما- شأن الفكر الديني- علي الفكر البلاغي وأصول الأدب والنقد في الثقافة العربية، وهو ما ظهر بعضه في كتابي (الأبعاد الكلامية والفلسفية في الفكر البلاغي والنقدي عن الجاحظ).
هذه رحلة تجمع - بلاشك- بين المشقة والمتعة، ولكن ألا تلاحظ أنك منحاز للعمل أكثر في مجال التراث؟
- فرق بين الانحياز إلي التراث والانحياز إلي العمل في مجال التراث.. من الممكن القول إنني متحمس -بالفعل- للتراث، ولكنه ليس حماس التفضيل.. إنه الحماس الذي يسعي إلي تحقيق التوازن المفقود في حياتنا الثقافية، حيث الاندفاع الجارف في اتجاه كل ما يظن أنه جديد، حتي لو كان زائفا أو شكليا ولاطائل من ورائه.
كلمة أخيرة في حوارنا معك.
- أحب أن أختم بكلمة أرددها دائما للشاعر الإنجليزي كولريدج وهي: (إن للناس أن يحكموا عليّ بما حققت بالفعل، أما ما كان بوسعي أن أحققه، فذلك أمر بيني وبين نفسي).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.