حول علاقة الحاكم بشعبه تتشابه التفاصيل التي يلجأ إليها كتاب الدراما ، كأن يكون للحاكم حاشية فاسدة لا تسمح له بالتواصل مع الشعب ، لا تسمح للشعب بالاقتراب من مقر الحكم ، الخوف من التعبير عن حاجاتهم في ظل أساطير تتناقلها الأجيال عن سطوة النظام والاستعباد الذي ينتهجونه عن قناعة . في العرض المسرحي "حدث في بلاد السعادة" طرح الكاتب وليد يوسف فرضية الحاكم الذي يتمني تحقيق مطالب شعب اعتاد قهراً تملق سابقيه ، التعاسة التي تسيطر عليه حين يكتشف توابع قراراته وقلة حيلته في إرضاء البسطاء. النص يحمل رؤية فلسفية لما هو أبعد من تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن البسيط من طعام وشراب ، ويطرح عدة تساؤلات حول أهلية المواطن في تدبير أموره وعدم إتكاله على الآخر ، وكيفية تسييسه بسهولة عن طريق إذهاب وعيه ومحاربة كل ما يقف أمام رغباته. تنوع فضاء المسرح ليجسد قصر الحاكم بما دار فيه من استكشاف أسلوبية حياته ونمطية حاشيته التي تمزج بين الفساد والسلبية ، ثم الانتقال إلى منزل بهلول الحطاب الفقير الذي لا يملك إطعام عائلته ، ثم السوق الخاوي من المبتاعين ، لينتقل مرة أخرى لقصر الحاكم الذي يعيش وهم الاغتيال والمؤامرة التي دبرها له مستشاره للخلاص ، ثم انتقال الحكم ل"بهلول" . أول زياراته كانت للسجون ليكتشف وقع الكلمات الحكيمة على المواطنين وضرورة إغلاقها وإبعادها عن الساحة ، وحينما طالب الحكماء بضرورة وجودهم إلى جواره رفضوا لكنهم نصحوه بالإدارة بما يتناسب مع شعب معدم ، حتى لا ينقلبوا عليه وهو ما لم يفعله وتذكره حينما حدثت المواجهة فاضطر إلى تغيير سياسته. الحاكم الجديد يظل على حاله يرفض الترف ويركز في تلبية حاجة شعبه حتى أنه يرفض أن ترتدي زوجته لباسا من خزانة البلاد ، يتصدى لكيد الوزير الفاسد حتى يفشل في تحقيق السعادة له ولشعبه ، ثم ننتقل لمقر اللهو وشرب الخمر الذي أصبح أقل سعرا من الماء ، فتكون نتيجته تمرد الفقراء عليه بعد إغلاقه للحانة. حاول الغرباوي مليء الفضاء الواسع للمسرح بالاستعراضات والمجاميع وحركة الممثلين فلم يلجأ إلى تقسيمه كما لم يلجأ لعمل استراحة وقدم عرضه في فصل واحد متعدد المشاهد ، كما تم توظيف الديكور بشكل يتناسب وإيقاع العرض فاستعان بأدوات خفيفة يسهل حملها وتغييرها أكثر من مرة ، مما يجعلك لا تشعر بتلك الحركة ولا تمل عينك مشاهدة أدوات لا قيمة لها في العمل. استعان المخرج بعدد من العناصر التي ساهمت في نجاح العرض منها الممثلين ومنهم سيد الرومي ومدحت تيخة وحسن العدل ومحمد حسن مع الممثل العراقي راسم منصور والممثلة الليبية خدوجة صبري وعدد كبير من النجوم الشباب ، كما كانت الأشعار والموسيقى والتصميم الحركي والأزياء والإضاءة من أقوى العناصر في العرض . يؤخذ على العرض أنه بدا مبتورا سواءا في الحوار أو الربط بين الفقرات ما جعل المشاهد يفقد التواصل أحيانا مع الدراما ، كما استخدم فضاء المشاهدين أكثر من مرة دون داع حقيقي سواى الاحتكاك عن قرب مع المتفرج وجعله في قلب الحدث وهو مالم يحدث فعليا ، زاد تشتته بين جوانب المقاعد وخلفيتها إلى أن يصل للمسرح. بدأ عرض "حدث في بلاد السعادة" على مسرح السلام يوم الخميس الماضي للمخرج مازن الغرباوي وبمشاركة المطربين فاطمة محمد على ووائل الفشني الذين كان وجودهما أضافة حقيقية للعرض حيث تم توظيف الغناء بشكل متسق مع الدراما إلى حد كبير ، وحضر العرض الأول عدد من سفراء الدول العربية في القاهرة إلى نجوم وأساتذة المسرح . العرض كتبه وليد يوسف وأخرجه مازن الغرباوي ، كتب أشعاره حمدي عيد ، تأليف موسيقي محمد مصطفى ، تصميم ديكور ، حازم شبل ، تنفيذ ديكور يحيى صبيح ، تصميم أزياء د. مروة عودة ، تصميم إضاءة مصطفى التهامي ، خدع خالد عباس .