يرجع البعض الأزمة الحالية المتمثلة في عدم وجود سيارات حديثة في السوق المصري إلي الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر والذي يجعل الوكلاء والمستوردين في حالة خوف، خاصة أن العملة المحلية تواجه ضغوطا وانخفاضا مع تزايد الطلب علي العملات الأجنبية، وفي المقابل نجد طلبا كبيرا من الزبائن وحجوزات لأشهر قادمة، علي أن يكون المقدم المدفوع ليس للسعر النهائي وانما " تحت الزيادة " المتوقعة،حتي توقعات السوق المحلي للعام الجديد يعتبرها مديرو التسويق في علم الغيب، رغم أنه قمة الرواج والانتعاش في الأسواق العالمية مع طرح موديلات وأشكال جديدة، وربما تنتظر الشركات المعرض المحلي الذي يقام الشهر القادم ليكون لهم طوق نجاة، بعد حالة الغفوة و السبات العميق التي انتابتهم. وهذه الأزمة كشفت ببساطة شديدة مدير التسويق الناجح والذكي الذي يستغل الأزمة وعجز الآخرين ويحولها إلي مرحلة انطلاق لشركته وتلبية احتياجات السوق المتعطش، ويترك للآخرين السير مع القطيع. ويبدو أن الأزمة الحالية ستلقي بظلالها علي حركة تغييرات شديدة في بعض الشركات، خاصة مع أسماء لم تلتزم بالأسلوب العلمي في الإدارة ومراعاة صالح شركاتها، وخضعت للأهواء الشخصية وعلاقات خاصة ستكون هي السبب الرئيسي لاختفاء أسماء كانت ذائعة الصيت في سوق السيارات. أما عن الأزمة فقد كشفت للحكومة المصرية أن لدينا تجارة سيارات وسماسرة لا سلطان عليهم مع غياب القوانين الصارمة وعدم وجود مواصفات تحفظ لمصر كيانها وقوتها في أسواق المنطقة، وحولتنا إلي سوق عشوائي، يسمح بكل شيء ؛ فتحولت مصر إلي جراج كبير ممتليء بالغث، نتج عنه حوادث لألاف الأبرياء الذين يستهلكون السيارات مثل استهلاكهم للفراخ البيضاء، لأننا نستورد السيارات الرخيصة وبأقل مواصفات للأمان. الحكومة المصرية أمامها فرصة نادرة للتخلص من السوق العشوائي للسيارات، ووضع مواصفات أمان عالية وامكانيات خاصة للسيارات التي تدخل مصر، وفي نفس الوقت فتح السوق المصري أمام الشركات العالمية لتصنيع موديلات معينة من سياراتها داخل مصر، وضخ استثماراتها في بلد يتوسط العالم ولديه موانيء علي البحرين الأحمر والمتوسط، ومناطق حرة بقناة السويس يمكن أن نصدر منها إلي دول أفريقيا وآسيا ومعظم دول العالم. نحن بحاجة حقيقية لصحوة كبري واستغلال للأزمة وانقاذ مصر من العشوائية وفتح البلاد للاستثمارات الأجنبية العملاقة، وتحويل مصر إلي بلد منتج وليس مستهلكا، ونحن لدينا المقومات في الصناعات المغذية التي تصدر لمعظم دول العالم، ولدينا صور مشرفة في تصنيع الأتوبيسات السياحية، وأمامنا فرصة لا تعوض لصورة أخري في الملاكي والنقل وغيرها. الاجتماع المغلق للمهندس حاتم صالح وزير الصناعة مع عدد صغير من رجال الأعمال المصريين العاملين في صناعة السيارات، أتمني أن يكون هناك لقاء موسع آخر لصناع السيارات في العالم، ونكتب لمصر تاريخا جديدا في هذه الصناعة التي تدر أرباحا سنوية بالمليارات وتشغل مئات الألاف من الأيدي العاملة.