ليس غريبا أن نصدق النصيحة الشهيرة التي ينصح بها أي انسان يفكر في زيارة مصر والتي تقول : »إذا جئت مصر، فاحرص علي 3 أشياء، زيارة الأهرامات، والشرب من مياه النيل، والاستماع إلي محمد منير».. فهي تعكس حقيقة قيمة وقامة فنان يغرد خارج السرب؛ ويمثل الرقم الصعب في عالم الطرب، والعملة التي يزيدها الزمن قيمة كجوهرة تأبي أن يخفت بريقها، وإنما يزداد لمعانا وأصالة وعذوبة، وربما يكون »منير» الحالة الغنائية الوحيدة التي لاتحتاج لمناسبة للكتابة عنها؛ فمجرد ذكر اسمه فقط يجعل منه مناسبة بما في ذلك ذكري مرور 40 عاما علي احترافه الغناء وصدور أول ألبوماته »بنتولد» عام 1978 وبعده بثلاث سنوات صدر له ألبوم »شبابيك» والذي حقق نسبة مبيعات هائلة فور إصداره، ولا يزال حتي اليوم محتفظاً بالصدارة حيث لم يستطع أي ألبوم آخر تحطيم الرقم القياسي المُسجل باسمه، ليكون بذلك الألبوم الغنائي الأكثر مبيعاً في تاريخ الموسيقي العربية؛ ومن خلاله تربع »الكينج» علي القمة ولم يغادرها حتي اليوم،وبفضل صوته الساحر الذي نجح صاحبه ان يكون صوتاً للمصريين، يشاركهم الحزن قبل الفرح، ينحاز الي آلامهم ومعاناتهم بقدر احتفائه بأفراحهم، فنذر نفسه للغناء واصبح راهبا في محراب الاغنية ؛ فالتف حول صوته اجيال مختلفة لم تلتف حول مطرب قبله أو بعده. ويمكن اعتبار »الملك» - وهوأحد الالقاب الي أطلقها جمهوره عليه - لوحة فنية اشترك في رسم تفاصيلها وصياغه ملامحها عباقرة شعر العامية: فؤاد حداد، صلاح جاهين، أحمد فؤاد نجم، عبد الرحمن الأبنودي، عبد الرحيم منصور، مجدي نجيب، سيد حجاب، كوثر مصطفي، شوقي حجاب،جمال بخيت، عصام عبد الله،ابراهيم رضوان، وبهاء الدين محمد. الغناء للوطن غني »الكينج» للوطن، للانسانية، للغرباء، للحب، للخير.. غني لبراءة الطفولة، للنوبة، للغلابة.. للنيل والقدس، للجيرة والعشرة.. غني للضفائر والصبايا، وشجر الليمون ونعناع الجنينة.. لكنه كان دائما يغني بطريقته الخاصة ولم يقلد أحدا، غني صورا شعرية بكر، وأفكارا فلسفية عميقة، تدعو للتأمل، للتمرد والغضب، والحب المختلف، والتمسك بالناس، وبالأمل .. وفي كل أغانيه هرب منير من كليشهات الأغنية العاطفية السائدة آنذاك، وكلمات اللوع والهجر والاشتياق؛كما أحاط صوته بموسيقي مختلفة شارك في تأليفها وتوزيعها: أحمد منيب، كمال الطويل، بليغ حمدي؛ يحيي خليل، هاني شنودة، حميد الشاعري، عبد العظيم عويضة، جمال سلامة، حسن أبوالسعود، وجيه عزيز، أحمد الشابوري، محمد الشيخ، حمدي رؤوف، مدحت الخولي، حسين الامام، منير الوسيمي، وعمرو محمود وتفرد محمد منير بنوعية الموسيقي التي يقدمها في أغنياته فهي تمزج ما بين التراث النوبي والسلم الخماسي، والفلكور المصري الشرقي، والمدارس الغربية كالجاز والراب والريجي والفانك، وأصوات الالكتريك جيتار والكيببورد، مطرزا ذلك كله بلزمته الشهيرة يويويوه. تنوع التجارب تضاعفت شعبية محمد منير بعد نجاح ألبوم »شبابيك» مما مهد الطريق أمامه لمواصلة مسيرته الفنية، وامتدت شعبيته من مصر إلي كافة الدول العربية، وقدم منير عشرات الألبومات الغنائية خلال سنوات نشاطه الفني حققت جميعها نسب مبيعات مرتفعة، ومن أبرزها: افتح قلبك ممكن الطول واللون والحرية في عشق البنات طعم البيوت الليلة يا سمرا .. ومن اللافت ان ألبوماته الأربعة الأولي تكاد ان تكون حكرا علي شاعر واحد هوعبد الرحيم منصور، وملحن واحد هوالنوبي أحمد منيب، حيث شكل الثلاثي الآتي من عمق الجنوب، تجربة غير مسبوقة في الموسيقي العربية، علي مستوي الكلمات واللحن والأداء وبعد الوفاة المباغتة لرفيقي دربه منصور ومنيب أصبح منير أكثر حرصا علي التنويع في تجاربه والتعاون مع أسماء مختلفة من شعراء وملحنين. كلاسيكيات الطرب في كل ألبوم تقريبا كان منير يعيد تذكيرنا باحدي كلاسيكيات الطرب مثل: أغنية نجاة لولا السهر، وأنا بعشق البحر، ولشادية أسمراني اللون، عدوية محمد رشدي، شيء من بعيد ليلي جمال، حكايتي مع الزمان وردة، تحت الياسمينة الهادي الجويني، صياد محمد طه، وحارة السقايين شريفة فاضل. واذا كان كل مطرب يتأرجح علي القمة صعودا وهبوطا، ينطبق ذلك علي عمرو دياب وعلي الحجار، ومحمد الحلو ومدحت صالح وهاني شاكر ومحمد فؤاد، وغيرهم، الا ان منير »راهب الغناء» ظل أكثرهم ثباتا وتربعا علي القمة، بأسلوبه الخاص وجمهوره الوفي له قرابة أربعة عقود؛ ولعل أكثر جيل ارتبط بصوت منير هوذلك الجيل اواخر السبعينيات، فهذا الجيل تحديدا تابع منير منذ بداياته وتشكلت ذائقته علي أغانيه، وكبر منير؛ وكبر معه هذا الجيل تحديدا ؛ ولكن هذا لم يجعل اجيال الثمانينيات والتسعينيات وما بعدها ترتبط به ارتباطا لا يقل عن ارتباط جيل السبعينيات به فقد أصبح »الكينج» عرابا لكل الاجيال.