لخص أحد مصابى حادث كنيسة القديسيين بالإسكندرية يدعى «يونان غطاس» الموقف قائلا : «إوعى تقوللى إن اللى عمل كده مصرى.. مش ممكن مصرى يعمل العمل الجبان ده.. دول مأجورين من بره.. هدفهم إنه يتقال إن فيه فتنة عندنا فى مصر ويفرق بيننا.. من الآخر.. إحنا شعب واحد.. وحنستمر شعب واحد» ..أذهلتنى كلمات الرجل الواعية رغم إصابته.. وقدرته الفذة على تحليل الموقف ببساطة فى وقت كانت فيه قسوة العاصفة قد أطاحت بعقول الكثيرين. وقد رجح عدد من الخبراء تورط تنظيم القاعدة فى التخطيط وتنفيذ الحادث عن طريق خلايا نائمة أو تجنيد أشخاص أو حتى استيرادهم من بلاد أخرى مثل أفغانستان أو العراق أو حتى غزة أو غيرها.. وأكدوا وجود مؤشرات كثيرة لذلك منها مثلا أن كمية المتفجرات المستخدمة فى حادث الإسكندرية تعد ثانى أكبر كمية تستخدم داخل مصر بعد الجرائم الإرهابية التى وقعت فى شرم الشيخ.. وأن قنبلة الإسكندرية تم تصنيعها بأسلوب متطور لم يتم تنفيذه من قبل، وهو أسلوب فى صنع القنابل أكثر تطورا من الأسلوب الذى استخدم فى قنبلة شرم الشيخ من حيث أسلوب التفجير والتفخيخ.. ومن المؤشرات أيضا البيان الذى أصدره تنظيم القاعدة من خلال فرعه فى العراق المعروف باسم دولة العراق الإسلامية الذى هدد فى الأول من نوفمبر الماضى، وتضمن تهديدا واضحا لنصارى مصر.. هذا بالإضافة إلى انتشار العديد من التنظيمات الموالية للقاعدة فى العالم ففى اليمن قاعدة الجهاد فى جزيرة العرب.. وفى لبنان قاعدة الجهاد فى بلاد الشام.. وغيرها، ومن أبرز قياداتهم أبوطلحة السودانى.. وأبو أشرف الليبى وعامر عزيزى المغربى - الذى نسق العمل لتنفيذ هجمات مدريد.. وحبيب أكداشى الذى قاد الهجمات الإرهابية التى تمت فى تركيا. مقاولو الدمار رحلة طويلة قطعها بن لادن من الهدوء الشخصى إلى العنف الدموى.. ومن العمل فى مجال رصف الطرق إلى مقاولات الموت والدمار وقتل الأبرياء.. حضر والده محمد عوض بن لادن من حضرموت إلى السعودية عام 1930 وعمل «شيالا» فى ميناء جدة وتحول إلى مقاول كبير ورحل عن الدنيا بعد أن ترك لأولاده ثروة تقدر بنحو مليار دولار وكان نصيب ابنه أسامة منها 20 مليون دولار وكان عمره تسع سنوات.. وبعد أن حصل على شهادة فى علوم الإدارة والاقتصاد من جامعة الملك عبدالعزيز.. عمل فى المقاولات لفترة ثم بدأت علاقته بأفغانستان منذ الأسابيع الأولى للغزو السوفيتى لها فى 26/12/1979 وشارك فى تجميع المجاهدين العرب والأفغان للحرب ضد السوفيت.. وأسس بن لادن ومعاونوه ما عرف بسجل القاعدة عام 1988 وكان عبارة عن معلومات تشمل تفاصيل كاملة عن حركة المجاهدين العرب قدوما وذهابا وتدريبا والتحاقا بجبهات القتال.. وكان بن لادن قد تعرف على اثنين من المصريين من قادة تنظيم الجهاد وساعداه على تأسيس تنظيم القاعدة هما عبدالله عزام الذى قتل بعد قليل فى انفجار غامض.. وأيمن الظواهرى الذى مازال ملازما لبن لادن حتى الآن.. وأيمن يعتبر الآن ثانى أكبر قيادة فى القاعدة.. ورصدت الإدارة الأمريكية 25 مليون دولار لمن يدلى بمعلومات تؤدى إلى القبض عليه نظرا لخطورته.. وأيمن الظواهرى أشهر الأطباء المصريين للأمراض الجلدية.. وعم أمه هو عبدالرحمن باشا عزام أول أمين عام للجامعة العربية.. وتدرج أيمن فى الجماعات الإرهابية المصرية وقبض عليه يوم 23/10/1981 وكان أميرا لتنظيم الجهاد ومسئول التوجيه الفكرى فيه.. واتهم فى قضية مقتل الرئيس السادات، وأفرج عنه لعدم كفاية الأدلة وأودع السجن بعده بتهمة حيازة أسلحة غير مرخصة.. وفى عام 1985 سافر إلى السعودية للعمل كطبيب عيون، ولكنه لم يستمر، وسافر بعدها إلى أفغانستان، حيث التقى ببن لادن وأسس معه تنظيم القاعدة.. ويبدو أن أيمن كان قد تأثر كثيرا بخاله محفوظ عزام تلميذ سيد قطب ومحاميه ومنفذ وصيته.. مما ساعده فى أن يصبح مفكر تنظيم القاعدة.. وعموما اتهم تنظيم القاعدة بالقيام بعدد كبير من العمليات الإرهابية. ومازال أيمن الظواهرى - الذى تحول من طبيب يعالج الآلام إلى الأب الروحى للقتلة المأجورين- يعمل مساعدا لمقاول الموت والتفجيرات أسامة بن لادن. شركة عالمية للإرهاب وتشير دراسات الإرهاب إلى أن القاعدة تحولت من تنظيم إلى شبكة ثم إلى فكرة أو حالة ثم إلى تنظيمات فرعية صغيرة.. وتعمل القاعدة الآن من خلال هيكل شديد التعقيد يمثل دوائر متتالية لكل منها آليات عمل مختلفة وبطريقة يصعب فهمها.. وجاء ذلك نتيجة للحرب العالمية للإرهاب التى أدت إلى تفكيك التنظيم الأم وقتل واعتقال أغلب قياداته ومحاصرة تمويله وإمداداته مما أدى إلى صعوبة اتخاذ القرارات على المسئول المركزى والمزيد من حرية الحركة للتنظيمات التابعة التى تقترب من الحكم الذاتى، وتحول بن لادن إلى مرشد أعلى للتنظيم والظواهرى إلى الأب الروحى الذى تظهر تسجيلاته من وقت إلى آخر لتوجيه عناصر الشبكة الإرهابية التى لا يمسك بخيوطها.. وهكذا تراجع تأثير القيادات العليا لصالح قوة التنظيمات المختلفة التى تقدرها بعض دراسات الإرهاب بنحو 25 مجموعة تعمل بأسلوب الخلايا النائمة مثل خلية فرانكفورت التى نفذت عملية 11 سبتمبر 2001 والخلية التى نفذت عملية مدريد والخلية التى نفذت عملية لندن وانتشرت المجموعات الموالية للقاعدة فى العراق واليمن وغزة ولبنان وشمال أفريقيا وفى أمريكا وعدد من الدول الأوروبية.. وبعد أن تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية لتنظيم القاعدة الأم وفقد الكثير من قوته اتجه مؤخرا للعمل لحساب أجهزة مخابرات بعض الدول ربما فى باكستان أو أفغانستان وحول العراق، وربما إسرائيل وأحيانا المخابرات الأمريكية ذاتها.. وهكذا تحول تنظيم القاعدة من شركة ضخمة متعددة الجنسيات، وعابرة للحدود إلى مجرد قاتل أجير يعمل لحساب من يدفع وبعد أن فقد قدرته على تنفيذ عمليات تهز العالم اتجه إلى تبنى عمليات إرهابية صغيرة هنا أو هناك تسبب الفزع والفوضى وتحقيق بعض الأهداف الدينية فى أماكن متفرقة من العالم.. وقد يكون حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية واحدة منها. عبقرية الضعف وفى المجتمع الافتراضى cyber socity عبر شبكة الإنترنت وجد تنظيم القاعدة حلا عبقريا لحالة الضعف التى أصابته .. وأتاح له سرعة فى التنسيق والمتابعة ووسيلة جيدة للتجنيد والتوجيه عن بعد ووصول المعلومات إلى عناصرها فى أى مكان ومن أى مكان كما سمح للقاعدة بتجاوز حدود المكان الجغرافى والزمان من خلال بناء تنظيم عبر الإنترنت يتسم بالفاعلية وإدارة الأعمال بسرعة رغم وجود أعضائه فى أماكن متفرقة فى العالم. ومازالت كلمات الأخ يونان غطاس مصاب حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية تتردد فى وجدانى «دول مأجورين من بره هدفهم إنه يتقال إن فيه فتنة عندنا»..