عاطف بشاي يكتب : الذين اعتبروا "جمال أسعد" عدواً للأقباط "يهوذا" في البرلمان حسنا فعل المفكر والسياسى والنائب الجديد المعين فى مجلس الشعب «جمال أسعد» حينما أعلن بسرعة فور تعيينه بديهية أنه لا يمثل الأقباط فقط، لأنه نائب لكل المصريين. المدهش بالطبع، بل المؤلم فى الحقيقة أن نسعد ببديهية أعلنها جمال أسعد يدافع بها عن نفسه، حيث إنه متهم قبل أن يبدأ عمله أنه صاحب رأى.. وأصحاب الرأى فى هذا الزمن الضنين لا تجادلهم المؤسسات القمعية بالرأى الآخر.. ولا تقارعهم الحجة بالحجة.. بل تسعى لمصادرتهم وتطاردهم بلعناتها - التى تصورها على أنها لعنات الرب - وتحاول بكل الطرق أن تنفى وجودهم.. أو على الأقل تحاصرهم فى الدائرة الخانقة التى تفرض عليهم دائما أن يتفرغوا لرد الاعتداء . لعل خطورة غضب الكنيسة وغضب الكارهين من الأقباط لشخص «جمال أسعد» حيث يصفونه بأنه عدو الأقباط الأول وأنه «يهوذا العصر الحديث» لأنه خائن للكنيسة يتهمها بأنها تريد إنشاء دولة داخل الدولة.. وأن تعيينه فى البرلمان هو يوم أسود على الكنيسة القبطية التى أعلنت الحداد وإسدال الستائر السوداء.. كما أن هناك تلويحا بإلغاء احتفالات عيد الميلاد والاقتصار على إقامة القداس فى مقر إقامة البابا الحالى بدير وادى النطرون. خطورة هذا الغضب أنه يكشف بجلاء ووضوح ساطع المأزق الذى يعانى منه الذين يعلون من شأن «الطائفية فوق المواطنة» ويخلطون خلطاً معيباً بين ما هو دينى وما هو سياسى، بل بين ما هو فنى واجتماعى وكروى أحيانا. أعرف أقباطا يشجعون الزمالك كانوا يعشقون «حسن شحاتة» ويحملونه على الأعناق ويهتفون له وللفن والهندسة حينما كان لاعبا.. أصبحوا يكرهونه كراهية الموت حينما صار مدربا للفريق القومى لأنه يتجاهل اختيار لاعبين مسيحيين ضمن صفوف المنتخب الوطنى.. بل لقد صاروا يكرهون المنتخب ويتمنون له الفشل والهزيمة! والرجل يصرخ: أين هم هؤلاء اللاعبون المسيحيون الأكفاء لأضمهم فورا؟!.. إنهم يرون أنه ليس مهما أن يخسر الفريق وليذهب المنتخب إلى الجحيم.. المهم أن تكون هناك نسبة قبطية ب «التعيين».. والتعيين هنا يفرض على عضو المجلس القبطى «المعين» أن يكون لسان حال الأقباط.. يتحدث بلسانهم، ويعبر عن معاناتهم، ويدافع عن حقوقهم المهدرة باعتبارهم قلة «مضطهدة». وبهذا المفهوم الشاذ والضيق والمعادى للعقل، فإن مبدأ التعيين نفسه - لا الانتخاب - لا يضيرهم.. ولا يستشعرون ما به من إهانة، حيث إنه ضمنيا يضعهم فى خانة الأقليات التى تسعى لامتيازات أو ترضيات أو مكاسب تطمح إلى تحقيق بعض مطالبهم.. غافلين تماما أنهم شركاء وطن واحد ولهم حقوق المواطنة التى ينص عليها الدستور وليسوا مجرد «جالية» تتمركز فى «جيتوهات» عنصرية تعانى من مشاكل طائفية تحصرها فى مطالب دينية محدودة، وإن كانت مشروعة - وتبعدهم عن مشاكل «دنيوية» تخص مجتمعاً بأكمله بمسلميه ومسيحييه.. بأغلبيته وأقليته.. وقد لاحظت - وأنا هنا لا أعمم - أن كثيرا من العائلات المسيحية التى يتصادف أن ألتقى بها فى أماكن مختلفة - وأغلبهم من أبناء الطبقة المتوسطة المطحونة - لا يتحدثون عن نار غلاء الأسعار، وشظف العيش وتدنى الأجور ونقص الخدمات وأزمات التعليم والإسكان والصحة والبطالة، ولا حتى يتحدثون عن المشاكل الاجتماعية التى يكتوون بها ويعيش فى كنفها عدد غير قليل منهم، حياة قاسية غير إنسانية تلك الخاصة بقوانين الأحوال الشخصية وشروط الطلاق والزواج الثانى المجحفة.. بل يتحدثون بغضب واستياء شديد عن نقص دور العبادة وعدم تعيين الأقباط فى مناصب معينة.. والتعنت فى الترقيات الوظيفية. وفى حالة الانتخابات - والسؤال يأتى على لسان الباحث المستنير «سمير مرقص» - هل يتحرك الأقباط كمواطنين لكل منهم رؤيته السياسية وبرنامجه الانتخابى.. وهو ما نطلق عليه الحالة المواطنية أم يتحركون ك «أقلية دينية» فى مواجهة أغلبية دينية شأنهم فى ذلك شأن العشيرة أو العائلة الممتدة فى الريف.. وهو تحرك يكون مستقلا عن حركة الجماعة السياسية، فالمهم هنا مصلحة العشيرة أو الملة. وأضيف للسؤال سؤالا آخر: وفى حالة «التعيين» ما الذى يملكه الستة الآخرون باستثناء «جمال أسعد» من رؤية سياسية أو تصور مجتمعى لمشاكل وقضايا تمس الوطن وتمس جموع المصريين - وليس الأقلية القبطية؟!.. أغلب الظن أن وجودهم ليس له معنى سوى التدليل على تواجد الأقباط.. والتأكيد على حرص المسئولين على عدم التمييز الطائفى. والمدهش أن هذا التصور الطائفى الضيق لوظيفة النائب القبطى داخل البرلمان هو ما يسيطر على تفكير رجال الكنيسة وأقطابها.. وليس العامة منهم، بل إن ما يسيطر على تفكير رئيس الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، فالمستشار نجيب جبرائيل يصرح بأن الدولة تكرس فكرة «الطائفة» بصورة شاذة، حيث قامت باختيار عدو للأقباط هو «جمال أسعد» فى منصب حساس هو مجلس الشعب.. متسائلا: ما تاريخ السبعة الأقباط الذين تم تعيينهم فى المجال السياسى وما الآليات التى سوف يتبعونها فى إيجاد حلول لمشكلات الأقباط؟.. وكان من المفترض الرجوع للمسئولين الأقباط قبل ترشيح هؤلاء النواب. ونحن من جانبنا نتساءل: من هم هؤلاء المسئولون الأقباط المفترض الرجوع إليهم؟ قداسة البابا؟ كبار الكهنة؟ أعضاء المجلس الملى؟ زعماء أقباط المهجر؟ وأى مسئولية تلك التى يقصدها؟.. مسئولية «دينية» عن منصب سياسى؟ وفى دولة مدنية؟