تقدم عدد من المحامين والنشطاء الأقباط المنتمين لمختلف المنظمات والهيئات القبطية في مصر ببلاغ إلي النائب العام يتهمون فيه الدكتور يوسف زيدان، صاحب رواية «عزازيل» المثيرة للجدل، بازدراء المسيحية وذلك علي خلفية حواره مع جريدة اليوم السابع الذي ذكر البلاغ أنه قال فيه إن العصور التي سبقت عمرو بن العاص كانت أكثر ظلاما وقسوة علي المسيحيين وإن ما يلقن للأطفال في مدارس الأحد ويحشون به أدمغة القصر ما هو إلا أوهام وضلالات تجعلهم في عزلة عن المجتمع فيسهل علي الكنيسة استخدامهم سياسيا مضيفا أن التأثر بالأساطير القديمة هو الذي جعل المسيحيين يعتقدون أن الله هبط لينقذ البشرية في الأرض وعلق ساخرا «طيب ما كان ينقذها وهو فوق». اللافت أن معظم تعليقات القراء التي كتبوها علي الحوار المنشور علي موقع اليوم السابع انصبت في الاعتراض العارم من المسلمين علي عبارة واحدة قالها الدكتور يوسف زيدان عن عهد عمرو بن العاص حيث قال إنه سبق أن وصف ما فعله ابن العاص من فرض جزية عالية اضطرت الناس إلي بيع أطفالها بالأمر القبيح قال ذلك ردا علي قبطية تدعي جاكلين سألته: لماذا لا ينتقد التاريخ الإسلامي مثلما يفعل مع التاريخ المسيحي؟ وبالرغم من احتواء الحوار علي العديد من العبارات التي تطعن في صلب العقيدة المسيحية إلا أن عبارة عمرو بن العاص تحولت إلي لوحة تنشين معظم القراء علي الموقع. وبشكل عام كان تعبير «ازدراء المسيحية» جديدا علي مسامعنا فلم نعتد من الأقباط علي استخدامه فهل كان استخدامهم لهذه العبارة نوعا من أنواع المطالبة بالمعاملة بالمثل؟ وهل كان هؤلاء النشطاء الأقباط سيقدمون نفس البلاغ إذا كان الجو العام يسمح بنقد العقيدة الإسلامية بنفس الطريقة؟ يقول أحد الشخصيات العامة القبطية الذي طلب عدم ذكر اسمه: «البلاغ عند النائب العام في أمر كهذا لا يجدي لكنني لا أستطيع أن أقول ذلك علانية لأنه سوف تأتيني ردود الأقباط الغاضبة قائلين طيب ماحنا بيتعمل وبيتقال علينا»! سألت المحامي والناشط القبطي الدكتور نجيب جبرائيل أحد الموقعين علي البلاغ: «هل كان الأقباط سيغضبون بنفس القدر لو كان يسمح بانتقاد الدين الإسلامي بنفس الطريقة التي انتقد بها زيدان المسيحية؟'' فأجاب: «هناك فارق بين نقد الأديان وبين التهكم عليها فيمكنني أن أقول علي سبيل المثال: إن الاكتفاء بزوجة واحدة هو أمر جيد، لكن عندما أقول إن السماح بتعدد الزوجات أمر مقزز فأكون بذلك أتهكم علي الدين الإسلامي».. لكن ألا يعتبر ذلك نوعا من تقييد حرية التعبير؟ كان رأي المحامي القبطي «أنه لم يعترض علي إصدار رواية «عزازيل» التي يراها تقع في إطار حرية التعبير لكن ما قاله زيدان لم يكن بهدف النقد!».. علي الجانب الآخر تري النائبة القبطية ابتسام حبيب أن الأديان ليس مجالها لا النائب العام ولا ساحات المحاكم ولا حتي أروقة البرلمان وبالرغم من تأكيدها علي رفضها للتطاول علي أي دين إلا أنها تري أن الفكر لا يتم الرد عليه إلا بالفكر والحجة لا تواجه إلا بالحجة. لكن كان للقمص عبدالمسيح بسيط رأي آخر فيقول: «هناك قنوات إسلامية مثل الناس والحكمة والحافظ تستضيف أناسا غاية في التعصب والمذيع يعتبر كتابا يدّعي تحريف الكتاب المقدس من أعظم الكتب وآخر يعلق علي بيع الكتب المسيحية بمعرض الكتاب بأسعار رخيصة قائلا «علي النصاري أن يراعوا العهد الذي بينهم وبين الأغلبية» ويعلق الأب عبد المسيح: «هذا المذيع المتخلف يريدنا أن نعيش بمبدأ أننا المهزومون الذين عليهم الرضوخ طوال الوقت وليس لديهم الحق للحديث عن دينهم» .. سألناه: «لكن الدكتور يوسف زيدان ليس مثل هؤلاء لكنه يتحدث بأسلوب علمي فلماذا تقديم بلاغ ضده؟» أجاب «الكنيسة لا ترفع قضايا، لكننا لن نقف في وجه أبنائنا الذين يريدون الدفاع عن احترام عقيدتهم وأنا شخصيا رددت علي يوسف زيدان لكنه يتهكم ويسخر ويستخف من الذين يردون عليه.. وقال في إحدي المناسبات الكنيسة ردت علي كتابي في 3500 صفحة! فهو يعتمد علي أن قراءه المسلمين لن يقرأوا كتبنا».. وعن قول المسيح الشهير «من لطمك علي خدك الأيمن حول له الآخر أيضا» قال القس بسيط «المسيح نفسه لم يكن ملطشة لكن عندما ضربه أحدهم علي وجهه أثناء محاكمته رد عليه وقصدت الآية ألا نقاوم الشر بالشر». وهنا يعلق الكاتب صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة قائلا: «استخدام المقايضات القانونية من جانب الأقباط في الفترة الأخيرة هو نوع من أنواع المطالبة بالمعاملة بالمثل، حيث كان اتباع هذا الأسلوب مقصورا علي المسلمين المتشددين الذين يرفعون قضايا ضد شخصيات مستنيرة، لكن فيما يبدو أن بعض المسيحيين بدأوا يستخدمون نفس السلاح.. «ودعا صلاح عيسي الجميع إلي التعفف عن المقارنة بين الأديان أو ملاسنة بعضنا البعض».. سألته: «لكن كيف يتقدم الفكر دون تفكير نقدي لا يعرف المسلمات؟» أجاب: «ذلك يمكن أن يحدث من أتباع نفس الديانة لكن لا يصح أن يطعن المسيحيون في القرآن ويشكك مسلمون في صحة الكتاب المقدس، وكثيرا ما يقدم لي كتاب مسيحيون مقالات ينتقدون فيها الإسلام لنشرها في جريدة القاهرة فأرفض نشرها» ويري عيسي أن نقد الأفكار الدينية مكانه المجامع العلمية والنقاشات الخاصة وليس الصحف والإعلام. يؤيد هذا الرأي الدكتور عصام إسكندر أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس فيقول: «كان من الممكن أن أقبل كلام الدكتور زيدان إذا قاله في جلسة دردشة خاصة بيني وبينه فالمصريون طول عمرهم يقولون نكت علي القساوسة والشيوخ، لكن لم يكن يصح أن يقال في مكان عام، وأنا أعتقد أن الدكتور يوسف زيدان قد راجع نفسه فيما قاله». اتصلنا بالدكتور يوسف زيدان لاختبار مدي صحة ظن الدكتور إسكندر فرفض التعليق تماما مشيرا إلي الفاكس الذي أرسله مكتبه إلي الصحف يعلن فيه رفضه التام لأي تعليق. شرح أستاذ الفلسفة: «نحن نعاني من حالة احتقان وحساسية مفرطة وهوس ديني لم يعد موجودا في الغرب وتقبل نقد الأديان يحتاج إلي وعي عام يفتقده المجتمع» سألته: «وإلي متي سيظل المجتمع مفتقدا لهذا الوعي وإلي متي سنظل نعلمه كطفل أو كغبي نخاف من عدم استيعابه»؟.. أجاب: «الكاتب الفرنسي بيير داكو يجيب عن السؤال: لماذا تفشل الثقافة في إحداث التغيير المطلوب؟ وذلك لأن هناك تركيبة نفسية وعاطفية للمجتمع لا يمكن التعامل معها من خلال العقل فقط.. فمن المستحيل إقناع أي شخص مهووس دينيا بشكل عقلي لأن كلامك بالنسبة له سيكون خارج إطار فهمه» ويؤيده في الرأي النائب القبطي بالشوري الدكتور نبيل لوقا بباوي قائلا: «المناخ العام لا يتحمل هذه الثقافة الفلسفية التي تجرح الوجدان الديني» ويضيف: «وأخشي أن يجرح أحد المتعصبين المسيحيين في الإسلام ويدخل في مسألة الرسول والوحي ردا علي كلام الدكتور يوسف زيدان عن عقيدة التجسد»، وينصح الدكتور بباوي أن «يكون حوار الأديان حول المناطق التي يتفق حولها الأديان وأن ينأي بنفسه عن الخلافات». أما القس رفعت فكري راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا فيرفض تماما وصول هذه الأمور إلي المحاكم قائلا: «العالم الحر لا يعرف شيئا اسمه ازدراء الأديان والحرية تعني الرد علي الفكر بالفكر لكن الحرية لا تتجزأ فيجب أن تطبق علي الجميع». أما الدكتورة مني أبو سنة أستاذة الأدب الإنجليزي فقالت : «علي الرغم من أنني ضد رفع القضايا في المحاكم في المسائل الدينية إلا أنني وفي هذا الموقف تحديدا أؤيد ما فعله المحامون الأقباط، فإذا كان الدكتور يوسف زيدان يريد عمل إصلاح فهذه ليست الطريقة»! وتحدت أبو سنة الدكتور زيدان قائلة: «أتحدي يوسف زيدان أن يستطيع أن يؤول القرآن تأويلا عقلانيا مثلما فعل ابن رشد! وأضافت: «روح اعمل في دينك ما تفعله في دين غيرك» وبالرغم من تأييد الدكتورة مني أبو سنة لموقف الناشطين الأقباط، لكنها قالت إن تعبير ازدراء الأديان هو تعبير قادم من القرون الوسطي عندما كانت الكنيسة هي المتحكمة في السياسة ولم تظهر مرة ثانية إلا مع الأصولية الإسلامية»! يتوقع جبرائيل أنه في حالة كسبهم للقضية ستتراوح عقوبة مزدري المسيحية حسب وصفه من 6 أشهر إلي 6 سنوات مشددا علي أن أصحاب البلاغ لن يتنازلوا عنه مهما قدم الدكتور زيدان من اعتذارات خاصة أن لديهم شريط الكاست الذي سجل له في جريدة اليوم السابع.؟