ليس صحيحا أن طرفى الرشوة اللذين نواجههما فى هذه الفضيحة هما الدكتور مدحت محمد عبد المنعم صالح صاحب المكتب الاستشارى للهندسة الصحية والبيئية وحازم كمال مصطفى صاحب ورئيس مجلس إدارة الشركة الدولية لتكنولوجيا البيئة ( اينتك )، لكن هناك طرفا ثالثا مسكوتا عن دوره يتمثل فى التحالف بين الاستشاريين المشرفين على تنفيذ مشروعات محطات المياه والصرف الصحى والمقاولين المسند لهم تنفيذ هذه المشروعات فيما يسمى بمقاول الباطن. ما حدث الثلاثاء الماضى من ضبط عميد كلية هندسة الأزهر السابق واستشارى وزارة الإسكان لمشروعات الشرب والصرف الصحى متلبسا بتقاضى 800 ألف جنيه رشوة مالية من المقاول حازم كمال مقابل اعتماد الرسومات والتصميمات التى قدمتها شركة الأخير لتنفيذ مشروع توسعات محطة المياه والصرف الصحى بقرية طنان التى تقع بمحافظة القليوبية، وكذلك للتغاضى عن مخالفات تنفيذ المشروع يعتبر ثقبا كبيرا فى جدار وتعاملات وزارة الإسكان مع المكاتب الاستشارية التى تتحالف وتتشابك مصالحها مع المقاولين على حساب المال العام والمصلحة العامة وسوء تنفيذ مشروعات المياه والصرف الصحى. هذه الفضائح تنفجر كل فترة زمنية فى أشكال مختلفة إما فى صورة انفجار مواسير المياه أو فى صورة تلوث المياه باختلاط مياه الشرب مع مياه الصرف الصحى أو فى صورة طفح المجارى. تدور التكهنات والمراهنات عن سبب انفجار مواسير الصرف الصحى ويتم تشكيل اللجان الفنية لفك الألغاز لتكون الإجابة هي المجهول!! المفاجأة أن فضيحة الرشوة للاستشارى الكبير ومقاول الباطن وضعت الكثير من النقاط على الحروف، وهو ما يعيدنا إلى يوم الثلاثاء الماضى الذى تمت فيه عملية القبض على كل من المرتشى صاحب المكتب الاستشارى ومقاول الباطن الراشى فى حالة تلبس باستلام آخر الشيكات من مبالغ الرشوة الذى بلغت قيمته 120 ألف جنيه من جملة مبالغ الرشوة التى بلغت 800 ألف جنيه. يرجع سبب اختيار يوم الثلاثاء الماضى لعملية ضبط المتهمين إلى التسجيلات التى قام رجال الرقابة الإدارية بتسجيلها بعد استئذان النيابة التى بدورها كشفت عن ميعاد تسليم آخر الشيكات من جانب مقاول الباطن حازم كمال للاستشارى مدحت محمد عبد المنعم صالح بمنزله بالمهندسين ليقوم عضوا الرقابة الإدارية أحمد البحيرى وهشام عطا الله بعملية القبض على المتهمين. فى هذه الأجواء تم تفتيش منزل الاستشارى الذى يقع بمنطقة المهندسين ليتم العثور على كعب آخر شيك سلمه له مقاول الباطن وكذلك مبلغ 100 ألف جنيه، تم إيداعها فى خزينة المحكمة، وعقد عرفى خاص بمشروع صرف صحى بمحافظة مرسى مطروح ما بين نفس المقاول والاستشارى، وعند تفتيش مكتب مقاول الباطن حازم كمال عثر على جميع كعوب شيكات عملية الرشوة، التى بلغت 800 ألف جنيه باسم الاستشارى الدكتور مدحت صالح. المفاجأة أن استشارى وزارة الإسكان هو زوج ابنة وزير الإسكان الأسبق محرم باخوم والأخير أيضا استشارى لمشروع الصرف الصحى بمحافظة مرسى مطروح. المثير أن الفيللا التى يسكن فيها حازم كمال مقاول الباطن تقع بمنطقة القطامية هايتس بجانب فيللا الدكتور مفيد شهاب مما كان يسبب بعض الإعاقات فى عملية القبض على المتهمين من جانب رجال الرقابة الإدارية، الغريب أيضا أن الفيللا التى يسكنها مقاول الباطن هى فيللا بالإيجار رغم أنه يملك 20 فيللا داخل القطامية هايتس. من المفارقات أن الدكتور مدحت صالح الذى يبلغ من العمر 65 عاما من أكبر المهندسين الاستشاريين وهو الذى يضع الكود المصرى للمواسير، هذا من جهة ومن جهة أخرى يعتبر أهم أصحاب مصانع المواسير أحمد عبد العظيم لقمة، عثمان جروب، شركة الخرسانة سابقة الإجهاد. يبرز فى هذا السياق أن وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان فى عام 2001 استبعد الاستشارى مدحت صالح من وزارة الإسكان لازدواجية تعامله مع المقاولين بقيامه بتحرير عقد مع أحد المقاولين على نفس المشروع الذى يشرف عليه من جانب وزارة الإسكان، أى يحصل على نسبة 5,2% من وزارة الإسكان، وفى نفس الوقت يحصل من المقاول على 1% من قيمة المشروع ليحل محله مكتب ضياء المنيرى، وربما لم تتحسب وزارة الإسكان في عهد المغربي إلي التاريخ السابق للاستشاري مدحت صالح وهي تعيده مرة ثانية إلى موقعه السابق فى وزارة الإسكان كاستشارى لمشروعات الشرب والصرف الصحى. ثمة أوجه أخرى جديرة بالرصد، وهى أن المتهمين عند مواجهتهما بما تحمله التسجيلات اعترفا بعملية تسليم المبالغ المالية. باعتبار أنها تخص مشروع مرسى مطروح للصرف الصحى رغم أن استشارى المشروع هو والد زوجة مدحت صالح وزير الإسكان الأسبق محرم باخوم. المعروف أن هذا المشروع ما تم تنفيذه منه قيمته 35 مليون جنيه ونسبة الاستشارى فى هذا المشروع 1% أى ما يساوى 350 ألف جنيه كل مستحقات الاستشارى فى حين أن مبلغ الرشوة الذى تم ضبطه كعوب شيكاته 800 ألف جنيه. إضافة إلى ما سبق نفى المتهمان الاستشارى ومقاول الباطن أن تكون أصواتهم هى الموجودة بشرائط التسجيلات بعد قيام النيابة بمواجهتهما بما تحمله هذه الشرائط من اعترافات وتحديد مواعيد لتسلم مبالغ الرشوة. على خلفية ما سبق أمرت نيابة شرق بتشكيل لجنة فنية من خبراء الأصوات بعد الحصول على بصمة صوت المتهمين لمطابقة بصمة الصوت بالصوت الموجود فى التسجيلات وتحرير تقرير لتسليمه إلى النيابة. فى نفس الإطار ينتظر أن يتم استدعاء وزير الإسكان الأسبق محرم باخوم إلى النيابة للإدلاء بشهادته وسؤاله حول مشروع الصرف الصحى بمحافظة مرسى مطروح كما أمر المستشار محمد رمزى المحامى العام الأول لنيابة شرق القاهرة بتشكيل لجنة من الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى لفحص الأعمال المالية والفنية لتوسعات محطة مياه الصرف الصحى بقرية طنان التى تقع بمحافظة القليوبية. فى أعقاب القبض على المتهمين بدأت معهما نيابة شرق القاهرة التحقيقات ووجهت لهما تهمة تقديم وتقاضى مبالغ مالية على سبيل الرشوة وأمرت النيابة بحبسهم 4 أيام على ذمة التحقيقات ليتم عرضهما على المحكمة التى قررت إخلاء سبيلهما بكفالة مالية 50 ألف جنيه لكل متهم. الأحداث اللاحقة كشفت أن الهيئة القومية للصرف الصحى قد تعاقدت مع عدد من الاستشاريين الكبار ليقوموا بتسليم مشروعات الصرف الصحى ومياه الشرب بنسبة مالية تتراوح ما بين 5,2 إلى 5,3% من قيمة المشروع مقابل إعداد الرسومات واعتماد المعدات التى تورد للمشروع وكذلك وضع مواصفات وشروط المناقصات. بعيدا عن أى مبالغات بدأ فى الفترة الأخيرة بعض الاستشاريين بالاتفاق مع مقاولى الباطن فى وضع مواصفات المناقصات حتى يتم إسنادها لهم مقابل الرشاوى المالية الكبيرة، فى هذا السياق فاحت الرائحة الكريهة بقيام مقاول الباطن صاحب عملية الرشوة حازم كمال بوضع المواصفات والرسومات للاستشارى مدحت صالح بخصوص مشروع توسعات محطة مياه الصرف الصحى لقرية طنان التى تقع بمحافظة القليوبية مقابل الرشاوى المالية التى يتم الحصول عليها تحت مسمى جديد هو كتابة عقد لمشروع صرف صحى آخر. فى إعادة فحص وترتيب ما جرى من أحداث فى هذه الفضيحة برز اسم المتهم الثانى صاحب عملية الرشوة الذى يدعى حازم كمال مصطفى حسين صاحب ورئيس مجلس إدارة الشركة الدولية لتكنولوجيات البيئة. (أينتك) والتى تقع بشارع الأهرام بضاحية مصر الجديدة وهو فى نفس الوقت رئيس مجلس إدارة العديد من الشركات وكذلك هو وكيل لشركات أمريكية وألمانية الأهم أن مقاول الباطن مسند إليه أكثر من 100 مشروع للجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى التابع لوزارة الإسكان. يقتضى الإنصاف أن نذكر أن مقاول الباطن حازم كمال بدأ كتاجر أدوات صحية بمنطقة الوايلى بالعباسية وجاءت قفزته المالية الكبيرة بعد تولى أحد الوزراء السابقين وزارة الإسكان ومشاركة زوجته زوجة الوزير الأسبق فى شركة مشتركة تسمى «بيووركس» تم تأسيسها عام 2007 وبدأت هذه الشركة تعمل فى أعمال البترول منذ عام واحد فقط. تتابعت الاكتشافات بأن مقاول الباطن حازم كمال من الأصدقاء لوزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان وهو يتمتع بعلاقات قوية وصلات وثيقة بعدد من أصحاب النفوذ .