لبنان عرفت الديمقراطية قبل معظم البلدان العربية ولكنها ديمقراطية منقوصة لا تشمل بنات لبنان شاءت الظروف أن أشارك فى عدة ملتقيات على مدى شهر كامل، بدأ فى أواخر فبراير وانتهى آخر مارس، وقد اقتضى ذلك السفر إلى ثلاث مدن مصرية ومدينتين خارج مصر هما بيروت واستنبول. جاءتنى الدعوة لبيروت من الدكتورة أمان كبارة شعرانى، رئيسة المجلس النسائى اللبنانى والأديبة إقبال غانم رئيسة اللجنة الثقافية، وقد لبيت الدعوة بكل سرور رغم أنى كنت فى بيروت فى نوفمبر الماضى بدعوة من الأديبة المعروفة سلوى الأمين رئيسة «ديوان أهل القلم» . لا أنكر إعجابى الشديد بالشقيقة اللبنانية التى تتميز بصفات ثلاث هى الأناقة والرشاقة واللباقة.. تلك صفات عامة تلمحها وتشعر بها وأنت تتجول فى شوارع حى الحمرا الشهير، فلا شك أن اللبنانية من أكثر نساء العالم ثقافة وتتمتع بإمكانات عالية أهلتها لتبوؤ مراكز رفيعة فى كثير من الدول التى هاجرت إليها، من بينها على سبيل المثال هيلين توماس كبيرة مراسلى البيت الأبيض التى احتفلت مؤخراً بعيد ميلادها التسعين مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما، كذلك خاضت المرأة اللبنانية المعترك السياسى بقوة فى دول أمريكا اللاتينية نائبة ووزيرة وحتى مرشحة لرئاسة الجمهورية. أما المجلس النسائى اللبنانى فهو منظمة غير حكومية تأسست عام 1952 ويقوم بدور مؤسسة حاضنة للحركة النسائية اللبنانية، ويضم حاليا 166 جمعية نسائية ومدنية منتشرة على الأراضى اللبنانية كافة من الجنوب إلى الشمال، ومن البقاع إلى الساحل والجبل، وتمثل تعددية وتضامن أعضائه الوحدة الوطنية اللبنانية. وقد قرر «المجلس النسائى اللبنانى» أن يحتفل بيوم المرأة العالمى بطريقة مبتكرة وهى افتتاح معرضه الأول من نوعه فى لبنان والمنطقة العربية بعنوان «ما كتب عن المرأة وما كتبته المرأة عن نفسها» وكان لى شرف تمثيل الكاتبات المصريات فى هذه المناسبة التاريخية، التى حرص وزير الثقافة سليم وردة على حضورها مع حشد من الدبلوماسيين العرب والأجانب، بالإضافة إلى رئيسات المجلس النسائى السابقات وممثلات لجمعيات وهيئات المجلس ومنظمات المجتمع المدنى. والدكتورة أمان كبارة شعرانى رئيس المجلس النسائى اللبنانى منذ عام 1992 كما ترأس جمعية الإنماء التربوى فى طرابلس ، وقد رفدت المكتبة العربية بأحد عشر كتابا. المثير فى أمر الشقيقة اللبنانية أنها كانت أول امرأة عربية تنال الحقوق السياسية «الانتخاب والترشيح» عام 1953 وعلى مدى أكثر من خمسين عاما من العمل من أجل مجتمع لبنانى متكافئ الفرص للرجل والمرأة مازالت النتيجة صفراً. ففى الانتخابات النيابية التى جرت فى لبنان فى يونيو الماضى، لم يتجاوز عدد النساء اللاتى فزن بمقاعد فى البرلمان أصابع اليد الواحدة، وحتى هذه المقاعد المحدودة لم تفز بها المرأة لكفاءة أو استحقاق وإنما بسبب عوامل أسرية ووراثية تخضع كلها لسلطة الرجل، وهو مبدأ يسرى منذ أن دخلت البرلمان أول امرأة لبنانية، ميرنا البستانى ابنة النائب إميل البستانى الذى قتل إثر حادث سقوط طائرته وتحطمها، فهل تنتظر كل سيدة أن يموت زوجها أو يسجن كى «ترث» مقعده وتحقق حلمها بدخول البرلمان؟ وتشير الإحصاءات والأرقام إلى واقع محبط تماما، فاستناداً إلى نتائج انتخابات 2005 احتل لبنان المرتبة ال123 من 135 للتمثيل النسائى فى المجالس البرلمانية فى العالم، إذ احتلت فيه النساء ستة مقاعد فقط من مجموع 128 مقعدا، أى ما نسبته 4,7% وفى انتخابات 2009 انخفضت النسبة إلى ما دون 4% وتراجع ترتيب لبنان عالمياً من جديد كما تراجع ضمن مجموعة الدول العربية التى تقبع أصلا فى أسفل ترتيب مناطق العالم بنسبة 9,1% بينما يبلغ معدل التمثيل النسائى فى برلمانات العالم 18,4%. عرف لبنان الديمقراطية قبل معظم البلدان العربية، ولكنها ديمقراطية منقوصة لا تشمل بنات لبنان، اللاتى حرمن من لعب أدوار سياسية مهمة. فما هى الأسباب التى تعيق خوض المرأة المعترك السياسى رغم تفوقها الملحوظ والمشهود على الرجل فى المجالات الأخرى؟ هناك عراقيل لا حصر لها أولها: جمود عقلية جميع الشرائح الاجتماعية، وهى لا تقتصر على الأميين فحسب إنما تشمل المثقفين وأصحاب القرار من وزراء ونواب ثانيها: من أين ستتاح لها الملايين للصرف على الدعاية وحشد الأنصار، حيث تتطلب العملية الانتخابية فى كل بلاد العالم مبالغ ضخمة. وصدق أو لا تصدق تفتقت العقلية الذكورية فى الانتخابات الأخيرة عن حيلة عبقرية حيث طلب ممن ترشح نفسها دفع مبلغ ثلاثة ملايين دولار لقبولها فى لائحة هذا السياسى أو ذاك، وهو شرط تعجيزى لإبعاد النساء عن الترشح. ثالثها: الواقع الخاص جدا بلبنان، فنظامه السياسى مبنى على الحصص الطائفية والمذهبية والمناطقية والقبلية التى تعلى من شأن الذكور على الإناث، وهناك تناقض مثير وواضح فى المجتمع اللبنانى، فالمرأة اللبنانية تتمتع بقدر كبير من الحرية الاجتماعية يفوق كثيراً ما تتمتع به المرأة المصرية والعديد من الشقيقات العربيات. وكما هو متوقع لم تفز بمقاعد البرلمان سوى نساء يستندن إلى أسباب دعم قوية كأن يتم انتخابها بعد مقتل الزوج «نهاد سعيد، نايلة معوض، صولانج الجميل» أو سجنه «ستريدا سمير جعجع»، أو بسبب دعم أحد الأحزاب الكبرى «بهية الحريرى وغنوة جلول». والطريف أن السيدات اللاتى دخلن البرلمان بالوراثة يقتصر دورهن على حفظ المقعد إلى أن يكبر الأبناء الذكور فيتسلمونه منهن، والأمثلة على ذلك عديدة هناك. أضف إلى كل تلك العوامل الموقف المتعنت لأعضاء البرلمان من المرأة واتفاقهم على تجاهلها وتهميشها ورفض المجلس السابق مشروع قانون تقدم به المجلس النسائى اللبنانى لتخصيص «كوتا» حصة للنساء فى البرلمان، تضمن تمثيلهن داخل مجموعة ال128 نائبا أو من خارجه وبنسبة %30 كما تقضى الأعراف والمواثيق الدولية رغم أن نظام «الكوتا» معتمد فى 89 دولة. ومثلما يتردد فى مصر ترتفع أصوات تنصح المرأة بأن تنطلق من المطالبة بتغيير قانون الانتخاب وأن تدخل الأحزاب أولا وترتقى السلم درجة درجة حتى تصل إلى أعلى مراكز القرار، وتلك كلمة حق يراد بها تعطيل المشاركة السياسية للمرأة إلى الأبد أو لحين تختفى الطائفية من لبنان وتغير الأحزاب هيكليتها. وحتى حلم «التوزير» فلن يتحقق فى الوقت الحالى بسبب الظروف الخاصة للبنان فزعيم أو رئيس الكتلة النيابية أو رئيس الطائفة هو الذى يعين الوزير. وفى حديث جانبى قالت لى د. أمان كبارة شعرانى: على مدى أكثر من خمسين سنة عملنا من أجل مجتمع لبنانى متكافئ الفرص سواسية للرجل والمرأة، وقد حصلنا على إنجازات عديدة للحركة النسائية اللبنانية من بينها على سبيل المثال عام 1974 حصلت المرأة على حرية التنقل بدون إذن من الزوج وتم إلغاء الأحكام المعاقبة لمنع الحمل، وفى عام 1987 تم توحيد سن نهاية الخدمة للرجال والنساء فى قانون الضمان الاجتماعى «64 عاماً» ثم فى عام 1993 الاعتراف بأهلية المرأة للشهادة فى السجل العقارى. وفى1994 الاعتراف بأهلية المرأة لممارسة التجارة بدون إجازة من زوجها وحق الموظفة فى السلك الدبلوماسى التى تتزوج من أجنبى بمتابعة مهامها، وإنجازات أخرى عديدة للمجلس تدل على مدى الظلم الذى كان واقعا على المرأة اللبنانية، وأن المثل القائل «ما حك جلدك مثل ظفرك» حقيقى مائة فى المائة، لقد ظلت الحكومة اللبنانية مترددة فى التوقيع على الاتفاقية الدولية لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ولم توقعها إلا عام 1996 مع التحفظ على ثلاث مواد أبرزها المادة 16 المتعلقة بالمساواة فى قوانين الأسرة والمادة 9 المتعلقة بالمساواة فى قانون الجنسية على أية حال نالت اللبنانية حقوقاً كثيرة بعد إبرام المعاهدة الدولية فهل تؤذن المرأة اللبنانية فى مالطة ولفتت إلى أن «لبنان المتخبط على مشارف مستقبل، لن يكون مستقبلاً إذا لم تكن إرادة المواطنة فيه دور المجاهدة فى إنقاذه». من حق الدكتورة أمان كبارة شعرانى رئيسة المجلس النسائى اللبنانى أن تحلم فقدر المرأة فى العالم كله ومنذ أن خلقها الله أن «تلم الشمل» وتحفظ «العائلة» وتحمى النشء أو كما تقول أمان كبارة «قدر المرأة أن تلملم أشلاء الوطن، وتصون ثقافته ونحن نؤمن بنبلها وقدرتها على تفجير الإمكانات وأن تتفاعل تفاعلاً خصباً مع الثقافات الأخرى لتغنيها» إذن فلا مفر من أن تصبر المرأة اللبنانية حتى تتحقق الشعارات التى رفعتها الحكومة مثل السيادة، الاستقلال، الحرية، وألا تتوقف عن الهتاف مع الرجال بالشعار الحكومى «أنا أحب لبنان».