مؤتمرات حاشدة لمرشحي القائمة الوطنية بالإسماعيلية قبل الصمت الانتخابي    السيسي يشهد افتتاح عدد من المحطات البحرية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بميناء شرق بورسعيد    جامعة القاهرة والمتحف المصري الكبير ضمن شعار محافظة الجيزة تجسيدا لرمزية الإرث الحضاري والعلمي    حنعمرها تاني.. مبادرة رمزية لإحياء مدينة غزة التي تعاني تحت وطأة آثار الإبادة    الرئيس الأوكراني يعلن اتفاق غاز مع اليونان بملياري يورو    إنجاز دولي للجامعات المصرية بالبطولة العالمية العاشرة بإسبانيا    في غياب رونالدو، تشكيل البرتغال أمام أرمينيا في تصفيات كأس العالم    المشدد 6 سنوات لعصابة سرقة المواطنين بالإكراه في القاهرة    بيع الكيف وسط الشارع.. إحالة 2 من أباطرة الكيف في روض الفرج للمحاكمة    تعليمات جديدة من التعليم لطلاب الثانوية العامة بشأن التابلت    عمرو سلامة: أتعامل مع الأطفال في مواقع التصوير كممثلين محترفين بنفس المسئولية    كاملة أبو ذكري عن خالد النبوي: مفيش زيه.. وقلبه دائما على الشغل    حلا شيحة : دينا الشربينى جدعة ونيتها طيبة ومش خرابة بيوت ولكل من خاض فى عرضها اتقوا الله    عرض أول ل 10 أعمال بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى أهالينا في غزة    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة بجامعة مصر المعلوماتية    أصوات انفجارات لا تتوقف.. قصف مدفعي إسرائيلي على المناطق الشرقية لخان يونس بغزة    ترامب يواصل إفيهات للسخرية من منافسيه ويمنح تايلور جرين لقبا جديدا    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    إيطاليا ضد النرويج.. هالاند يطارد المجد فى تصفيات كأس العالم    اعتماد تعديل تخطيط وتقسيم 5 قطع أراضي بالحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر    البنك الأهلي المصري راعي منتدى ومعرض القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 2025 Cairo ICT    إنجاز دولى للجامعات المصرية بالبطولة العالمية العاشرة للجامعات بإسبانيا    كاتب بالتايمز يتغنى بالمتحف المصرى الكبير: أحد أعظم متاحف العالم    عودة قوية للجولف في 2026.. مصر تستعد لاستضافة 4 بطولات جولف دولية    الأزهر للفتوى: الالتزام بقوانين وقواعد المرور ضرورة دينية وإنسانية وأمانة    الإسكان: حلول تنفيذية للتغلب على تحديات مشروع صرف صحي كفر دبوس بالشرقية    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    «الإسماعيلية الأهلية» تهنئ بطل العالم في سباحة الزعانف    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    القاهرة الإخبارية: اشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع بغرب كردفان    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    سماء الأقصر تشهد عودة تحليق البالون الطائر بخروج 65 رحلة على متنها 1800 سائح    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    بن غفير: لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني هذا شيء "مُختلق" ولا أساس له    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    محمد فراج يشعل تريند جوجل بعد انفجار أحداث "ورد وشيكولاتة".. وتفاعل واسع مع أدائه المربك للأعصاب    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذئاب الحالية في السياسة المصرية.. ظاهرة «ذوات الأربع»

كان الأستاذ مصطفى أمين كاتبا كبيرا ومهنيا أريبا وصحفيا صاحب مدرسة، وفى مقتبل عمره وبينما كان يجلب المعلومات للجريدة العريقة التى أسسها، الزميلة (الأخبار)، فإنه ابتدع أسلوبا مميزا لاختراق مجلس الوزراء قبل الثورة.. إذ استعان بعدد من موظفى الطبع على الآلات الكاتبة.. الذين كان يبتاع منهم الأوراق التى يكتبونها إداريا لكى يحصل على الأخبار المنفردة.. وكان يعطيهم فى الشهر أربعة جنيهات.. ومن ثم أطلق عليهم بسخرية مريرة (ذوات الأربع).
وذات يوم انكشف أمر أحدهم، إذ كان الوحيد الذى اطلع على أمر ما كلفه بطباعته أحد رؤساء الوزراء.. فلما تسرب الخبر فصل رئيس الوزراء هذا الموظف.. وكان أن وظفه مصطفى أمين فى الأخبار تعويضا.. وفيما بعد أصبح هذا الموظف الذى لم يكمل تعليمه الجامعى أبدا كاتبا مرموقا صاحب معارك وتاريخ عريض.. مازال على قيد الحياة.
ليس هدفى من ذكر هذه الحكاية المعروفة أن أتطرق إلى قصة هذا الكاتب الذى كان (موظف آلة كاتبة) وبداياته.. ولا أن أشير إلى من يمكن أن تجندهم الصحافة بثمن أو بدون فى دهاليز الحكومة.. بل أن أشير إلى أن مصطلح (ذوات الأربع) ليس دائما يشير إلى غير البشر.. وإنما أيضا إلى بشر لديهم مواصفات ما.. وفى الأدبيات المتنوعة يشار إلى الأطفال الرضع على أنهم من ذوات الأربع.. ويقال أيضا عمن بلغ من العمر أربعة أشهر (ذوات الأربع).. وفى الحياة السياسية المصرية الآن ظاهرة جديدة متجددة يمكن أن نصفها بأنها (ذوات الأربع).. وربما الخمس والست.
يجيدون اللغات المختلفة
و(ذوات الأربع) فى السياسة المصرية اكتسبوا هذه الصفة من كونهم يعيشون حالة قلق وترقب من المتغيرات والتفاعلات حولهم.. متوترون بشأن الغد.. لديهم رعب بشأن ما يتلاطم فى الإعلام حول سيناريوهات المستقبل.. ولأنهم يريدون أن يضمنوا شئونهم ومصالحهم.. فإنهم يفتحون قنوات ويمدون جسورا مع كل الأطراف.. جسر فى اتجاه الحكومة والحكم.. وجسر فى اتجاه الحركات الاحتجاجية.. وربما الأحزاب.. وجسر فى اتجاه الإخوان.. وجسر فى اتجاه الظاهرة المستجدة التى تحمل اسم البرادعى.. وهو بدوره «مستجد».
ويتكلم هؤلاء بأربع لغات يومية إن لم يكن أكثر.. لكل مقام مقال.. ولكل حادث حديث.. ولكل مربع ذراعه.. مع الإخوان يؤكدون على التوجهات السلفية.. ومع الحكومة يقولون أنهم أنصار الدولة المدنية.. ومع المحتجين يرفعون درجة التعبير عن مشاعر الغضب.. ومع الظاهرة المستجدة المعروفة باسم البرادعى يرطنون بعبارات ذات نكهة أمريكية.
لهم فى كل موقع يد.. وفى كل تربة بذرة.. قد تترك وقتا دون أن تروى لكنها موجودة ويمكن إنباتها فى أية لحظة.. وفى كل اتجاه وديعة.. قد تكون جارية وقد تكون مربوطة ومغلقة غير مكشوفة.. لكن حسابات أرباحها تعمل على مدار الساعة إلى أن يحين وقت سحبها أو الاقتراض على حسابها وبضمانها.. وفى كل اكتتاب سهم.. فتلك هى اللغة التى يستوعب مفرداتها أغلب عناصر تلك الظاهرة.. لأن فيهم تواجدا ملموسا من أصحاب الأعمال.
مساهمات فى المعسكرات
والمال ليس له دين وإن كان صاحبه مسلما أو مسيحيا.. وليس له اتجاه وإن كان حائزه يعلن توجهات من أى نوع.. فذوات الأربع ذئاب يسعون غالبا وراء مصلحة رأس المال.. وكل ما يهتمون به هو: هل سيكون المناخ فى الغد مناسبا للحفاظ على ماتحقق.. وتحقيق المزيد؟ وقد تكون الأسهم المكتتب بها عبارة عن علاقة غير معلنة.. أو عقد إعلانى فى جريدة.. أو مساهمة فى شركة.. أو مشاركة فى لقاء.. أو جلسات تعقد بليل مع هذا الطرف أو ذاك.. لقاء فى فندق.. أو اجتماع فى نادٍ.. أو حتى توظيف كادر فى شركة.. أو تبرع غير معلن عنه.. أو توافقات خفية.. وتربيطات سرية.. أو حفل فى سفارة.. أو اجتماع برعاية شريك أجنبى.. المهم أن تبقى الجسور ممتدة.. والقنوات مفتوحة.. ومشكلة هؤلاء أنهم يظنون أن الدولة لها معسكر من بين المعسكرات.. وليست المظلة التى يتفاعل تحتها الجميع.
أنا هنا لا أتحدث فقط عن الذين يؤيدون الحكم علنا ويمدون الجسور مع الآخرين سرا.. وإنما أيضا عن الذين يتبعون نهج المعارضة وفى نفس الوقت يمدون الجسور الوطيدة والمتينة مع الدولة والحكومة والحزب الوطنى.. ومن أعجب الظواهر أن تجد الأب معارضا لكنه يسعى بكل السبل لكى يكون لابنه موقعا فى حزب الأغلبية.. وأن تكون صحفهم من كبريات المروجين للاتجاهات الفوضوية لكنهم أنفسهم بينهم وبين الحكومة صفقات لا تنقطع.. وهى صفقات قانونية وليس هنا مجال الحديث عن شرعيتها.
ذوو الأربع ليسوا فقط من الرأسماليين.. بل فيهم سياسيون.. ونحن نسمع كل يوم عن حكايات موثقة لايمكن إلا أن تسبب مشيب الشعر.. وبخلاف المعارضين تجد محسوبين صرحاء على الدولة يمدون الجسور مع الصحف المعارضة لكى تكون لهم مساحات ناطقة أو صامتة.. فإن نطقت كان أن مدحت وإن صمتت كان أن تم ضمان ولائها لا تهاجم ولا تنتقد وإنما ترعى الود غير المعلن.
لديهم تراث وأرشيف
الظاهرة جديرة بالتحليل والتأصيل.. ليس بقصد الإدانة.. فهى تعبر عن عذابات شخصية وعن وجوه تغطى نفسها بعديد من الأقنعة.. وتعانى فصاما نفسيا وانقساما عقليا تظنه شطارة ومهارة.. وإنما بقصد مراكمة الخبرة السياسية.. لأننا نبنى واقعنا الديمقراطى.. ونضع قواعد التفاعل فى مجتمع لم يعتد أبدا هذه الحيوية فى الحراك.. وقد صدمت الحيوية الكثيرين بمن فى ذلك بعض الفاعلين.. والمشاركين والمراقبين.. حتى ظنوا أن الفوضى قادمة والطوفان آت.. وبعضهم على أتم استعداد لأن يستجيب لحكمة النذالة الشهيرة.. أى أن يضع ابنه تحت قدميه ويركب مع أى ممن يعتقد أنه نوح.
فى منتصف التسعينيات عرفت مصر هذه الظاهرة بشكل أقل.. كان (ذوات الأربع) من (ذوات الثلاث) أو أقل.. فالإرهاب كان يضرب البلد بعنف.. إلى درجة أوحت للبعض بأننا «قيد أنملة» من انهيار دولة وسقوط نظام.. وكان بعض هؤلاء يتفاءلون ويظنون أن المسافة أبعد من أنملة ولكننا على حافة الوقوع فى الهاوية.. ومن ثم فإنهم كانوا يعدون العدة من أجل القادم على الجثث والتفجيرات وفوق بحر الدماء.. ذعروا.. وخافوا.. وبخلاف من استعد للقفز من مركب البلد.. فإن هناك من كان يمد يده فى الخفاء للإرهاب.. يروى عطش هارب.. ويعين عائلة معتقل.. أو يأوى شخصا فارا.. أو يقيم مأدبة.. أو يصرف معونة لا تدرج فى حسابات المصروفات فى دفاتر الضرائب.
ولما انقشع الكابوس.. ورسخ فى ذهن هؤلاء أن الاستقرار قائم.. كان أن التقطوا أنفاسهم.. وظهروا من المخابئ التى تستروا فيها لكى يعلنوا إدانتهم للإرهاب.. ورفضهم له.. وأشادوا بالدولة التى وقفت فى مواجهة عاصفته.. وبلعوا كل انتقاداتهم لها والتى كانوا يرون أنها السبب فى انتشار الإرهاب وارتفاع معدلات العنف ذى الغطاء الدينى.
الرعب من الإخوان
عادت ظاهرة (ذوات الأربع) إلى السطح فى نهاية 2005 بعيد انتخابات مجلس الشعب.. قرأ الراقصون على الأحبال النتائج على أنها مؤشر اقتراب سقوط الدولة فى حجر الإخوان.. وعلى الرغم من أن الجماعة المحظورة لم تفز إلا بأقل من ربع المقاعد فى المجلس.. وليس لها أى ممثل فى الغرفة البرلمانية الثانية (الشورى).. لكن أصحاب النفوس المهتزة بدأوا الاستعداد لغد تصوروا أنه سوف يلوح خلال أشهر.. وفتحوا الآفاق مع الجماعة.. وبدأت لغة الخطاب تختلف.. تخاطب الحكم بقناع.. وتتوجه للإخوان بقناع.
وظلت الأرجوحة تتراقص فى اتجاه التطرف حينا وفى اتجاه المدنية حينا آخر.. وارتفعت وتيرة الإيقاع مع التهاب أزمة نادى القضاة - ليست أزمة قضاة وإنما أزمة نادٍ - وتصاعدت الأحداث بطريقة غير مسبوقة.. وخلط المتابعون من ذوات الأربع ما بين القضاة والنادى.. وظهرت فى الأفق تشبيهات مثيرة للدهشة بين ما فعله الضباط الأحرار فى 1952 عقب أزمة نادى الضباط وأزمة نادى القضاة.. ولما رأى البعض عددا من القضاة يتراصون فى الشارع قبالة النادى احتجاجا.. ظنوا أن الوقت المتبقى فى عمر الجمهورية قليل.. وأن هناك شيئا ما فى الأفق.. ومن ثم بدأوا فى تربيط تحالفات مختلفة.
شىء مثل هذا حدث مع اعتصام موظفى الضرائب العقارية فى شوارع مظاهرة لمجلس الوزراء.. وطال الاعتصام الذى كان تعبيرا لأول مرة عن خروج الموظفين المدنيين للاعتراض على الحكومة.. طال إلى درجة أوحت للبعض بأننا بصدد تغيير مهول.. وأن الحكومة لن تستطيع أن تصمد.. وأنه من الممكن أن يخرج ما يزيد على 5 ملايين موظف إلى الشارع اعتراضا واعتصاما.. وهذا سوف يكون علامة على عصر مختلف.
وانتهى الاعتصام بتصريح لوزير عنيد هو الدكتور يوسف بطرس غالى.. وفيما بعد.. ومع رسوخ الحراك الديمقراطى واتساع نطاق حرية التعبير.. كان أن تكررت الاعتصامات.. والإضرابات.. وأصبحت هذه الممارسات ظواهر عادية.. ومجرد أحداث ينظر إليها العابرون الرائون على أنها مشاهد فى الشوارع.. يصادفونها فى وسط القاهرة.. أو يشاهدونها بالتبادل مع مواد الأفلام والدراما فى برامج المساء.
القفز من المركب
الآن، تطور الأمر، مع اقتراب الانتخابات الجديدة فى مجلس الشعب، والانتخابات الرئاسية فى 2011، هناك ظواهر مستجدة.. لاتستطيع عقول (ذوات الأربع) أن تستوعب أبعادها.. ولاتعرف إلى أى مدى سوف تمضى.. ومن ثم فإنهم يعيشون حالة هياج عقلى.. يضربون الودع.. ويقرأون الكف.. ويرجمون بالغيب.. ولأن الثقافة محدودة.. والأصول ضعيفة.. والجذور على وجه الأرض وليست ضاربة فى العمق.. فإنهم يتحولون إلى مخلوقات عجيبة.. تشبه الكيان المعروف فى الأساطير الهندية والآسيوية.. صاحب الأذرع الممتدة فى كل اتجاه.. يمد يده هنا وهناك وفى مختلف الأنحاء.
قبل سنوات لفتت الظاهرة نظر الأستاذ محمد عبدالمنعم وكتب هنا فى روزاليوسف عن القافزين من المركب، وقبل أيام انتقد الأستاذ عبدالقادر شهيب فى جريدة الجمهورية سلوك وتوجهات بعض أثرياء المجتمع، وكتبت من قبل مرات عديدة عن الدور الذى تلعبه قطاعات من الرأسمالية فى تحفيز توجهات ضد منطق الدولة وقواعدها وقيمها رغم أنها تستفيد من واقعها ومنجزاتها.. ولكنى أتناول الأمر هنا فى صورة مختلفة.. فذوات الأربع ليسوا فقط مجموعة من رجال الأعمال.. المسألة تمتد لقطاعات مختلفة.. شخص هنا.. وشخص هناك.. ولايقتصر الأمر على المعارضين فى الأغلب.
فى التقييم السياسى لا تثير هذه الظاهرة أى قلق.. فهى عارض بلا وزن.. لأن (ذوات أربع) مجرد ساعين للمصالح لديهم عقلية نفعية مبسطة.. تعطى تصرفاتهم انطباعات متضاربة عن مواقفهم غير المحددة.. غير أنهم لايملكون تأثيرا واسع النطاق بحيث يمثلون متغيرا حقيقيا فى تفاعلات المجتمع.. هم بطبيعتهم وباختيارهم الرباعى ليسوا من الفئة التى يمكن أن تقرر تأثيرا فى مستقبل البلد.. لديهم شعور بالخوف على المصلحة الذاتية أكثر من كونهم يمارسون عملا جبهويا قد يشكل خطرا ما على الحياة السياسية.. ينظرون تحت أقدامهم.. وليس فى عقولهم تصورات متماسكة.. أو لديهم فى نفوسهم ثقة متكاملة.. ومن ثم فالمسألة بالنسبة إليهم نوع من المراهنة على أكثر من رقم فوق مائدة قمار.. يتصورون أنها موجودة.
أمراض النخبة
وتنعكس بالطبع أمراض النخبة السقيمة على هذه الفئة بحيث تدفع بذوات الأربع إلى أن يمارسوا لهاثهم وسعيهم بين الاتجاهات المتناقضة.. وأهم تلك الأمراض - وقد تناولتها فى مقال سابق وأعنى هنا النخبة بمعناها الواسع - أن طبيعة تكوين النخبة بعد ثورة يوليو قامت على أساس نفعى لا قيادى.. مصلحى لا تنويرى.. ذاتى وليس عاما.. ففى ما بعد الثورة نمت النخبة الثقافية والاقتصادية والسياسية على أساس الارتباط بالدولة.. والاستفادة منها.. ولما تغيرت الأوضاع.. لم تستطع فئات عريضة منها أن تستوعب حقيقة أنها لابد أن تبنى نفسها بنفسها.. وأن عليها ألا تكون لبلابا متسلقا على أفرع الدولة وإنما أن تكون هى التى تروى شجرة الدولة بمعناها الواسع.. وفى هذا ليس مثيرا على الإطلاق أن تتقرر مواقف البعض بناء على وظيفة نالها هنا أو موقع لم ينله هناك.
وقد أدت طبيعة نشوء النخبة، على أكتاف الدولة، إلى أنها صارت تبحث عن أى راع.. حين افتقدت رعاية الدولة.. ومن ثم لا أندهش حين تتجسد تلك الرعايات فى الامتدادات الخارجية.. أو حتى فى الرعايات الداخلية من أصحاب رءوس الأموال لعدد من المثقفين وأصحاب الأقلام بل المبدعين.. هؤلاء أثروا فى أولئك.. وانتقلت تخبطات هذا الفريق المرعى إلى الفريق الراعى.. سواء كان دولا تجمع تصورات عن الدولة.. أو أطرافا فى البلد تستشرف الغد.
ومن عجب أن هذه النخبة، فيها قطاعات مثقفة واقتصادية وسياسية، تتحدث عن التغيير، فى حين أن رياح التغيير يجب أن تعصف بها هى فى الأساس.. وحديثها الرطن عن التغيير ليس إلا محاولة منها للهروب من استحقاقاتها المختلفة وواجباتها المفترضة.. ونوع من التبرؤ من مسئولياتها تجاه المجتمع.. إذ لم تقدم له حلولا.. ولم تقترح عليه أفكارا.. ولم تقدم له تصورات.. وإنما هى فى الأغلب الآن تمضى فى اتجاه الركوب فوق موجات والقفز فوق أى ظواهر متصاعدة.. لا تقيم وإنما تتبع.. ولا تضع التصور وإنما تتمسك بأهداب المتغيرات.. ولاتبنى وإنما تسكن.. نخبة أصداء الصوت.. ومادامت الدولة لا تريد أن ترضع الذين لم يفطموا بعد.. فإنهم يكونون أصداء أصوات أخرى.
يريدون دولة طاغية
ظاهرة (ذوات الأربع) من ناحية أخرى هى تعبير حقيقى عن عدم قدرة أطراف فى المجتمع على احتمال أنواء الحراك.. ليس لديها خيال الاستيعاب.. ومن المذهل أن المواطن العادى أمكنه تفهم المجريات أكثر من فئات فى نخبته.. ومن المدهش أن الدولة كانت أقدر على إدارة الحراك وتشرب سلبياته واحتواء آثاره أكثر من مجموعات فى كريمة المجتمع.
هذه النخبة بكل تنوع فئاتها، وخصوصا ذوات الأربع، رغم حديثها عن الديمقراطية ومطالبتها بمزيد من الحريات، فى عميق عقيدتها لايمكنها احتمال دولة تتعامل مع الحراك الذى ابتدعته وفق معايير الإدارة لا الرقابة.. ومقاييس الإتاحة لا المنع.. نخبة تربت على أساس أن الدولة القوية هى الطاغية.. وأن الدولة الضعيفة هى التى تتيح وتسمح.. ومن ثم فإن الانطباع لدى (ذوات الأربع) أن الحرية تفكك.. وأن التعامل مع المتغيرات بمنطق عصرى راغب فى التطور هو دليل عدم القدرة.
وقد جرى اختبار توجهات الدولة.. ليس من أجل التعرف على مقاصدها البعيدة أو قدرتها على الاحتمال.. وإنما لقياس ما إذا كانت حريصة على سيطرتها المباشرة.. بالأساليب القديمة.. التى مضى عصرها.. وكانت نتيجة الاختبار أن تلك النخبة لم تستوعب حقيقة ما يجرى.. وأن الدولة تؤمن أكثر من غيرها بالحراك والتفاعل الديمقراطى.. وأنها لاتريد أن تمارس بطشا.. فأصبح هذا بابا واسعا للاستمراء الذى من مخاطره أنه لو لم يخضع لإدارة الدولة لأصبح فوضى عارمة.. وكان أن انعكس هذا الاستمراء على (ذوات الأربع) فراحوا يمدون الجسور فى اتجاهات مختلفة لأنهم حقا لايستوعبون ما يجرى.
القارئ يعرف أكثر
فى الأسبوع الماضى راسلنى قارئ اسمه إيهاب عبدالله عوض.. واختار مقاربة طريفة جدا لموضوع التغيير والتطوير فى المجتمع.. وكانت مقاربته من خلال ما يجرى فى الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية.. وقال: (يجرى الآن تحويل هذا الطريق إلى طريق أسرع به أربع حارات لكل اتجاه ولا توجد به تقاطعات عشوائية، لذلك يتم عمل تحويلات مرورية لمسافة 6 إلى 7 كم على مسافات متفاوتة تقريباً كل 30 كم، من أجل عمل الإصلاحات والتجديدات بهذه المسافة أو تلك.. وهذه التحويلات المرورية تؤدى إلى اختناقات مرورية بسيطة.. وقد تكون كبيرة فى بعض الأحيان.. على حسب الكثافة المرورية، وهذا بالطبع يثير ضجر المسافرين على الطريق لتأخر موعد الوصول أو لأنهم يضطرون للقيادة بشىء من الحذر خلال هذه التحويلات لضيق الطريق على حارتين فقط، إلا أن المسافر عندما يمر على المسافات التى تم الانتهاء من تطويرها يكون فى منتهى السعادة وهو يقود السيارة ويشاهد بعينه الشكل الممتاز الذى سوف يصبح عليه الطريق بعد استكمال الإصلاحات،
ويرى أنه من الأفضل أن يتحمل على نفسه من أجل أن يصبح الطريق بهذا الجمال. أضاف: هذه المقدمة أود أن أوضح منها أن أى عمل يتم إصلاحه أو إعادة هيكلته لا يتم بين يوم وليلة، ولكى يتم الإنجاز والتطوير والتصحيح والإصلاح بنجاح لابد أن تكون هناك فترة من عدم الاستقرار أو مسافة زمنية غير مستقرة.
واختتم مقاربته قائلا: هذا هو حالنا الآن فى مصر، نمر بمرحلة إصلاح وتجديد فى مصر ككل وفى جميع النواحى على شكل متوازٍ، فى التعليم فى الصحة فى الصناعة فى الطرق والموانئ، هل من الممكن أن تتحول مصر الاشتراكية فى عهد عبدالناصر إلى ديمقراطية أو ليبرالية بين يوم وليلة؟ هل يستطيع الشعب الشعور بحرية الرأى والتعبير دون المرور بمراحل تخبط لا يعرف الشعب فيها الفرق بين الحرية المسئولة والحرية الهادمة؟
هل تستطيع مصر التحول إلى الرأسمالية دون حدوث مشكلة بطالة مؤقتة، هل يمكن أن نتحول إلى دولة صناعية بين يوم وليلة ودون تخطيط؟ كل ذلك لابد أن يتم على فترات.. ويتم تقييم كل فترة.. والبحث عن الأفضل دائماً).
انتهت مقاربة القارئ العزيز.. وأعتقد أنه يفهم ما يجرى فى البلد أكثر كثيرا جدا من (ذوات الأربع).. وقطاعات مختلفة من نخبة مصر.؟
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى: http//alsiasy.blospot.com
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.