الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يتحدث إلى المصريين فى مصر والخارج على شاشة المحور التى يملكها رجل أعمال مصرى مائة بالمائة، ومصالحه كلها هى مع مصر وليس مع غيرها، وهو يستضيف القطب الإخوانى الأكثر أهمية، بعد خروج هذا الأخير من وراء القضبان. الدكتور أبو الفتوح يقول إن الإخوان لا يعتبرون أنهم كل الشعب، وسوف يسعدهم أن يفوزوا بخمسة وعشرين بالمائة من مقاعد البرلمان القادم. ولكن هل تختصر مصر بكل تياراتها وفئاتها فى الحزب الوطنى والإخوان؟! لقد أشار أبو الفتوح فى حواره مع تليفزيون المحور إلى ممثلى تيارات سياسية مختلفة، ولا أتذكر بين من ذكرهم ليبراليا واحدا، ذكرهم باحترام بالغ مؤكدا أنهم أبناء جيل السبعينيات الذى لم ينل الفرص التى يستحقها ناسيا أن معظم وزراء الحكومة الحالية هم من جيله وجيل من أشار إليهم مثل حمدين صباحى وأحمد بهاء الدين شعبان والمرحوم أحمد عبد الله رزة، ومتناسيا أن الحكم فى مصر حتى ساعة تاريخه هو للتكنوقراط، وليس للسياسيين أى أن جيله أخذ الفرصة، ولكن من خلال التكنوقراط. لقد كان تشكيل حكومة الدكتور نظيف تطوراً فى الصيغة السياسية، من حيث إنه انتقل من حكم التكنوقراط إلى حكم التكنوقراط رجال الأعمال، وإذا كانت البلاد مقبلة على تحول جوهرى فقد يكون من عناصر الجديد المأمول أن يدخل الحكومة بعض التكنوقراط المسيسين، وليس فقط التكنوقراط رجال الأعمال. فما هى العناصر المسيسة التى يمكن أن تختار منها القيادة السياسية من يصلح للمناصب الوزارية ليعملوا جنبا إلى جنب مع الفنيين من أصحاب الخبرة فى المناصب القيادية فى هيئات الحكومة والجيش والشرطة والقضاء؟ لقد برزت فى الشارع السياسى المصرى فى السنوات الأخيرة أسماء مهمة منها من كانوا شخصيات قوية فى أحزاب ضعيفة، ومنها سياسيون مستقلون، ومنها نقابيون أكفاء فى نقابات مجمدة، وناشطون فى المجتمع المدنى، ومفكرون، وإعلاميون، ورجال أعمال، ومعظم هؤلاء تكنوقراط، فنيون بارزون فى مجالاتهم المهنية. باختصار لدينا أفراد متميزون فى كيانات ضعيفة سياسيا، وتطعيم الحكم بأسماء تنتمى لهذه الكيانات بصفاتهم الشخصية لا الحزبية، قد يكون بداية لتقوية التيارات التى تمثلها هذه الكيانات الضعيفة تمهيداً لخلق تعددية حقيقية، وبداية لإخراجنا من الجاكتة الجبس التى لبستها مصر منذ يناير 1953 عندما ألغيت كل الأحزاب، وبقى الإخوان المسلمون وحدهم، فخسرت الدولة، وخسر الإخوان، وضاعت الديمقراطية التى نبحث عنها منذ ذلك اليوم، وها نحن نقترب منها فى بطء وحذر، وقد لا نبلغها إلا بعد عشر أو خمس عشرة سنة. ليكن للإخوان ثمانون مقعداً أو أكثر أو أقل فى البرلمان، ولكن بالمقابل فالحكومة لا يجب أن تبقى مؤلفة من عناصر فنية خالصة أو من فنيين تجار. فلتفتح مصر أبواب الحكم للمثقفين، وللحقوقيين، وللناشطين فى العمل العام الذين يفهمون مصالح البلاد ولا يبيعونها بأى ثمن. هكذا يتحقق التنوع المتوازن. أنا أعرف أن النموذج الذى تريده الولاياتالمتحدة وبريطانيا لنا هو ما يسمى النموذج الإسلامى الليبرالى مثل تركيا، وأعرف أن مناطحة الثور الأمريكى رأسا برأس عمل غير محمود، وأن مصر تقاوم ولا تناطح لكن المقاومة لن تجدى إلا بالقوة الداخلية. حشد كل التيارات السياسية الشعبية وراء القرار الوطنى هو أهم مصادر القوة الداخلية، وفتح الباب للإخوان وحدهم لا يحقق هذا الحشد، ووجود شخصيات سياسية من تيارات غير التيار الذى يمثله الحزب الوطنى هو شكل من الائتلاف الذى يعد هذه التيارات لدور أكبر فى المستقبل، والأهم أنه يحمينا من الانزلاق إلى فخ الدولة الدينية. لقد قال أبو الفتوح أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، لكنه يمثل الإخوان، وليس الإسلام، ولهذا فبعد أن تبرأ من الدولة الدينية دافع عن المرجعية الدينية الاستشارية وأشار إلى مصر بوصفها دولة إسلامية.