بعد يوم واحد من نشر خبر عن اشتداد المرض على الأميرة فريال، نشرت الأهرام يوم السبت الماضى خبراً عن وفاة آخر سلاطين بنى عثمان فى أسطنبول ، التى عاد إليها بعد سنوات طويلة فى منفاه الأمريكى فى نيويورك، لكن أمريكا لم تكن المكان المفضل لملوك مصر، خاصة أن صحافتها لعبت دوراً فعالاً فى فضح آخر السلالات الملكية فى بلادنا، ربما لأن ملوكنا كانوا "صناعة أوروبية" خالصة ولعلنا نتذكر أن آخر ملوك السلالة العلوية، فاروق الأول، بعد الإذلال الذى لقيه على أيدى القوات البريطانية فى 4فبراير 2491، لم يهدأ له بال حتى تم تعيينه ضابطا فى جيش الاحتلال الأوروبى برتبة الفريق. ولماذا نذهب بعيدا؟ إن أفراد هذه الأسرة يعيش معظمهم فى أوروبا الآن مقترنين برجال ونساء، أزواج وزوجات من الأوروبيين وهو ما ينسجم مع التربية الأوروبية التى نشأوا عليها، وهذا أمر نذكره للتاريخ وليس للتشهير بهم ولا لامتداحهم والغريب أننا كلما تحدثنا عن دور أوروبا فى تاريخنا تذكرنا بريطانيا وفرنسا وربما ألمانيا وروسيا ولكن ماذا عن سويسرا التى حرص فاروق الأول أن يعيش فيها ابنه ووريث ألقابه وشقيقات الوريث وأمه إن شاءت؟ لقد مات فى سويسرا عباس حلمى الثانى حبيب الشعب الذى بكينا عزله وغربته لعشرات السنين، وظل كبارنا وصغارنا يهتفون "الله حى، عباس جى" حتى جاءنا جمال عبد الناصر وأصبحنا نرى فيه وحده الماضى والمستقبل. ولم ترتبط سويسرا بالملوك وحدهم بل كانت أيضا محطة رئيسية على طريق النضال الشاق الذى خاضه محمد بك فريد من أجل الاستقلال وعندما أراد عباس حلمى أن يلعب أحمد لطفى السيد دوراً كبيراً فى الحركة الوطنية أمره بأن يذهب إلى سويسرا ويكتسب جنسيتها حتى يعجز الإنجليز عن إيذائه. ولم يكن الأمر يتعلق برؤية شخصية لدى عباس حلمى لما يمكن أن تفعله سويسرا التى نشأ وتعلم فيها للقضية المصرية فالأمر أعمق من هذا، بدليل أن الشيخ محمد عبده الذى اعتبره الخديو عدوا له بل قائدا للمعسكر المناوئ له ولأسرته، ذهب هو الآخر إلى سويسرا ليتعلم على يدى الأستاذ السويسرى الذى كان أحمد لطفى السيد يتعلم على يديه وانضم إليهما قاسم أمين الذى وضع مؤلفاته عن قضية المرأة بتوجيهات من محمد عبده وفى بعض الروايات بإملاء من محمد عبده. وقد تحولت العلاقة بين الأستاذ السويسرى ومحمد عبده إلى صداقة شخصية وعائلية وأورد الشيخ بعض الصور التى تسجل لحظات من هذه العلاقة فى مذكراته التى حررها طاهر الطناحى. سويسرا حاضرة إذن فى تاريخ مصر برعايتها لملوكنا ولقادة الفكر والسياسة فى ثقافتنا لكنى أعتبر أن أعظم من أسهم فى تاريخنا من السويسريين هو المسيو رويه الذى كان رائد الأمير عباس حلمى قبل أن يصبح خديويا والذى صحب عباس حلمى فى رحلة العودة والذى عينه الخديو سكرتيرا عاما للحكومة المصرية. وحتى قيام النظام الجمهورى بعد 2591 كانت الأرستقراطيات المصرية ومن مختلف بلاد المشرق تتردد على سويسرا كل صيف وكنا نتابع حتى بعد الثورة أخبار شاه إيران وثريا وأخبار أغاخان وأم حبيبة والملك حسين وزوجاته المتتاليات فى سويسرا فى مجلة الاثنين والدنيا ومطبوعات أخبار اليوم. لقد أصبحت مصر مركزا مهما فى العالم اليونانى القديم منذ وطأت أرضها قدما الإسكندر الأكبر ثم لعبت أعظم الأدوار فى تاريخ المسيحية إبان العصر الرومانى ثم حكمها ملوك أوروبيون فى زمن المماليك منهم شجرة الدر الأرمنية وعلى بك الكبير الروسى وبدر الجمالى الأرمنى لكن الاحتلال العثمانى ربطنا بالنظام الدولى الأوروبى ثم جعلت أسرة محمد على(بلديات الأسكندر الأكبر) علاقتنا بأوروبا طريقا إلى الحداثة والتقدم، وهو أمر كانت له سلبياته وايجابياته، لكنه يبقى شديد الأهمية. فى هذا الإطار أدعو إلى دراسة متعمقة ومتأنية لدور سويسرا فى التاريخ المصرى. وبالمناسبة هل يعرف الكثيرون منا أن المسلمين وصلت جيوشهم إلى سويسرا فى القرون الوسطى؟ هذا أمر قديم وليس مهما للتاريخ المصرى وهدفى أن نوسع دائرة البحث فى تاريخ قيام الدولة المصرية المعاصرة.