يتصاعد الحديث في الولاياتالمتحدة عن التفاوت الصارخ في الدخل بين قلة ثرية تتربع علي قمة المجتمع الأمريكي، ولا تتجاوز نسبتها 1% منه، وبين الغالبية العظمي من السكان، وكان الاحتجاج علي ذلك، في صلب أهداف حركة «احتلوا وول ستريت» ولكن الإجماع علي صحة هذه الظاهرة يقابله اختلاف في تفسيرها وتحديد أسبابها. تقول صحيفة نيويورك تايمز :عادت قضية اللامساواة في المجتمع الأمريكي لتحتل عناوين الأخبار، ويعود الفضل الأكبر في ذلك، إلي حركة «احتلوا وول ستريت» ولكن بمساعدة من مكتب الميزانية في الكونجرس، وهذا يعني أن الوقت قد حان لنشر التضليل والتشويش. فكلما اقتربت قضية الفوارق المتنامية في الدخل من احتلال الصدارة، تتعمد فئة قوية من المدافعين إلي طمس الحقائق من جديد، فتطرح مراكز الأبحاث تقارير تدعي أن اللامساواة ليست في حالة تصاعد فعلا، أو أن الأمر لا يستحق الاهتمام ويحاول الخبراء أن يسبغوا علي الظاهرة وجها حميداً، مدعين أن القضية ليست قضية قلة ثرية مقابل البقية، بل قضية متعلمين مقابل فئة أقل تعليما. ولكن كل هذه الادعاءات ما هي محاولات للتعمية علي الواقع الصارم وهو أن لدينا مجتمعا يتزايد فيه تركيز المال في أيدي قلة من الناس، وأن ذلك التركيز للدخل والثروة فيه، ينذر بجعلنا دولة ديمقراطية بالاسم فقط وقد تناول مكتب الميزانية بعض ذلك الواقع الصارم في تقرير حديث له، أظهر بالوثائق انحدارا حادا في النصيب من الدخل الكلي الذي يذهب إلي الأمريكيين من ذوي الدخل الأدني أو المتوسط، ولا يزال يحلو لنا أن نفكر بأنفسنا باعتبارنا بلدا للطبقة المتوسطة، ولكن تلك الصورة تزداد تعارضا مع الواقع، مع حصول الأسر التي تقع في قاع المجتمع، والتي تشكل نسبة 80% علي أقل من نصف الدخل الكلي. وردا علي ذلك قاموا بنشر بعض الحجج المألوفة، مثل القول إن البيانات ناقصة وهي ليست كذلك، وأن الأثرياء فئة دائمة التغير والأمر ليس كذلك، ولكن الحجة الأكثر شيوعا فيما يبدو في الوقت الحاضر، هي الادعاء بأننا قد لا نكون مجتمع طبقة متوسطة بل ما نزال مجتمع طبقة متوسطة عليا، تزدهر فيه طبقة عريضة من العمال المتعلمين تعليما عالياً، ويجيدون المنافسة في العالم الحديث. ويتابع الكاتب قائلا: إن تلك قصة لطيفة، وهي أقل إثارة للقلق من صورة أمة يعقد فيها لواء الهيمنة لفئة ضئيلة من الأثرياء، لكنها ليست صحيحة.. صحيح أن العمال الذين يحملون شهادات جامعية، أفضل أداء في المتوسط من العمال غير الحائزين علي تلك الشهادات، وقد اتسعت الفجوة مع الزمن بين الفئتين بوجه عام، ولكن الأمريكيين من ذوي التعليم العالي، ليسوا بحال من الأحوال محصنين ضد ركود الدخل، وتنامي انعدام الأمن الاقتصادي. وقد كانت مكاسب الأجور لمعظم العمال الجامعيين عادية وغير موجودة منذ سنة 2000 بينما حتي المتعلمين تعليما جيدا لم يعد بوسعهم الاعتماد علي الحصول علي وظائف بفوائد جيدة، وفي هذه الأيام بوجه خاص، تقل فرص حصول العمال الحائزين علي شهادة جامعية أولي ولا شيء من الشهادات بعدها، علي تغطية صحية في مكان العمل، عن فرص العمال الحائزين علي شهادة المدرسة الثانوية فقط سنة 1979 وعلي ذلك فمن يحصل علي المكاسب الكبري.. أقلية ثرية ضئيلة.. تقول الصحيفة إن تقرير مكتب الميزانية يوحي بأن إعادة توزيع الدخل صعودا بعيدا عن 80% في القاع، قد ذهبت جميعا إلي 1% من الأمريكيين الذين يتمتعون بأعلي دخل، أي أن المحتجين الذين يعتبرون أنفسهم يمثلون مصالح ال 99% محقون في طرحهم، وأن الخبراء الذين يؤكدون لهم بوقار أن الأمر يتعلق بالتفاوت في التعليم، لا بمكاسب نخبة ضئيلة مخطئون في طرحهم تماما. ولكن لماذا ينطوي هذا التركيز المتزايد للدخل والثروة في أيد قليلة، علي أهمية كبيرة؟ جزء من الجواب هو أن تصاعد اللامساواة يعني وجود أمة لا تساهم فيها معظم الأسر في النمو الاقتصادي مساهمة تامة، وجزء آخر من الجواب هو أنك ما أن تدرك الدرجة التي أصبح بها الأثرياء أشد ثراء، تصبح الحجة المطالبة برفع الضرائب علي ذوي الدخول العالية، أكثر إقناعا ولكن الجواب الأهم، هو أن التطرف في تركيز الدخل، لا يتلاءم والديمقراطية الحقة وهل بوسع أحد أن ينكر بجدية أن نظامنا السياسي يجري تشويهة بفعل نفوذ الأثرياء وأن التشويه يتفاقم مع ازدياد ثروة القلة؟