أسئلة وقضايا كثيرة تتلاحق يوميا فى أروقة المجلس الأعلى العسكرى.. منها ما يتم إعلانه، ومنها مالايزال قيد الكواليس.. حاولنا الاقتراب للإفصاح عن بعضها من خلال مناقشات مع بعض أعضاء المجلس العسكرى حتى تم رصدنا لأربع منها. حماية الدولة المدنية السؤال الأول.. والأهم أمام المجلس الآن هو ترقب الشارع السياسى المصرى والمجتمع الدولى، لوضع الجيش بعد تسليم شئون البلاد إلى برلمان منتخب بنزاهة وحكومة يرضى عنها الشعب ورئيس حكيم. يرى الجيش أن وضعه سوف يحدد بشكل قاطع فى الدستور الجديد، على الرغم من أن بعض التيارات السياسية تبدأ بالهجوم كخير وسيلة للدفاع مشككة فى أن المجلس العسكرى ينوى بالفعل تسليم إدارة البلاد، والمجلس يرى أنه وضع خارطة طريق لنقل السلطة عندما قام بتحديد تواريخ الانتخابات، إلا أن البعض يتشكك فى حسن النوايا فى المجلس الأعلى الذى بدوره يذكر أن فى حلقه مرارة عدم ثقة البعض فى نواياه ويذكر أن هؤلاء لهم مصالح فى هذا، أولها أنهم يفتقدون الرؤية السياسية لمستقبل مصر ويريدون أن يُغض البصر عن افتقارهم لذلك وعليه يقومون بإطلاق فزاعة اسمها «العسكر» ثانيا أن هؤلاء المتشككين لن ينالوا مآربهم إلا بشيوع الفوضى فى البلاد، لكى يعقدوا الصفقات داخليا وخارجيا للاستحواذ على السلطة التى يعلمون أنها لن تتحقق لهم بالطريقة الديمقراطية.. . ومن هنا وجد المجلس العسكرى أن واجبه ألا يترك لأى من كان الفرصة لاقتناص دور لا يريده الشعب، خاصة بعد أن صار التلويح بأن الدولة المدنية عكسها دولة عسكرية مع أن المعنى العكسى الصحيح هو الدولة الدينية. وفى كل الأحوال فإن العكس لا يكون صحيحا إذا ما اعتلى شخص واحد من الدينيين أو العسكريين «كرسى السلطة» ولكن إذا أراد أحدهما أن يعم تياره على كل أماكن اتخاذ القرار فى مصر، فمثلا شكل حكومة عسكرية بأن يترأس كل مؤسسات الدولة عسكريون، أو حكومة دينية يضع فقيها على رأس كل وزير، عند هذا تعتبر الدولة دينية أو عسكرية.. ومن ثم فإن الخوف الذى يطارد الشعب ويضعه المجلس نصب عينيه أن مصر منذ ثورة 52 يحكمها «عسكر» والذى فى كل مرة ينفرد فيها بالحكم يكون التورط من نصيبه، حيث كانت البداية هزيمة عسكرية عام 67 لأن كل مؤسسات الدولة كان يديرها العسكريون فانخرطوا فى السياسة وأداروا القوات المسلحة سياسيا وليس عسكريا وفى فترة الرئيس السادات كان إلزاميا عليه إدارة الدولة بشكل عسكرى فى كل مناحيها، حيث كانت ظروف الدولة فى حالة حرب وحتى بعد أكتوبر 73 فإن الدولة كان اقتصادها مازال قيد الحرب وتبعاتها، وفى عهد الرئيس المخلوع مبارك حاول أن يخرج من مأزق الحكم العسكرى ولكنه وقع فى خطيئة الانتقاء السيئ حيث كان بديل العسكر هو الرأسمالية المتوحشة ممثلة فى سيطرة مجموعة من رجال الأعمال مدعمين بمستشارين لهم على درجة وزير يسهلون لهم مصالحهم معتمدين صك الفساد ولا يرحمون فقيرا ولا يقيمون عدلا حتى ضاعت هيبة الدولة والمواطن معا.. والآن أمام المجلس الأعلى هذه الصور المتعاقبة يضعها أمامه ويفكر مليا كل يوم بأنه لن يكرر هذا أو ذاك، ولكن أيضا على عاتقه تسليم البلاد لمن هو قوام عليها وباختيار ورضا الشعب.. ويفكر المجلس فى المعادلة الأهم فى تاريخ الأمة؟ كيف يقوم بتسليم السلطة وفى الوقت نفسه يضمن الحماية للشعب من اللعب به أو الاستحواذ على مقدراته فى المستقبل ودون أن يكون «العسكر» على رأس السلطة، ولذا يجب أن يكون الدستور ضامنا متضامنا لدورهم فى المستقبل لأنهم سيكونون الراعى الأساسى لتطبيق الديمقراطية وحماية الدولة المدنية التى يأملها الشعب وعلى هذا الأساس سيكون هذا واضحا فى الدستور الجديد.. وتوصل المجلس أيضا إلي أنه يجب أن يبذل كل ما لديه من أجل أن يكون هناك برلمان «توافقى» من كل فئات الشعب لإفراز حكومة «ائتلافية» تقر تشريعات عادلة غير ممثلة لجماعة أو طائفة أو حزب أو تيار ما، ولذلك فإن المجلس يبذل مجهودا لكى يقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية. ولقد صرح لنا المشير طنطاوى بأن قانون «الغدر» محل دراسة فى المجلس وأنه ليس بالضرورة يتم تطبيقه على الانتخابات القادمة، ما جعلنا نريد توضيحا، وكان رد المجلس أن المفسدين مستبعدون بالقوة الشعبية وأن على الآخرين أن يعوا الدرس لأن قانون «العزل» سوف يتم إقراره فى البرلمان القادم وسيكون الحكم قاسيا. 12 مليار جنيه السؤال الثانى.. لماذا أمر «المشير» بضخ 12 مليار جنيه من ميزانية القوات المسلحة فى ميزانية الدولة؟ يرى رئيس المجلس الأعلى أن فى رقبة الجيش «جميل» يجب أن يرد للشعب المصرى الذى ربط الأحزمة وتحمل الكثير فى تسليح وإعادة بناء الجيش بعد هزيمة 67 العسكرية، حيث شارك الشعب فى المجهود الحربى بكل ما يملك من قوت أولاده وأرواحهم، وأنه من الضرورى عندما يحتاج الشعب لمساعدة الجيش فإن عليه واجب الرد، وعليه قام الجيش بترشيد استهلاكه فى كل شىء ما عدا بالطبع التسليح الضرورى، ولذلك نجد بعض أعضاء المجلس يرددون أن المشير اقتطع ال 12 مليار من «لحم الحى» حتى لا تستدين مصر من الخارج ولا يعرض الشعب المصرى لأى نوع من الجوع أو الحرمان، وفى الوقت نفسه المجلس العسكرى أمامه مشكلة كبرى فى أن البعض لا يضع نصب عينيه ما يمكن حدوثه فى حال تعطيل مقدرات الدولة أكثر من ذلك.. ومن أين يأتى الجيش بمليارات أخرى؟ «الأغلبية الصامتة» السؤال الثالث.. فى إحدي جولات المشير الأسبوع الماضى سأل أحد الصحفيين عن أن التيارات والنخب السياسية والثقافية لا تضع فى اعتبارها الأغلبية الصامتة، والمقصود «عامة الشعب» الذين يفضلون التعبير عن آرائهم فى محيط صغير غير مسموع نطاقه الأقارب أو الزملاء، ولا يفضلون الاشتراك فى المعترك السياسى الدائر الآن. عند ذلك خرج «المشير» عن هدوئه المعتاد وبصوت عال قال: أنا لا أريدهم صامتين ولا على كنب يجب على الجميع أن يتفاعل ويعلن رأيه بشكل مسموع ولا يتركون غيرهم يفرضون أو يحددون لهم مستقبلهم هذا ضرورى فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر.. كان من أطلق السؤال يريد أن يوحى «للمشير» بأن هؤلاء الصامتين هم مؤيدون لتواجد المجلس العسكرى فترة أطول، ولكن رفض المشير لذلك أعقبته همهمات من القيادات الأربعة الكبيرة فى المجلس الأعلى وهم «الفريق سامى عنان رئيس الأركان والفريق عبدالعزيز سيف قائد الدفاع الجوى والفريق رضا حافظ قائد القوات الجوية والفريق مهاب مميش قائد القوات البحرية» الذين أجمعوا على أنهم يرفضون أن يكون الشعب المصرى أغلبيته صامتة غير معبرة عن آرائها وأنه يجب أن يخرجوا عن هذا الصمت الذى لم يعد له داع، بل صار من الواجب الإفصاح بالرأى الذى سيكون قاطرة اتخاذ القرار الصائب من قبل المجلس الأعلي. من يدير البلاد؟ السؤال الرابع.. هل يتشبث المجلس العسكرى بإدارة شئون البلاد فى المرحلة الانتقالية؟ بعض التيارات السياسية تطالب برحيل المجلس العسكرى وتشكيل مجلس رئاسى، ويصور البعض الجيش بأنه متشبث بوضعه فى إدارة شئون البلاد.. ويرى المجلس العسكرى أن إدارته لشئون مصر فى هذه المرحلة الإنتقالية والحرجة ليست تكليفاً ولا تشريفاً ولكنه واجب، ومع كل الممارسات للضغط عليه لترك الساحة لهذا أو ذاك لن يحدث لأن الشعب هو الذى ارتضاه لهذا الدور وأيده بخروجه يوم 28 فبراير محميا به مناديا بوقوفه بجانبه ويرى المجلس أنه أمام موقف تفرضه المرحلة التى ينتقل فيها الشعب من «نظام رفضه لآخر يرغبه» وبالتالى فإن مهمة المجلس هي قيادة الشعب للوصول إلى هذا السبيل وأنه لن يعطى فرصة لأحد لكى يتلاعب بشعب مصر وأن تمسكهم بإدارة هذه المرحلة سوف يحاسبهم عليها التاريخ والشعب وليس فئة لا تريدهم أو تيارات تتضامن من أجل مصالح خاصة ليس للشعب فيها «ناقة ولا بعير» وأن الشىء الوحيد الذى يجعل المجلس تاركا لإدارة شئون البلاد هو «الشعب» فقط لا غير، مجتمعا وليس جماعة أو تيارا يقول إنه معبر عنها لأنه - أى الشعب - سوف يختار من يعبرون عنه عبر صناديق الاقتراع.